يقدم الكاتب الجزائري هنا شهادته النابعة من معايشة طويلة لمشاكل المهاجرين العرب والمسلمين في الغرب، ويرسم صورة لأفعال الإسلامجية في الغرب ورد فعل الغرب وكراهيته لهم، وهي شهادة تكشف عن كثير من ملامح الاسلاموفوبيا والعنصرية، وإن كان الحل لديه في مجموعة من التمنيات بالاندماج واحترام الآخر.

إرهابُ الشّرقِ في الغرب

عمارة بن صالح عبد المالك

التّفجير الاِنتحاريّ الذي هزّ مدينة مانشستر البريطانية ليلة الإثنين 22/05/2017 على الساعة 21:33 بتوقيت غرينتش؛ هو أعنف تفجير إرهابي يضرب المملكة المتحدة بعد تفجيرات لندن في 05/07/2005، ونفّذه شابّ بريطاني مسلم، من أصول ليبيّة يسمى سلمان رمضان العبيدي، إذ فجّر نفسه بعبوة ناسفة داخل قاعة مانشستر أرينا، وهي أكبر قاعة مسقوفة للرّياضة والحفلات في أوربّا، وتتّسع لـأكثر من 21 ألف شخص، وذلك عقب انتهاء حفل مغنية الپوپ الأمريكية الشهيرة ”أريانا غراندي“، وأودى بحياة 22 شخصا، أكثرهم من الشباب والأطفال، وجَرحَ 59 آخرين. هذا الشّاب الذي غرّر به تنظيم داعش الإرهابيّ مولود في مدينة مانشستر في 31/12/1994 لـأبوين ليبيْين هربَا من نظام الزّعيم الرّاحل معمّر القذّافي، ولجآ إلى بريطانيا التي وفّرت لهما ولـأطفالهما الأربعة الحياة الآمنة والكريمة، وقد كان الأب ضابطا عسكريا. سأسلّط الضّوء على الاِعتداءات الإرهابية التي وقعتْ على العالم الغربيّ منذ بداية الألفيّة الثّانية، وارتبطتْ بمنفّذين من أصول مسلمة، وأحاول الكشف عن دوافعها الباطنية قبل الظاهرية.

بادئ البدء؛ وجدتُ أنّ جلّ أولئك الإرهابيّين المغرَّر بهم، وقلْ 99%، لم يعْدوا أن يكونُوا شبابًا في أعمار ورودِ الرّبيع، وافتقدوا الخبرة الكافية في الحياة والنّظرة السّليمة إلى ما حولهم، ولم تكن لهم معرفة عميقة بدينهم الحنيف، ولم يعلموا منه إلّا قشورًا يابسة جافّة، وهم من نشأوا بين ثقافتين مختلفتين: ثقافات المجتمعات الغربيّة وثقافات الأسر المسلمة العربيّة أو الأعجميّة، حيث يشتدّ الصّراع النفسيّ لدى أبناء المهاجرين في سنوات المراهقة خاصّة، فيبدؤُون بالتّملّص من كثير من أوامر ونواهي الآباء المشغولين بتوفيرِ مطالب الحياة البيولوجيّة، والغافلين عن المطالب الرّوحية لفلذات أكبادهم، ولا يتدخلون في الأوقات المناسبة لتوجيه اهتماماتهم وتصحيح انحرافاتهم. والمعروف أنّ المراهقين والشباب عموما تكون حساسيّتهم عالية جدّا تجاهَ كل شيء، وقابليّةُ تأثّرهم سريعةً.

يُحاول الأبناء إذًا أن يملأُوا ذلك الفراغ الرّوحي، وقد تأصّلت فيهم هويّة آبائهم وأحاطوا ببعض القيم الإسلامية منذ الصّغر ولو شكليًّا، ولم يتعلّموا في الغالب من لغتِهمُ الأمِّ إلا بعض الكلمات، فيجدون في وسائل الإعلام والاِتصال المختلفة، وعلى رأسها الأنترنت وفي بعض القنوات الفضائية ما يُحرّك لديْهم مشاعرَ الدّفاع عن الإسلام والمسلمين المقهورين، وهم يروْنهم يُقتلون في دول عديدة كبورما وسوريا والعراق وإفريقيا الوسطى وأنغولا وإثيوبيا وأفغانستان والباكستان ونيجيريا والصّين، وترسخ في أذهانهم فكرة أنّ كلّ بلاء أو شقاء أو حرب أو محنة في تلك البلدان سببها الجليّ أو الخفيّ هو الغربُ، وتعظمُ هذه القناعةُ إذا كوّنوا علاقاتٍ عن بعدٍ مع أناسٍ من هناك. أمّا أن تكون ثمّة أطرافٌ متطرّفة داخل البلدان الغربية أنفسها تستميلُهم وتستحِثُّهم على الاِنتقام والقيام باعتداءات إرهابية فاحتمال ضعيف جدّا، إن لم يكن واردا أصلا.

