أبعد من الصراع اللغوي المعتاد، تتجه ورقة الكاتب المغربي الى التنبيه لخطورة التوظيف السياسوي للغة في معارك يرجى منها الاستفادة لا من مواقف ولا من ترسيخ لأفق الشعارات المطروحة، بل يظل الغرض محكوم بمكاسب سياسية ضيقة، لكن تبعاتها تقود الى التمزق الهوياتي.

حين تغدو الأمازيغية ورقة حزبية.!

فؤاد بوعلي

 

مرة أخرى يصر حزب سياسي على استعمال الأمازيغية في صراعاته الحزبية. إذ لا يخطئ المتابع أن ما سمي بالمنتدى الأمازيغي الذي نظمه حزب التجمع الوطني للأحرار بمدينة بيوكرى، ما بين 19 و21 أكتوبر الجاري، وبنفس الوجوه والعناوين والشعارات، هو محاولة حزبية لاستخدام الأمازيغية في التدافع السياسي. فالحزب الذي يضم العديد من فضلاء الوطن، يحاول الآن تغيير جلده وتلمس دور جديد/قديم في الساحة السياسية، لكنه للأسف اختار طريق سلفه من أحزاب الإدارة، وباستخدام نفس الأدوات التي أدت إلى فشلها. لكن الذي يهمنا نحن هو استخدام القضايا الهوياتية في الصراع السياسي. فما الرسالة التي يراد تقديمها؟ وهل يعي منظمو النشاط أنهم ينقلون المسألة الأمازيغية من بعدها الثقافي إلى بعدها السياسوي الضيق؟ وهل يعي مهندسو فكرة المنتدى أنه يرسمون معالم الصراع الحزبي على قاعدة التجاذب الهوياتي؟ وأنهم يؤسسون لمستقبل وطنهم من خلال مقصلة التشظي الهوياتي المسيَس والمؤسَس على المصالح الانتخابوية؟ ولماذا يوكل عادة لأحزاب الإدارة "تنشيط" النقاش حول الأمازيغية بدل الأحزاب الوطنية التي تختار التفكير في الوطن قبل الكرسي؟ أم هو إعلان مسبق عن فشل الدولة في تدبير الملف، كغيره من الملفات الثقافية والاجتماعية، فتفوض لوكلائها الحزبيين إشغال الرأي العام بقضايا هوياتية يعلم القاصي والداني أن حلها ليس بيد الأحزاب أو المؤسسات المنتخبة؟ أم الأمر يتعلق باختيار حزبي خالص من أجل توظيف أبناء المناطق الأمازيغية في الصراع السياسي بغية إلباسه لبوسا إيديولوجيا وهوياتيا؟

هذه بعض الإشكالات التي تسائل الدولة بخياراتها المستقبلية قبل الأحزاب المحسوبة عليها.

أن تقوم جمعية ثقافية أو اجتماعية بتنظيم لقاء حول الأمازيغية أو غيرها من القضايا الهوياتية والثقافية أمر عادي جدا، وأن يتصدى مركز جامعي أو أكاديمي لتأطير لقاء دراسي حول قضايا الهوية أمر مطلوب، بل هو جزء من دوره البحثي في سبيل بناء أنموذج هوياتي وطني، وأن ينظم فريق برلماني ندوة دراسية حول الموضوع في علاقته بالقوانين المعروضة على المؤسسة التشريعية للاستماع لآراء الخبراء والفاعلين فهذا أمر ضروري ومؤكد، لكن أن يجرؤ حزب سياسي، ومحسوب على الإدارة، على تنظيم مهرجان للثقافة الأمازيغية، من أجل حشد الأصوات الانتخابية وفرض واقع هوياتي جديد، يحتاج منا إلى وقفة لدق ناقوس الخطر القادم.

