يتقصى الكاتب والمحلل الفلسطيني أخر المستجدات السياسية والتي تزيد من تعرية سياسة الادارة الامريكية وهيمنتها على القرار السياسي العربي، وإعدادها لأكبر "صفقات القرن" والتي بموجبها تزيد من تكريس أسلوبها في المعايير المزدوجة وزيادة الضغوط على الأنظمة العربية في حين المزيد من التأييد للكيان الصهيوني، في وقت لازال يمارس أبشع الانتهاكات على الإنسان والبشر.

دبلوماسيةُ صفقةِ القرنِ نشطةٌ ووقحةٌ

مصطفى يوسف اللداوي

 

يبدو أن الإدارة الأمريكية قد أطلقت العنان لمنظمي صفقة القرن ومساعديهم، للقيام بأوسع حملة دبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط، وتنظيم زياراتٍ قصيرةٍ لعواصم القرار العربية والدولية المختلفة، للتأكيد على أهمية وجدية الصفقة، ومراجعة الأدوار المنوطة بأطرافها، وتوجيه دعواتٍ رسميةٍ لقادة الدول للمشاركة في الورشة الاقتصادية التي ستعقد في عاصمة البحرين المنامة نهاية الشهر القادم، التي يبدو أنها ستكون صافرة انطلاق الصفقة، وعلى جميع الدول المشاركة فيها بأعلى وأرفع مستوى، إذ لا يسمح بالغياب، ولا يقبل من أحدٍ التسويف أو العرقلة، بل يجب على كل الأطراف الحضور الفاعل والمشاركة الإيجابية.

قسم مساعدو الرئيس ترامب الأربعة الكبار الأدوار فيما بينهم، فذهب كبيرهم صهر الرئيس جاريد كوشنير الى الرباط وعمان، وهما العاصمتان العربيتان المعنيتان بالقدس، إذ ترأس الأولى لجنة القدس منذ تأسيسها نهاية ستينيات القرن الماضي، وتشرف الثانية على الإشراف على المسجد الأقصى وتدير الأماكن المقدسة في المدينة، حيث سيكون للعاصمتين دورٌ كبيرٌ في الصفقة، كونهما يضطلعان على أحد أهم ملفات القضية الفلسطينية، فضلاً عن أن عمان مرشحة لأن تجري تغييراً جذرياً في قوانينها، يسمح بموجبه بمنح الرقم الوطني لمئات آلاف الفلسطينيين، ومنحهم الجنسية الأردنية بكامل حقوقها وامتيازاتها.

ومن عمان سينتقل إلى الرياض حيث سيلتقي فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تربطه معه علاقة صداقة وثيقةٍ ومصالح كبيرة، ويبدو أنهما متفاهمان كلياً على الصفقة، ولن يكون معه في حاجةٍ للضغط عليه أو إقناعه، فهو شريكٌ معه ومساعدٌ له، وماضٍ معه وينسق وإياه، وينتظر مثله التوقيت المناسب للإعلان عن المباشرة في تنفيذ بنود الصفقة، وقد سبقت وسائل إعلامه في الترويج لها والتبشير بها، وتهديد المعارضين لها والتعريض بهم، بل إن بعضهم أصبح يصف إسرائيل بالشريك ويبشر بزيارتها، ويدعو لإنصافها وتبرئتها، إذ أنها تتعرض لهجماتٍ واعتداءاتٍ فلسطينية تهدد أمنهم وحياة مستوطنيهم.

أما الغراب جون بولوتون رائد الفتنة وصانع الخراب، الذي يدق طبول الحرب ويهدد باستخدام القوة، فقد ذهب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يتوقع منها أن تكون واحدة من أكبر الممولين لمشاريع صفقة القرن الكبرى، وبدوره أكد لولي عهدها وجوب المشاركة في القمة الاقتصادية القادمة، والاستعداد للتعامل الإيجابي مع الملفات التي ستطرح على منصة المؤتمر.