ومن أهمّ الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب إلى تبنّي الفكر الرّاديكاليّ وتزرع فيهم بذور الحقد والكراهية والعدوانية تجاهَ مجتمعاتهم الغربية، فيلجؤون إلى السّلاح والعبوات النّاسفة لإهلاكِ ذواتِهم قبل أن يُهلكوا ذواتِ المواطنين الغربيّين الآمنين، تلك العقدُ النّفسيّة المتراكبة في دواخلهم جرّاءَ بعض مظاهر العنصريّة التي تعرّضوا لها في مراحل أعمارهم المختلفة، فكم تحدّثتُ إلى فرنسيين من أصول مغاربيّة وأخبروني أنّ الأطفال الفرنسيين كانوا يُعيّرونهم بأصولهم وعاداتهم ودينهم في المدارس، وأنّهم عندما كبروا أمسوا يعانون التّمييز العنصريّ التّشغيليّ، وأنّهم لا ينالون -إن قُدّر لهم أن ينالوا- إلّا غثّ الأعمال أو تلك التي تعتمد على المجهود العضليّ، وأكّدوا بأنّ القوانين التي تُجرّم العنصرية لا تُطبّق جدّيا في الواقع، وبأنّ معظم مظاهر العنصريّة تأتي مكشوفةً من الشّعب، ومقنَّعةً إن أتتْ من الجهاتِ الرّسميّة. وذاتُ الكلام أخبرنِيه عرب مسلمون أوربّيون آخرون وخَبُرْتُه بعينيّ في النرويج وبلجيكا وألمانيا والسّويد وإسبانيا والدانمارك وفنلندا وسويسرا وبلغاريا، وقد زرتُ هذه الدّول جميعا وأقمتُ فيها فترات في سنين مضت. لكنّ في الولايات المتحدة درجةَ التّمييز العنصري أقلُّ، وذلك لكون المجتمع الأمريكي مجتمعا مركّبا من أجناس وأعراق مختلفة من القارّات الخمس، ولكونه مجتمعا ليبيراليّا بحتا، ومَنْ يستطيع أن يعمل أكثر ويُقدّم أحسن فهو المرحَّب به، وقد أقمتُ فترة زمنيّة أيضا في هيوستن بتّكساس بين 2009 و2010، ومُورست عليّ العنصريّة في العمل، واسْتُغلِلتُ استغلالا فاحشا؛ حيث أُثقِلَ كاهلي بواجباتٍ رئيسيّة وأخرى فرعيّة زائدة، ووقعَ لي حادثُ عمل ولم أتلقَّ أيّةَ تعويضاتٍ! ثمّ إنّي لمستُ أنّ الإسلامُو-فوبيَا بدأتْ حقيقةً في الولايات المتّحدة بعد الاِعتداء الإرهابيّ الجسيم في 01/09/2001.

تزدادُ العنصريّة في أوربّا بشكل كبير مع تنامي نفوذ الأحزاب اليمينيّة واليمينيّة المتطرّفة ووصولها إلى البرلمانات والحكومات؛ كما في هولندا والدّانمارك وغيرهما، وأصبحت تفوق نسبُها 60% في صناعة الأحداث والقرارات السّياسية، وأقرب مثال ليس ببعيد عنا، إذ قبل شهرين من تاريخ كتابة هذا المقال، دخلتْ مارين لوپان رئيسة حزب ”الجبهة الوطنية“ الاِنتخابات الرئاسية الفرنسية ضدّ المترشّح المنافس إيمانويل ماكرون عن الحركة غير اليمينيّة وغير اليساريّة التي أسّسها وسمّاها ”إلى الأمام“، وما مارينُ إلّا السّياسيُّ الّذي يجاهر مِن على كل منبر بمعارضة الهجرة ومعاداة المهاجرين؛ خاصّة ذوي الأصول المغاربية، وكان لحملتها الاِنتخابية صدًى واسعا في أوساط الفرنسيين الخائفين على هويّتهم، وحقّقت نسبةَ 33.94%، لتنسحبَ في الأخير من أمام الشّاب ماكرون صاحب الخطاب السّياسي المعتدل، والفائز بعهدة رئاسية لخمس سنوات، وبنسبة 66.06%. فلو فازت لوپان، لكانت العنصرية ستلاحق ملايين المهاجرين، وسيُشَدُّ الخناق عليهم من كلّ الجهات.

