يخصنا الشاعر المغربي بهذا النص الشعري الجديد، يحتفي من خلاله بنقط محفورة في الذاكرة، الكثير من الحب المصبغ بشجن خاص يحفر بعيدا في التفاصيل، نص يحملنا الى أحاسيسنا الداخلية حين تحاول استدعاء بعض الصور والتي طالما حضرت وانمحت بعضها، لكنها في النهاية يخطها الشاعر من خلال لغته الخاصة النافذة الوحيدة على الحياة، الآن.

نشيدُ المحبّةِ

فتح الله بوعزة

سأحبّ جاراتي القادمات من بعيد

محملاتٍ بالأمطار والقصائدِ

بين أيديهنّ شجرٌ عالٍ، وفراشٌ ضاحكٌ

سأحبّ الفلاحين الذين يشُقّون، بين حقولهمْ

ممراتٍ ظليلةً لليائسينَ

بينما ينمو على أكتافِهم ورقٌ غامضٌ

ونوافذُ مشْرعةٌ إلى الملحِ

سأكره الحرّاس، وبنادقَهم

والصّيادين، وفخاخَهم

والذهابَ إلى المعنى مباشرةً

لن أحمل معي ذكرياتي عن الطفولةِ

والشياطينِ الذين عبروا ماءَ النهر

بأقدام صغيرةٍ جدا، وساخنةٍ جدا

محْدثين ثقوبا سوداءَ في جبّتي

وكانت جبّتي من صوفٍ، وعرقٍ نادر

على أكمامها نقوشٌ قديمةٌ

وضحكةُ أمي

لن أحدثكِ عن أبي

والكرمةِ التي نمتْ بين أحضانه بغتةً

وجارِهِ الذي مات من فرحٍ

حينما اهتدتِ النوارسُ

إلى ملوحةِ دمعهِ

لن أذكرَ حماقاتي الصغيرةَ

وفتحةَ القميصِ التي نزّ منها عرقٌ غزيرٌ

حينما طويتِ الحديقةَ كلّها

في قفزةٍ واحدةٍ، دونما واقٍ من البردِ

كنتِ ضاحكةً

وكان جدولُ الماءِ، والعشبُ، ضاحكينِ

وفرحتُ، أنا أيضا، حين التفتْ ساقاكِ

بغيمتينِ راقصتينِ في الهواءِ

وانتظرتُ أن يسقطَ المطرُ

وتعبرَ الكائناتُ الصغيرةُ

الشوارعَ المبلولةَ مسرعةً

وأن تنادي الجاراتُ الجميلاتُ

أطفالَهن وأزواجَهن، بصوتٍ رخيمٍ

فينصرفونَ إليهن صاغرينَ

وفي عيونهمْ قلقٌ غامضٌ

بينما أدفعُ الليلَ إلى الشرفاتِ القصيةِ

فرِحا بالحبّ، ووحيداً

كأيّ حكيمٍ نجا، مرارا، من غرقٍ طارئٍ

وخبأ ـ بين أكْمامهِ ـ سبعَ موجاتٍ

على ظهر كلّ موجةٍ، عاشقٌ ومنشدونَ

وبحارةٌ يرشدونَ النّاجينَ إلى كهفكِ، واسْمكِ

وأسرابِ الفراشِ التي لحقتْ بأنفاسكِ

حينما طويتِ الحديقةَ كلّها

في قفزةٍ واحدةٍ!

 

شاعر من المغرب