يستعيد الشاعر العراقي ألق ووجع الفراق والبعاد، لكن أبعد من لغة المراثي، إذ يصيغ الشاعر لحظة وفاء تقاطعت فيها شجونه وخيباته وأماله وآلامه مع ذات أخرى قررت الرحيل في غفلة من الزمن، ولأنه شاعر وصديق الشاعر، ولأن الفقيد ظل يحضر في ذاكرة أصدقائه من شعراء ومبدعين وكتاب، ولأن رحيله في حادثة سير مميتة، جعل وجع الفقدان مضاعفا، يكتب الشاعر هنا منه إليه.

صَدِيْـقِي الشَّاعِرُ

حمـيد الحـريزي

 

الى روح الراحل فقيد الشعر والجمال الشاعر ابراهيم الخياط

 

صَدِيْقِي الشَّاعِرُ

هَيَّا بِنَا نُقَامِرُ

هَيَا بِنَا لِلْمَقَابِرِ

نَصْنَعُ مِنْ الْأَقْلَامِ جَنَاحاً

لَا يُطَاوِعُ الرِّيْحَ

نُسَائِلُ الضَّرِيْحَ

فِي كُلِّ الْمَقَابِرِ

نَزِيْلُكَ بِكَمْ جُرْحٍ جَرِيْح ؟؟؟

هَلْ مَاتَ حَرْقاً ؟؟

هَلْ مَاتَ شَنْقاً؟؟

بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلُوهُ ؟؟

الشَّاهِدُ الأَوَّلُ :-

تَجَاوَزَ عُمُرُهُ الْعِشْرِيْنَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُحِبَّ

وَيَتَعَلَّمَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يَسْكُنَ فِي بَيْتٍ مُرِيْحٍ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يَقُولَ مَا يَشَاءُ

أَنْ يَنعَمَ بِالضِّيَاءِ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَاكِسَ الرِّيْحَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَانِقَ الشَّمْسَ بِلَا خَوْفٍ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُلَوِّنَ الْحُرُوفَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَانِقَ الضَّرِيْحَ ..... فَقَتَلُوهُ

الشَّاهِدُ الثَّانِي:-

كَانَ مُغْرَماً فِي الْغِنَاءِ

لَا يُحِبُّ

الْمَدِيْحَ وَالرِّثَاءَ

يَحْلُمُ

أَنْ يَطِيْرَ بِلَا رَقِيْبٍ

يُقَبِّلَ النُّجُومَ فِي السَّمَاءِ

يُحِبُّ شَذَى الزُّهُورِ

يَعْشَقُ الْعِطْرَ

يَأْنَفُ

الزَّجْرَ وَالأَمْرَ

يُكَلِّمُ الطُّيُورَ

فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ

يُعَانِقُ الضِّيَاءَ .... فَقَتَلُوهُ

الشَّاهِدُ الثَّالِثُ :-

يَعْشَقُ الضَّفَائِرَ

يَجْمَعُ الأَمْشَاطَ وَالْحِنَّاءَ

يُغَازِلُ الضِّيَاءَ

يُسَبِّحُ بِإِسْمِ

الْمَاءَ

يُصَوِّرُ الْمَنَائِرَ

يُشَذِّبُ الْفَسَائِلَ

يُفَلْسِفُ الْوجُودَ

يُلَاعِبُ الْأَطْفَالَ

قَالُوا

إِنَّهُ ثَائِرٌ .......... فَقَتَلُوهُ

الشَّاهِدُ الرَّابِعُ :-

كَانَ

شَغُوفاً بِحُبِّ السُّرُوجِ

يَمْتَطِي الْخَيْلَ

يُغَالِبُ الَلَيْلَ

وَيُسَابِقُ الرِّيْحَ فِي الْمُرُوجِ

أَرَادَ أَنْ يُنْصِفَ الْفَقِيْرَ

يَطْمُرَ الْفَقْرَ

يَقْهَرَ الْقَهْرَ

عَشِقَتْهُ بِنْتُ الْوَزِيْرِ

أَعْلَنَ الْعَرْشُ النَّفِيْرَ

رُبَّمَا

تَنْقَلِبُ الْأُمُورُ

وَتَمْلَأُ الْأَحْلَامُ الصُّدُورَ

تَتَطَاوَلُ الْأَكْواخُ

لِتَبْلُغَ الْقُصُورَ

مُوَلِّدُ الَأحْلَامِ ... لَابُدَّ أَنْ يَمُوتَ

الشَّاهِدُ الْخَامِسُ:-

أَكْثِرُوا

مِنَ الْأَقْلَامِ وَالْأَوْرَاقِ

أَنَا

أَنَا شَقِيٌّ مِنَ الْعِرَاقِ

تَلَبَّسَنِي

«قَرْمَطُ» شَيْخُ الثَّائِريْنَ

مَزَّقَ

الْعَصَائِبَ

أَرَانِي الْخَرَائِبَ

وَأَسْمَعَنِي الْأنِيْنَ

فِي السُّجُونِ وَالزَّنَازِيْنِ

لِسَلَاطِيْنِ

آلِ

أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ

نَسْجُدُ لِلْخَلِيْفَةِ

وَنَقْطَعُ الْأَنْفَاسَ

هُمْ وُكَلَاءُ اللهِ ، وَالنَّاسُ الْعَبِيدُ

أَطِيْعُوا السُّلْطَانَ

وَاتْرُكُوا الْأَمْرَ

لِيَوْمِ الْوَعِيْدِ

مَنْ أَرَادَ فِي الدُّنْيَا الْحِسَابَ

لَابُدَّ أَنْ يَمُوتَ

الشَّاهِدُ السَّادِسُ :-

أَنَا شَاهِدٌ

وَأَعْلَمُ الْيَقِيْنَ

أَنَا شَاهِدٌ

مُنْذُ آلَافِ السِّنِيْنِ

أَنَا جِئْتُكُمْ مِنْ

سَوَمَرَ وَمِنْ أَكَدٍ

قَوْلٌ مِنْ أَلْفِ جَدٍّ

وَجَدِّ جَدٍّ وَوَلَدْ

لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ

وَنَحْنُ عَبِيْدٌ

لَهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ

وَلَنَا النُّحَاسُ

وَالْحَدِيْدُ

نِسَاءُنَا جَوَارٍ فِي الْقُصُورِ

لَهُمْ الْإِمَارَةُ

وَلَنَا الْخَفَارَةُ

وَكُلُّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلَهُمْ

كُلُّ التَّارِيْخِ زُورٌ

خُذُوا الصِّدْقَ مِنْ أَفْواهِ

الْقُبُورِ

لِأَجْلِ هذا قَرَّرْتُ أَنْ أَمُوتَ

الشَّاهِدُ السَّابِعُ :-

أَكْمَلَ

شَهَادَاتِ سِتَّةِ قُبُورٍ

ثُمَّ هَوَى فِي الْقَبْرِ السَّابِعِ