ومن أبو ظبي سينتقل إلى مصر وبقية العواصم الخليجية، التي ستتلقى منه نفس التعليمات، وستسلم بطاقة الدعوة للمؤتمر، التي أعلنت غالبيتها عن نيتها المشاركة فيه قبل توجيه الدعوة الرسمية إليها، ومن المتوقع أن يشرف في المنامة على بعض التفاصيل المتعلقة بالمؤتمر.

وكان من قبل قد زار موسكو، وأطلع قيادة الكرملين على الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، وطلب منها تأييد خطتهم وإزالة العقبات من طريقها، فقد آن الأوان –بزعمهم- لإنهاء مشكلة الشرق الأوسط، وإيجاد حلٍ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والبحث عن حلولٍ اقتصادية تريحهم وتنعش حياتهم.

أما اليهوديان الصهيونيان المستوطنان الجنديان في جيش العدوان الإسرائيلي، ديفيد فريدمان وجيسون غرينبلات، فهما يقيمان في مدينة القدس المحتلة، وينسقان بدقةٍ مواقفهما مع الحكومة الإسرائيلية، وينقلان توجهات إدارتهما في واشنطن إلى قادة الكيان الصهيوني، حيث لا يخفون أبداً انحياز الإدارة الأمريكية معهم، وتفهمها لمواقفهم وتقديرها لحجم تنازلاتهم، ولا يترك المبعوثان الفَجَّان فرصةً أو مناسبةٍ إلا ويستغلانها في التأكيد على صفقة القرن، وتسريب بعض بنودها، أو نفي بعض ما يشاع عنها أو يسرب وينسب إليها.

وقد لا يضطر المندوبان الأمريكيان إلى منطقة الشرق الأوسط للقاء مسؤولين عربٍ آخرين، ورغم أنهما باتا يدركان أن الفلسطينيين جميعاً قد عزموا أمرهم ووحدوا كلمتهم على رفض صفقة القرن، إلا أنهما ما زالا يأملان ويبذلان أقصى الجهود لمقابلة مسؤولين فلسطينيين من السلطة الفلسطينية أو من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أو من عامة الفلسطينيين عموماً وشخصياتهم المستقلة.

الدبلوماسية الأمريكية دبلوماسية مزدوجة، تستخدم لغتين متناقضتين، فهي مع الكيان الصهيوني ناعمة ورقيقة، ولطيفة وودودة، وتخاطبها بأدب، وتسألها بهدوء، وتتوسل إليها برجاءٍ للقبول، وتتمنى عليها الصبر وعدم الضجر، وترجو منها الثقة والطمأنينة، وتسر إليها ناصحةً بصدقٍ أن مآلات الصفقة لصالحهم، ومستقبل المشروع يخدمهم، وأن بعض الصبر سيعود عليهم بالنفع الوفير والخير الكبير.

أما دبلوماسيتهم مع الأنظمة العربية المؤيدة والمعارضة لها، فهي دبلوماسية غير لائقة وليست مؤدبة، بل تحط من القدر وتخدش الكرامة، فهي خشنة وقاسية، وفظة وعنيفة، وسمجة ووقحة، وحادة وجارحة، ومباشرة وصريحة، إذ تأمرهم بالموافقة والقبول، والتسليم والانصياع، والعمل والتنفيذ، وتكلفهم بالتمويل والتسهيل، والتبرع والتنازل، وإلا فإن عصا التأديب تنظرهم، أو سيف القصاص يتعقبهم، والانقلابات تهددهم، والبدائل يتربصون بهم، والويل كل الويل لمن يعارض إرادتهم، أو يقف في طريقهم، أو يتردد في تنفيذ أوامرهم، وللأسف فقد خضعت الأنظمة لهم وقد نسوا أن الشرف كلمة حق، وأن الحياة وقفة عز.

 

بيروت في 30/5/2019