إنّ الإيديولوجياتِ العنصرية في دول الاتحادِ الأوربي سكانا وساسةً تتوسّع يوما بعد يوم كبقع النّفط المتسربة في البحر، مساهما في امتدادها تأزّم الأوضاع الاِقتصادية وانخفاض المستوى المعيشي وتزايد أعداد المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، بما يحملُه أبعاضُهم من جلافة وإجرام، وهذا العامل الأخير كان أحد أسباب انسحاب بريطانيا من الاِتحاد، حيث اعترف ثلثُ البريطانيين أنهم عنصريون، ويكرهون المهاجرين. وإذا جئنا إلى بعض السّلوكيات العنصرية، إضافة إلى التّمييز التّشغيليّ ضدّ المهاجرين عامة والمسلمين خاصة، برزت سلوكيّات مخيفة في المجتمعات الغربيّة المتحضّرة والمسالمة؛ وهي العنفُ ضدّ الأشخاص والمساجد، وتتقوّى بوجه أخصَّ بعد كلّ اعتداء إرهابيّ كردّ فعلٍ انتقاميٍّ وكتنفيسٍ عن الغضب العاطفيِّ، وهو الخطأُ الخطيرُ الذي يقع فيه عامة الغربيّين؛ بأن يُحمّلوا وزرَ ما قام به مُتطّرف مسلم جميع المسلمين ويُصنّفوهم في مربّع الإرهاب.

فالأمثلة على الاعتداءات على المسلمين في الدّول الغربية لا حصرَ لها، وسأكتفي بذكر بعضٍ منها. بتاريخ 18 ديسمبر 2016، اعتدى شابّ أمريكي على فتاة مسلمة متحجّبة عمرها 21 سنة بمطعم دانكن دونتس بحي مانهاتن الشهير بنيويورك، بأن ألقى على وجهها قهوة ساخنة، ثم ضربها على رأسها بحقيبته وخاطبَها أنت إرهابيّة! بتاريخ 01/07/2009، طعن عنصريٌّ ألمانيّ اسمه أليكس دبليو فينز، البالغ من العمر 28 عامًا، الدكتورةَ مروة الشربيني، المولودة عام 1977، مُرديًا إيّاها قتيلة في "دريسدن"، لا لشيء إلّا لكونها متحجّبة! في شهر فبراير 2015، أطلق رجل أمريكي النّار على شابّ سوري اسمه ضيا شادي بركات (23 عاما)، وعلى زوجته الفلسطينية يسر محمد أبو صالحة (21 عاما)، وعلى أختها رزان محمد أبو صالحة (19 عاما) في منزلهم في مدينة شاپيل-هيل شمال كارولاينا الأميركية، لا لشيء إلا لأنّهم مسلمون! أمّا السّخرية والشّتائم والإهانات اللّفظية فتكاد تكون الآن من يوميّات المسلمين في الغرب، وأكثر من يكون عرضة لها هنّ النساء المتحجّبات؛ في الشوارع ووسائل المواصلات والأماكن العامة. في أحد الباصات في لندن، انفجرت سيّدة بريطانية سبًّا في وجهيْ سيّدتين متحجّبتين كانتا تتحدّثان بلغتهما الأم وخاطبتهما: "أنتما داعشيّتان وتخفيان قنابل تحتكما! أكملا هكذا وتكلّما بلغتكما الأم!"، فما كان إلّا أن أُنزِلتا من الباص! أمّا ظاهرة البُصاق أمام الأشخاص المسلمين فتكادُ تصبح أمرا عاديًا، ويتعمّدها الغربيّون العنصريّون تعبيرا منهم عن رفضهم إيّاهم، وعن كراهيّة كامنة بدواخلهم.

