قصيدة الشاعر المصري المغترب عن ذاك المآل التراجيدي الذي ما فتئ يتكرر في كل مرة، تكريسا لوجع اللحظة، والذي لا تحتفي إلا بالموت والغياب، ولا شيء يضيء أفق الغد، هي مرثية قد تتكرر على صور شخوص تمر في حياتنا ونستعيدها في كل مرة للعبر.

مرثية فارس مغدور

صلاح عليوة

 

بالقرب من عيد ميلاده الثلاثين

يموت محمود أبو عامر

ويظل مستقبله كله باقيا

في الأدراج والشوارع والقلوب.

 

مات محمودُ ماتْ

وما زال ورد الأغاني

يبرعمُ في شرفات البناتْ

وما زالت الريحُ في السرو تهذي

وما زال ليلٌ جديدٌ يرتب أقفاصَ أقمارهِ

والنسيمُ يمر كبائع حلوى

على خاطر الشرفاتْ

 

مات محمودُ مات

وكل البيوت تطن بأشغالها

ومقاهي الرصيف توزعُ في كسلٍ شايها

والندى لم يزل يغسلُ الزنزلخت

وخطو المسافر ما زال يقرأ خارطة الواجهاتْ

 

مات محمودُ مات

وما زال نايٌ يردد لحنَ التمني

وطفلٌ يطير وراء الفراشات في حلمه ويغني

وبائعةٌ وسط سوق الخميس تنادي ..

تنادي على خبزها القروي

وتحسد ضجتها البائعاتْ

 

مات محمودُ ماتْ

الصباح بطئ كعادته في الصباح

المساء طويل كعادته في المساء

القرى هي نفس القرى

والصدى شاعرٌ لا يرى

والمدى فارسٌ عاجزٌ

يحتسي خمرة الذكرياتْ

 

مات محمودُ مات

ولم يزل النهر يمضي

وبوابة الليل لليلِ تفضي

وعصفورةُ الحقل تنشد ألحانَ أسلافها

والأسى يصحب الغرباء بكل مواني الشتاتْ

 

مات محمودُ ماتْ

وما زال خطو الحياة يمر

وشمس الغروب تحطُ على موجها المكفهر

ولم يزل الموتُ

لم يزل الموتُ

لم يزل الموتُ

يروي نهاية قصتهِ بجميع اللغاتْ

 

مصر/هونج كونج