حول المثل الشعبي "مطرب الحي لا يطرب" ينسج القاص الليبي نصه المكثف مصورا ذاك المطرب الذي نتخيله يصرخ في الشوارع متسائلا عن صدى ألحانه دون طائل، فيراها بعيون أطفال الحي الأبرياء بمشاعرهم البكر وهم ينادونه مكتشفين سحره.

ابن الحي

عاشر حسنا

 

أمسك قيتارته بيديه المخضبتين ترابا ... وعزف لحن الخبز والدم في حيه الصفيحي القديم..لم يخرج أحد, ابتسم لوهلة ثم صرخ فجأة: أنا العابر العبثي..ابن الحي..هل استمعتم يوما لنغمي ؟؟؟..لم يجب أحد.. سوى صدى صوته المتردد في الأرجاء ..وانكسرالزمن للحظة..انكسر الأمل..انكسر العمر..فانكسرت معه قيتارته وتمازجت أوتارها المجروحة بالدم و التراب..فأنبثت زهرة أوركيد....كانت لحظة صمت غريبة ..لحظة اندهاش..ولحظة بعث..,في جعبته ألف سؤال و سؤال؟؟ كيف لهذه الزهرة التواجد هنا؟ بل كيف تولد في زمن عبثي من دم و تراب؟ كيف تسقى بالدم؟

سمع ضحكة من خلف..إلتفت بسرعة فوجد طفلة شقراء صغيرة مختبئة خلف جدار..كانت تستمع لعزفه منذ وقت........من أنت ..؟؟ قال العازف للصغيرة..فلم تجبه..بل وقفت مبتسمة تنظر إليه و إلى الزهرة...فأضاف قائلا: "اقتربي يا صغيرة .."..فأسرعت صوبه بعنفوان طفولي مشاكس..كأنها تعرفه أعز معرفة..فاستغرب من ذلك..

وقفت أمامه تنظر إلى وجهه المليء حزنا و استغرابا مبتسمة..متتبعة قطرات الدم المجروحة عزفا..والتي أنبثت زهرة عجيبة لتراها من قبل...فانحنت إلى زهرة الأوركيد..وفي عينيها المتلألأتين اندهاش و فرح كبيرين..تتفقدها و تحاول لمسها بأناملها الصغيرة...وتضحك

بقي العازف مصدوما من مشهد عبثي لم يخطر بذهنه قط,فحرك شفتيه قائلا: " أتعرفينني؟؟ منذ متى و أنت هنا ؟فإلتفتت إليه مبتسمة .."أنت ابن الحي.."...فسكت و بقي يراقبها في صمت..فجأة التفتت صوب المكان الذي كانت مختبأة فيه..وبدأت تصرخ: أخرجو..ألم أقل لكم إنه ساحر..أخرجو...ابن حينا ساحر...أخرجو...

فبدأت وجوه أطفال تظهر من خلف الجذار..وتتجه صوبها ..فزاد استغراب العازف..وتلألأت عيناه حينما بدات تتردد على مسمعه من طرف شفاه الصغار المتفقدة للزهرة العجيبة..هذا ابن الحي..هذا ساحرنا الرائع....