أمّا الاعتداءات على قاعات الصلاة والمساجد، فقد تعدّدت منذ 2005، إذ في الولايات المتّحدة لوحدها سُجّلَ أكثر من 81 اعتداء خلال سنة 2015، حيث يعمد المتعصّبون الحاقدون إلى تلطيخ الجدران وكتابة عبارات معادية مثل "اُخرجوا من بلادِنا" و"الموت للعرب" و"إرهابيّون"، وإلى رميِ رؤوس خنازيرَ أمام الأبواب أحيانا، وفي أسوأ الحالات يُضرمون النّار فيها أو يطلقون الرّصاص على المصلّين. وتفاقمت المخاوف بعد مجيء اليميني المتطرّف دونالد ترامپ وإصداره مجموعة من القرارات المضيّقة على المسلمين واللّاجئِين. في 30 يناير 2017، أطلقَ ثلاثة مسلّحين النّار على مصلّين وقتَ العِشاء في المركز الثقافي الإسلامي بكيبيك الكندية، وقتلوا ستّة أشخاص وأصابُوا ثمانية آخرين، ولا أخطر من هكذا! في 28 سبتمبر 2016، انفجرت عبوة ناسفة يدويّة الصّنع في مسجد بمدينة "دريسدن" الألمانية بدوافع العنصريّة والكراهيّة. في 25 ديسمبر 2014، أُحْرِقَ مسجد بمدينة إسكلستونا السّويدية وبداخله زُهاءَ عشرين شخصا، وأُصيبَ خمسة أشخاص وأُتلِفَ جزء من المسجد. في جوان 2013، أحرق مجهولون مركزا إسلاميّا تُؤدّى فيه الصّلاة بضاحية مازويل هيل شمال لندن. في 12 مارس 2012، أُلقِيتْ زجاجاتُ مولوتوف داخلَ مسجد بحيّ أندرلخت في العاصمة البلجيكية بروكسل، مما أدّى إلى نشوب حريق فيه وإلى موت الإمام اختناقا وجرح شخص آخر وإتلاف جزء كبير من المسجد. في 10 نوفمبر 2011، أحرقت مجموعة أحدَ المساجد في منطقة (Les échappées belles) فرنسية تُسمّي نفسَها ”الجميلاتِ الفارّات“ مونبلييه شرقي فرنسا حرقا جزئيّا. في 12 أكتوبر 2010، أطلق مجهول الرصاص على "مسجد أيا صوفيا" في العاصمة الهولندية أمستردام الذي يتردّد عليه مصلّون أغلبُهم من أصول تركية، ولحسن الحظ لم تحدثْ أية خسائر بشرية.

يجدرُ الذّكرُ أنّ أغلب المعتدَى عليهم لفظيًّا أو جسديًّا من المسلمين لا يتقدّمون بشكاوى رسمية إلى البوليس، إمّا جهلا بالقوانين التي تُحرّم وتُجرِّم العنصرية، أو اعتبارا منهم أن تلك أمورٌ عادية تحدث لمن هم غرباءُ عن أوطانهم وبعداءُ عن أصولهم.

إنّ ما أذكى العنصرية والعصبية والكراهيّة والأحقاد في نفوس الشعوب الغربية هو الإعلام بدرجة أولى، فطالما قدّم الإسلامَ على أنّه دين يرتبط بالتّغيير الرّاديكاليّ الأعنفِ ويقمع الحرّيات ويُحارب التّنوّع الفكريّ ولا يقبلُ بالآخر، وقدّم المسلمين على أنّهم أناس متصلّبون في رؤوسهم وقُساةٌ في تصرّفاتهم، ثمّ زاد الرّؤيةَ ضبابيّةً لدى الشّعوب خطاباتُ الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرّفة الصّاعد نجمها، والمجاهرةِ بمعاداة المهاجرين وبكراهية الإسلام والمسلمين، والمطالِبةِ بتهميشِ الأجانب وبطرد اللّاجئين. ومن الزّعماء المتطرّفين البارزين:

1/ دونالد ترمب (الحزب الجمهوري - و.م.أ.)،

2/ مارين لوپان (حزب الجبهة الوطنية - فرنسا)،

3/ فيليپ دي وينتر (حزب فلامس بلانغ - بلجيكا)،

4/ يمي أوكيسون (حزب: الدّيمقراطيون السويديون - السويد)،

5/ لوتس باخمان (حركة "بيغيدا" - ألمانيا)،

6/ فراوكا بيتري (حزب البديل من أجل ألمانيا - ألمانيا)،

7/ غيرت فيلدرز (حزب من أجل الحرية - هولندا)،

8/ ماتيو سالڤيني (حركة رابطة الشمال - إيطاليا)،

9/ نيكولاوس ميخالولياكوس (حزب "الفجر الذهبي" -اليونان).

