يهدي الشاعر الكردي المرموق قصيدته للشاعر الألماني في مكان ثالث تفتحه المدينة الحمراء المسكونة بالأساطير، هنا للمكان سطوته ومجازاته، والشاعر يبحث عن معنى أبعد من نظرة فكلورية عابرة لسائح عابر، إذ يرسم لعبوره كوة يحملها مفتاح قادر على إدخال دهاليز الروح في متاهات العدم، تتعدد صورة الذات بين أنا الشاعر وظله لتبحث عن منفذ للخلاص.

بائع خردوات في مراكش

حسين حبش


إلى ميشائيل أوغستين

 

في زمن ما

كنت بائع خردوات على إحدى الأرصفة في مراكش الحمراء

التي تجعل القلب شديد الحمرة من الحب.

في يوم من الأيام بعتُ مفتاحاً صدئاً،

لا أدري من أين حصلتُ عليه

الشاعر ألماني كان يرتدي بلوزة صفراء،

مرسوم عليها قارة أفريقيا بكامل مسكها!

من عنقه كانت تتدلى كاميرا ضخمة

بحجم رأس كبش متقد القرنين

وكان برفقته شاعر كردي

يعتمر قبعة كوبية زيتونية اللون

بنجمة حمراء في منتصفها

ويرتدي قميصاً مغربياً أسوداً خفيفاً مطرزاً بخيوط فضية حول عنقه.

كان الشاعر الكردي يتقن اللغة العربية أكثر من أهلها العرب،

ويتهجى مازحاً بعض الكلمات بالدارجة المغربية على عادة السواح.

لخاطر القارة الأفريقية التي أحبها حباً جماً

وكذلك لخاطر الشاعر الكردي الذي كان يكلمني بأدب جم

كأنه كان يكلم أستاذاً لامعاً للأنتيكا.

خصمت خمسين درهماً من السعر الذي طلبته للمفتاح.

شكرني الشاعر الألماني على جودي وكرمي

وشد الشاعر الكردي على يدي بمحبة كبيرة

واختفيا بين الجموع الحاشدة المتجهة إلى ساحة جامع الفنا.

لا أدري ما الذي حصل لي بعد ذلك!

فكلما وضعت رأسي على المخدة، ونمت قليلاً، يزورني مفتاحي في الحلم!

فمرة يأتيني على هيئة مفتاح ذهبي،

يبهر العينين من شدة لمعانه.

ومرة يأتيني على هيئة مفتاح

لبوابة قصر كبير

لا يسمح لأحد بالدخول إليه

إلا من كان على علم بمتاهات القصر ودهاليزه.

ومرة على هيئة مفتاح لصندوق مجوهرات مركون في قلعة نائية،

ربما تسمى قلعة الأشباح.

ومرة كان يأتيني على هيئة مفتاح لسجن كبير

مدجج بالحراس العابسين.

وكنت في كل مرة أستيقظ فزعاً،

والعرق يتصبب من كل مسامات جسدي.

وهكذا أصبحت أحلامي

كوابيساً وكوابيسي

أصبحت جحيماً لا يطاق.

آه لو صادف، ومرَّا الشاعران الألماني والكردي من هنا مرة أخرى

لسألتهما عن السّر الذي يحمله مفتاحي في قلبه

وعن مغزى الأحلام والكوابيس المزعجة التي تؤرق نومي،

وتحول ليلي إلى أرجوحة تعذيب.

آه لو صادف، ومرَّا من هنا مرة أخرى،

لربما وجدا علاجاً لحالتي

واستطاعا أن يفسرا لي هذا اللغز

الذي يحيرني على مدار النوم.

آه كم أود أن أنام نوماً عميقاً

لا أحلام

ولا كوابيس

ولا مفاتيح

تسخر من أحلامي.