تصور الكاتبة الجزائرية حدثاً يتعلق بعلاقة الإنسان بالسر الأبدي الموت، من خلال رسمها لحركة رجل طاعن في السن يبكر إلى المسجد ويتخذ من تابوت فارغ في باحة الصلاة سريرا للنوم بانتظار حلول موعد الصلاة، فيستيقظ مسبباً هلعاً للمصلين، ودات فعلهم المختلفة كلٍ حسب علاقته بفكرة الموت.

طابــور للموتى

إيمان سبخاوي

 

حاول "بن زاهية" شحذ روحه المنطفئة بالصلاة، بعدما هاله منظر العروق الخضراء على جبينه، تقاطعها تجاعيد بيضاء كديدان الحقــل، فخيّل له كأنها قصاصة ورق من لوحة تجـريـدية. التحف برنوسه الوبري، إذ لا يمكنه ارتداء جلده المبقّع بالذنوب و التي بدت أكثر قتامة من المعتاد، متجها في أقاصي الليل نحو مسجد عطية أبو الأنوار، دلف إليه بعدما لسعه برد المنطقة الشمالي و لأول مرة دون الوقـوف في طابور. يفترسه انتظار المؤذن لصلاة الفجر، قابله نعشان بالقرب من الباب، توضع عادة هناك في مساجد المدن المضادة للحياة، ارتمى في أحدهما و نام متجاوزا الكرى و الوسن إلى الرقاد و الحياة الكلبة باسطة ذراعيها بقربه تغط هي الأخرى في نوم عميق، تقمّط بالكامل كأن الموت سحب جناح البرنوس و غطاه، رأى الملائكة يحشرونه في ركن السؤال وحيدا... كم من نعش تحتاج، كم من سلّم لتصعد إلى السماء؟.

على صوت الفاتحة، بدأ يتململ في نعشه و شاب في الصف الأمامي يرمقه و الخوف يتحرك بين مفاصله كقرية نمل، توقف عن قراءة الفاتحة و بدأ يلكز رجلا بجانبه لكزات سريعة متتالية و يومىء إليه برأسه، صدره يعلو و ينخفض مرتجفا كعصفور مبلّل. أزاح بن زاهية جناح برنوسه و نهض متسائلا بعينين ذاهلتين:

- بديتو تصلو؟

بقفزة واحدة في الهواء كان الشاب خارج الجامع و بعده خارج المدينة سائحا في الأزقة يتحاشى الإلتفات إلى الوراء، كلما ناداه أحد أو لمسه يركض نحو الأمام مرددا، لا تلتفت...لا تلتفت... و.

لقّبه الجميع بالبخاري المخطوف، كان دائم الصلاة و قراءة قصار السور و الفاتحة في كل مكان يدركه فيه تعب الركض. كم نصبح مخيفين لحظة موتنا، نتحول إلى أشباح وديعة مسالمة متلفّعة في البياض. انتفض الجميع و خرج أغلبهم، أما الشيخ الذي خانته ركبتاه فتمتم بكل أنواع الشتم، اللعن و ختمه بمقولة شهيرة تداولها الكل من بعده: (واش هاذ التصباح طول عمري ما ربحتش على وجوه الحيين نربح على وجوه الموتى؟) أما السعيد اليافع، أخرج هاتفه كمصور هاو، في بروده المعتاد معدّلا قبعته الإيطالية و أخذ صورة تذكارية لابن زاهية، الذي بدا كرجل عائد من الموت لالتقاط صورة على النعش.