كما تحاول الجمعياتُ الشّعبويّة والحركاتُ والمنظماتُ العنصريّةُ غيرُ الرّسميّة أن تُعمي الرؤيةَ تماما لدى الشّعوب بنشاطاتِها المختلفة، وكأمثلةٍ حركة سيادة البيض في و.م.أ.، ومن الاسم يتّضح مدى العنصريّة، (Act for America ومكتب العلاقات الإسلامية الأمريكية، وحركة ”تصرّفْ من أجل أمريكا“ (المقرَّبة من الرّئيس ترامپ، إذ نظّمت يوم السبت 10 جوان 2017 ثلاثين مسيرة مناهضة للمسلمين في تقرير أصدرتْه شهرَ ماي في (CAIR)ثلاثين مدينة. وحسب مؤسّسة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية 2017، فإنّ نسبة الإسلاموفوبيا في و.م.أ. ارتفعت إلى 57% سنة 2016. ونُلفِي حركاتٍ ومنظماتٍ في (Pegida) “عنصرية مماثلة كثيرة تنتشرُ في أوربّا؛ مثل حركة ”وطنيّون أوربّيون ضدّ أسلمة الغرب" ألمانيا، وجماعة ”هوغيسا“ في ألمانيا أيضا، وحركة ”ادنتيتيرن“ في النّمسا، وحركة ”يوبيك“ في المجر، وحركة ”جنود أودين“ في فنلندا، وكتلة مكافحة الإسلام في التشيك، وغيرها كثير، وجميعُها يقف سدًّا بين 4 و“Pew في وجه كلّ ما هو إسلامي.

وحسب اسْتبيان قام به معهد الدّراسات الأمريكي 12 أبريل 2016، وشملَ آراء 11495 شخصًا من ثمانية دول من الدّول الأوربّية العشر التي شملتْها الدّراسة، وهي: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا، هولندا، السّويد، اليونان، پولندا، وهنغاريا، والّتي يُمثلُ مجموعها 80% من سكان الاِتّحاد، فإنّ معظم الأوربيّين يرون أن تدفّق المهاجرين إلى قارّتهم يُنذرُ بعمليات إرهابيّة، وأبدَى جزءٌ كبير منهم مخاوفَه على أعماله ومستقبله. وقدِ استقبلتْ أوربّا أكثرَ من مليون لاجيء خلالَ سنة 2015، وشكّل السّوريون الفارّون من الحرب النّصيبَ الأكبر. فموجاتُ الهجرة من الشّرق الأوسط وإفريقيا وآسيا تُؤثّر في الرّأي العامّ الأوربيّ تأثيرا لا يُستهانُ به، حيث أفاد التّقرير أن أوّل النّاظرين بسلبيّة إلى المهاجرين عامّة والمهاجرين المسلمين خاصّة، ويمقتُ مجيئَهم إلى بلدِه همُ الهنغاريُّون بنسبة 76%، ثم الپولنديّون بنسبة 71%، رغم أن هنغاريا وپولندا لا تستقبلان أعدادا كبيرة من اللّاجئين، وقد اتّخذتا سياسة مغلقة تجاهَهم. ثم يأتي الألمانيون بنسبة 61%، والّذين يستقبل بلدُهم أكبر الأعداد، ثم الإيطاليّون بنسبة 60%، ثم البريطانيّون بنسبة 52%، ثم الفرنسيّون بنسبة 46%. ومن النّاحية الاِقتصادية؛ رأى الهنغاريّون أنّ اللّاجئِين حِمْلٌ ثقيلٌ عليهم بنسبة 82%، ثم الپولنديّون بنسبة 75%، ثم اليونانيّون بنسبة 72%، ثم الإيطاليّون بنسبة 65%، ثم الفرنسيّون بنسبة 53%. وبلغتْ نسبة النّظرة الأوربيّة السّلبية الإجماليّة تجاهَ هجرة المسلمين 56%، إذْ أعرب أغلبُ المواطنين الأوربّيين أن المسلمين هذه تهمّ الولايات المتّحدة أيضا. “Pewإنّما يريدون من هجرتِهم التميّزَ لا الاِندماج. وإنّ دراسة معهد ”

