يكتب الشاعر العراقي أثر الغياب، حين يغادرنا المثقف وهو ماسك بمقبض الجمر وحرقة السؤال، في جلال اللحظة ومجازاتها، يرصد الشاعر ما تبقى من حبل السرة في عالم مضطرب لا يحفزنا بالمرة على حرقة المعرفة والأسئلة، وفي ثنايا هذه اللحظة الآسرة حيث اختلط كل شيء، يسطع السؤال من جديد.

القلادة

ناجح فليح الهيتي

إلى روح الفيلسوف مدني صالح

فيلسوف التنوير والمحبة والإباء

 

تتدلى أعمدة النور من السماء

تشكلُ هالة حولي من الضياء

ترفعني يمامة بيضاء

أطير في السماء

أطوف حول الأرض في رمشةِ عين

أرفضُ مُدَنَ الصفيح والرماد

مدن البترول والنساء

مدن البنوك والحديد

وكل ما جاءت به الموضة من جديد

أَسقطُ على سجادةٍ خضراء

أُصَلي في حضرةِ الإمام

أبو حنيفة النعمان

أسأله عن الغش وسارقي قوت الشعب

بائعي الصلاة والصيام

قبلني الإمام

أهدى إليَّ وردةً بيضاء

وفرساً شهباء

وقال لي يا ولدي لم أقبلْ القضاء

قَبَلتُ أن أعدَ طابوقَ البناء

ولم أَقبلْ أن أكون أماماً أو أمير

ومتُ في السجنِ

بين يدي الجلاد مرتاحَ الضمير

صلّى عليّ الخليفة المنصور

ومن ورائه مائة ألف وهو منخذل مَقْهور

وأنا أمامه في نعشي المشهود

مُسَبِحَاً مُكَفَنَاً بالنور

ناطقاً شهادة

وتاركاً قلادة

إلى تلاميذي من لؤلؤٍ منثور

يا ولدي انك لا تحرث الأرض بلا محراث

ولا تنحت في الصخر بلا أزميل

تصدعُ الأرضَ بالكلماتِ و تشعل الفتيل

لا مثل من يقتل القتيل

ويمشي في جنازته إلى مثواه الأخير..