يفرش الشاعر التونسي هنا، إحساس الوحدة والعزلة على اللغة حيث لا مصير للأشياء إلا في الغياب، في رحلة لا تنتهي من الشقاء الإنساني والجهد. يتجه الشاعر، وهو يكشف هذا التضاد الذي يعري بعضا من مسيرة تنتهي أحيانا بولادة جديدة أو بانكسار جديد على مرفأ الغياب، الى حيث نقطة البدء والختم وكلاهما لا يعري إلا الفراغ والعزلة.

كأسٌ ملأى بالهواء

غـازي لغـماري

 

1

إنها الرحلة المنهَكة

إنها معركة الأوهام

حيث كنت تقفز من ولادة إلى ولادة

من وجه إلى وجه

من ظل إلى برق أشيب

من بيضة إلى فرج أعور

من ورقة مبللة إلى صفحة مياه جافة

بين القطرة المتبخرة في الزمن

والقرن المنغرس على رأس الكون.

إنها المحبة المُضاعفة

إنها النطحة التي حطمت مرآة العبث.

 

2

لا شيء يقف إلى جانبك في محنتك

المُفرغة من الماء.

 

لا جلدك العارق

لا دموعك المحفوظة في الثلاجة

ولا رغبتك النائمة تحت السرير.

فقط كأسٌ ملأى بالهواء.

 

3

مُودّعٌ وحيدٌ

واقف على عتبة الجمال

طازج كالطفولة

غامض كابتسامة تمثال

نائم في سَحَرِ نقصانه

يقظ في شفق ذروته

منجذب، كما العنف، إلى مرفإ الصمت.

 

مُودّعٌ وحيدٌ

واقف على عتبة الكمال

عين من دون جفن

وشم غائر في جبين العبث

خبز محمّص في فرن الفرح

غائب كحجر يغرق تحت الماء

حاضر كحجر يطفو على سطح الماء.

 

4

تنظر إلى فجرك يولد من جديد

من رحم نجمة ميتة.

تنظر إلى نبتة الذاكرة تحيا من جديد

بين الحجارة.

تنظر إلى حكمة تنهض من جديد

من رماد بركان عتيق.

تنظر إلى كلمات بلا معنى تُكتب من جديد

على ظهر ورقة صفراء.

كلّها عادت كي تقطع شجرة وهمك العظيمة

كلّها عادت كي تقتل الوحش الضاحك فيك

كلّها عادت كي تمحُوَ الحب.

 

بنزرت – تونس