تنشطُ الحركات والمنظمات العنصريّة في أوساط المجتمعات الغربية باستمالتها المواطنين، وتستغلّ المواقعَ الإلكترونية والتّجمهرات الشّعبيّة لنشرِ أفكارها المتطرّفة، ويُوازيها في النّشاط مواطنون أوربيون فرادى يبثّون سموم الحقد والكراهيّة عبر شبكات الإنترنت، حيث نجد آلافَ المواقع غير الرّسميّة التي تنشر الكراهيةَ والعداوةَ وتدعو إلى نبْذِ المسلمين وطردِهم من الدّول الغربيّة، فليسوا إلّا جالبين للإرهاب في جلودهم، وليسوا إلا حاملين لقنابلَ موقوتةٍ. والشّيءُ الملاحظ أيضا أنّ ظاهرة الإسلامو-فوبيا تصحبُها دائما شيزوفرينيا العربِ!

إنّني لا أربطُ الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في البلاد الغربية بدين الإسلام وأفعال المسلمين لا من قريب ولا من بعيد، وإنِ ارتبطت بشباب ذوي أصول مسلمة نفّذوها وتبنّتها تنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش. فأولئك الشباب الذين فجّروا أنفسهم وقتلوا العشرات من حولهم ثبتَ أنّهم لم يكونوا متديّنين جدّا، وأغلبهم لم يكن يؤدّي حتّى الصّلاةَ، وأنّ ما دفعهم إلى الإجرام هو المشاكل النفسيّة والاِنفصامات في الشخصيّة والاِنحرافات السّلوكية والإحساس بضياع الهويّة والاِنتقام لبعض الأمور التّافهة التي تحدث في كل مجتمع واعتبروها إهاناتٍ وقهرا. أمّا تلك التّنظيمات الإرهابيّة فجرائمُها في بلاد المسلمين نفسِها أشدُّ وأنكى، ولا يسعني حصرُ الأمثلة؛ إذ يكادُ يكون لها في كل بلد مسلم تفجيرٌ، وفي كلّ قوم تدميرٌ، ولم تُحاشِ أرضا من الخليج إلى المحيط، وربّما سأذكر دولة عمّان التي لا تخطر على بال، أين هزّت تفجيراتٌ انتحاريّةٌ فنادقَ يوم 9 نوفمبر 2005، وخلّفت أكثر من 60 قتيلا وأكثر من 115 جريحا، وتبنّاها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ولا أتكلّم عن سوريا اليومَ وعن العراق، فجرائمُ التّنظيمات الإرهابية ثمّةَ أفظعُ وأبشعُ. أمّا المحاولة الإرهابيّة الأخيرة المحبَطة التي بيّت أصحابُها الأنذال استهداف الحرَم المكّي، أقدسِ وأشرفِ مكان إسلاميّ في العالَم الدّنيويّ، فليست إلّا أكبرَ دليل على أنّ الإرهابَ لا دينَ له.

وعليه؛ فإنّ إلصاقَ الإرهابِ بالإسلام والمسلمين أمر غير مقبول، فلم تَخْلُ أمّة من متطرفين يسفكون الدّماء باسم الدّين، ولم يَخْلُ تاريخ من مفسدين في الأرض باسم الدّين. وليس يحملُ جُلُّ الاعتداءات الإرهابية على الدّول الغربيّة بصماتِ مسلمين، فهناك متطرّفون غربيّون أخطرُ جماعاتٍ وأفرادًا، ففي تقرير لمكتب الشّرطة الأوروبية (يورپول) لعام 2011، وردَ أنّ من بين 249 هجوما إرهابيّا ثلاثةً فقط تمّت على أيدي إسلامويّين، بينما نفّذتِ الجماعاتُ الاِنفصاليّةُ 160 هجوما، ونفّذت جماعات يساريّة 45 هجوما، ونفّذ أفرادٌ متطرّفون دمويّون وفوضويّون البقيّةَ. وكمثالٍ عن الإرهابِ الفرديِّ أستحضرُ القصّة المُريعة للنّرويجيِّ ”آندرس بيرنڨ برايڤيك“، ففي 22 جويلية 2011؛ اقتربَ من مخيَّم حزب العمل الحاكم في جزيرة أوتويا القريبة من أوسلو، وأطلق النّار على الجميع ليضع حدّا لحياة 77 شخصا بريئًا، وحُكم عليه في 2012 بـ21 سنة سجنا، وهي أقصى عقوبة في النّرويج، مع قابليّة الزّيادة إذا لم يعتدلْ سلوكُه. وجرتِ العادةُ أن يخطرَ المسلمون على بالِ الغربيّين مباشرة إثرَ كلّ اعتداء إرهابيّ، وأنّهم هم المنفّذون، لكنَّ هذا مسيحيٌّ، ولْنَفرضْ أنّه تحوّلَ إلى الإسلام قبل تنفيذِ عمليّتِه الإجراميّة، أليستِ الدُّنيا تُقامُ على رؤوسِ المسلمين ولا تُقعَدُ وكأنّهم أشرارُ هذا العالمِ؟!