ففي الوقت الذي تراهن الأنظمة الديمقراطية على جعل قضايا الهوية موضوعا لنقاش أكاديمي معمق تقدم خلاصاته للسياسي، فأنشأت لذلك مراكز أبحاث ومؤسسات دراسية وجمعيات أهلية، نجد العكس يحصل في وطننا حين تستعمل هذه القضايا في الحسابات الحزبية الضيقة بين معارضة وموالاة، بين يسار ويمين، بين إسلاميين وحداثيين... مما يعرض مصير الأمة والمجتمع إلى الخطر. بل الأخطر هو أن هذه المسألة غدت صراعا بين الدولة ممثلة في وكلائها الحزبيين والمجتمع بفعالياتها المدنية والسياسية. صحيح أن بعض مسؤولي الأحزاب الوطنية قد حاول سابقا استجداء الملف في صراعاته الداخلية أو مع الخصوم، لكنها سرعان ما خفت حين استرجعت القيادات رشدها. وقد صدق الدكتور عبد السلام المسدي حين قال: "إن اللغة أجَلُ من أن تُترك بيد السياسيين والسبب في ذلك أن رجال السياسة يصنعون الزمن الجماعي على مرآة زمنهم الفردي، أما رجال الفكر فينحتون زمنهم الفردي على مقاس الزمن الجماعي". فإذا كان تدخل الفاعل السياسي في الشأن اللغوي أمرا ضروريا لبناء نمط هوياتي موحد وتقديم استراتيجية للتنشئةُ على نفس القيم دفعاً للتناشز الفئوي المفضي إلى تفكيك الجماعة، كما يتجلى في تدخلات الساسة الغربيين في بناء منظوماتهم اللغوية اعتقادا منهم بالتماهي بين اللغوي والسياسي، فإن المشهد يتغير كثيرا في الحالة المغربية على الخصوص، حيث الغفلة عن دور اللغة في بناء الأمة، واستغلال القضايا الهوياتية ليس في بناء اللحمة الوطنية بل في التشرذم المفضي إلى تفكك الجماعة. فعندما تقابل أي مسؤول سياسي تحس بمدى الهوة السحيقة بين الحاجات الحضارية للأمة والفهم السياسي الذي يتلخص في تسيير الظرفي بالمتاح واستغلال اللحظة من أجل منصب عرضي. لذا ترى العديد منهم يغير مواقفه تبعا لتغير اللحظات السياسية، والبعض الآخر يدافع عن طروحات كان حتى عهد قريب من أشد أعدائها، وآخرون يزايدون على ورقة الهوية الثقافية لقطع الطريق على ورقة الانتماء الديني....وهكذا دواليك.

إن استغلال بعض الأحزاب السياسية الإدارية، على الخصوص، لخطاب المظلومية يهدف إلى أمرين اثنين: الركوب على القضية في الحملة الانتخابية لاستقطاب أصوات أبناء المناطق الناطقة بالأمازيغية، وثانيا الإعلان عن فشل الدولة في تنزيل الدستور كما وعدت فرخصت لوكلائها القيام بحملات شعبوية لتنزيهها عن العرقلة. ونحن نعلم جيدا من المسؤول عن تأخير المصادقة على القوانين التنظيمية، والندم الذي بدأ يحس به مهندسو الفصل الخامس بعد أن فشلوا في حسم النقاش العمومي حول قضايا الهوية. لذا فتعويل بعض الفعاليات الأمازيغية على هذا المسار يفقدها قدرتها على إقناع الشعب المغربي بطروحاتها المغلفة بالاستغلال السياسوي، والمقاومة النفسية أمضى من كل القوانين.

وأخيرا، نصيحة لفضلاء الأحزاب الإدارية: المغاربة يعرفون جيدا من يدافع عن الأمازيغية ومن يزايد عليها، فأهل إيمي مقورن وآيت علي مزين وسيدي بيبي وتافراوت وإكونكا وغيرها من دواوير سوس يعرفون من يدافع عن حقهم في الوجود الثقافي والاجتماعي، كما عرفها أهل الحسيمة وإمزورن وغيرها من دواوير الريف حين وجهوا رسائلهم.

فلا تلعبوا بنفس النار.