إنّ الدّين الإسلاميّ الحنيفَ دينُ رحمة ومحبّةٍ وعدلٍ وسلامٍ وإحسانٍ، وليس دينَ ظلمٍ واعتداءٍ وعنفٍ وفظاظةٍ وسفكٍ للدّماءِ، وليس دينَ تخريبٍ وإفسادٍ في الأرضِ، بل يدعو إلى حسنِ عِمارتِها وحسنِ الاِستخلاف فيها، ولا ينهى اللهُ عزّ وجلّ المؤمنين عن أن يَبرّوا ويُحسنوا إلى غير المسلمين ما لم يُقاتلوهم أو يَعتدوا عليهم، فيقول في كتابه الحكيم: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ومَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(¹)، وذكر في آية أخرى غرضا من أغراض خلْق الإنسان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (²).

فما على الدّول الغربيّة إلّا أن تعترفَ بأنّ الإسلام والمسلمين أصبحَا جزءً لا يتجزّأُ منها، ولا جدوى من نبْشِ الأحقادِ التّاريخيّة والنّفخِ في أكيارِ العنصريّة، وأنْ لا مناصَ من التّسامحِ والتّعايشِ بين الثّقافاتِ والأديان. ويا أيُّها المسلمون المقيمون في الدّول الغربيّة، وأخصّ بالذّكر شبابَكم، رجاءً لا تنجرّوا خلف التّيّاراتِ المتّشدّدة، واحرصُوا على تربيةِ أنفسكم وأبنائكم على القيم الإسلاميّة النّبيلةِ، وعلى أن تحترموا نُسُقَ الحياةِ والقوانينَ والعاداتِ في الدّولِ التي تعيشون فيها، وليس ذلك بمستحيلٍ أن يُوفّقَ الواحدُ منكم بين ثقافتين مختلفتين، وأن يُحقّقَ التّوازنَ بين الدّين والمدنيّة، وأن يندمجَ في مجتمعه الغربيّ ويُصبحَ عنصرا مفيدا لنفسه ولغيرِه، ولن ينقصَ من جوهرِه شيء. ومن جهة أخرى، والحقيقة تُقالُ، إنّ الدّول الغربيّة لم تُقصّرْ في حقّكم، فضمنتْ لكم حرّيةَ العبادةِ ولم تُحاربْكم في دينِكم، ووفّرتْ لكم الرّعاية الصّحيّة، وأجرتْ عليكم الإعاناتِ الاِجتماعيّة كمواطنيها الأصليين، وسهّلتْ لكم أمورًا كثيرةً، وكلُّها نعمٌ من الله عزّ وجلّ، فاشكرُوه عليها واحمدُوه حمدًا كثيرا، ودعُونا نرى الدّينَ في أخلاقكم وتصرّفاتكم، ولْتَكونوا دُعاةَ سماحةٍ ومودَّةٍ وتعايشٍ بين الشّعوب، وعرّفُوا النّاسَ بدينِكم في معاملاتكم وأخلاقكم الحميدة، واتركُوا أفئدتَهم تهوي إليكم بجدّكم واجتهادِكم وإخلاصِكم في أعمالِكم، ووفّقكم الله جميعًا.

كاتب من الجزائر يقيم في فرنسا

 

(¹) سورة الممتحنة، الآيتان 8 و9.

(²) سورة الحجرات، الآية 13.