يرى الناقد المغربي أن لهذه الحكاية بعد جمالي قيمي تربوي التزمت فيها كاتبتها بضوابط الحكاية الشعبي، كما هو متعارف عليها عالميا، مع وجود لمسات تفردها قد تتفوق بها على غيرها من الحكايات، من حضور الذات في البداية والنهاية، وتوظيف لغة حبلى بالمحسنات البديعية، والتناص مع الحكايات الوطنية والعالمية.

مرفولوجية الخرافة المغربية

«حكاية غلاب» نموذجا

الكبير الداديسي

 

في إطار الملتقى الوطني للحكاية الشعبية في طبعته الثانية الذي نظمته رابطة كاتبات المغرب فرع آسفي يومي الجمعة والسبت 8 و9 نونبر 2019 كانت الخطوط العريضة لهذا الموضوع، بعد قراءة الفنانة والمؤلفة زهور الزرييق لأحدى حكاياتها الشعبية، وكانت مداخلتي قراءة في تلك الحكاية...

وحتى تتوضح القراءة أكثر نقدم للقارئ نص الحكاية كما ألفتها صاحبتها على أن نضيئ بعض جوانب هذا النص حسب ما يسمح به المقام:

نص الحكاية:

«من بعد الصلاة و السلام على الحبيب أرى المداحة و ما تجيب على السفينة الي باقى غدا بينا البحر زين و احنا باقين في التقداف راميين الشبكة و الحوت من كل اصناف شابل و درعي قرب و بوري كول لا تخاف السفينة اديالنا و لبحر عامر اغرف علاش قديتي لا تشاور و حنا متعين بالبحر و الحوت حكاية اليوم ما تفوت

كان في واحد لقبيلة حاكم طاغي جبار المتعة عندو يتبارز مع كبار و صغار ملي كانت صحتو صحة و هو يصول و يجول عيا و اشرف باقي بحالو مغرور ما خلى ما طيح من شبان لقبيلة شي تيغلبهم بالصح و شي ديرها حيلة يخافو يغلبوه يخويهم لبلاد و لا يسبب ليهم قتيلة

واحد المرة واحد الشاب عجباتو صحتو قال اليوم نتبارز مع الحاكم قدام قبيلتو يلى أنا قضيت عليه و غلبتو نحكم عليه يعطيني بلغتو و يرجع حفيان حت خيمتو باش نهبط ليه الراس و نطيح قيمتو تبارز هو وحاكم وسط لقبيلة و بداو في المعاركة و في لقتيلة الشاب خرج من صحتو ما عندو و زاد فيه اكثر من حدو حلف حتى يغلب و غلب بجهدو الحاكم كان طاغي بقوتو الي في الارض تحتو و الي في السما ما تفوتو حتى تسلط عليه هاذ الشاب خلى سيرتو مؤلفة في كتاب لقبيلة فرحات بهاذ الشاب و من فرحتها سماتو غلاب حيث طيح الحاكم قدام الناس و هو الي كان يقول راسي ما بعدو راس كيف دار غلاب لحاكم لقبيلة؟ هزو في السما كيف نحيلة طاف بيه و خبطو وسط بحيرة و رفسو رفسة غير فيلة و حكرات نميلة الحاكم مرض في ديك الليلة قلبو تفرك و تحك نحاس بقى ماشي ماجي ما طاب ليه نعاس من بعد شوهتو قدام الناس و احلف و احلف حتى يكون انتقامو حار أمر باختطاف غلاب الليل قبل النهار غبرو و لا من جاب ليه خبار فعلا غلاب تخطف بقات لقبيلة مقهورة ما عندها ما تدير قدام الحاكم محكورة غلاب تسجن في قلعة بعيدة و مهجورة ما مجاوراها لا دواور لا دشورة في غابة تصعاب على سبوعة و نمورة الحاكم سد على غلاب باب القلعة مزيان و زيرو بسلاسل حديد مثان كان معاه غير جوج الحراس رجعو ما على مريضهم باس بقاو يسولو بحالهم بحال الناس و قولو فين غاب غلاب رافع للقبيلة الراس الناس تسول و تهاكم فين غبر غلاب الحاكم الي خلى مناخرو بالارض تتلاطم من بعد غُلب ظالم لكن الشاب بوحدو في القلعة كف المجنون يخبط و يتدابز، بلقفولة والسلاسل مسكون اليوم يخبط غدا يخبط بحال مدكة من خارج القلعة تسمع الدكة بحال الخيل الى كانت حاركة و لا ثيران و دخلو في معاركة نبال الحقرة في صدرو راشكة خرجها في السناسل و ما لقى مفاكة الحراس بجوج كانو يتناوبو عليه يجيبو ليه الماكلة و ما يطلو عليه غير من الثقب العالي الزاد يلحوه ليه تيخافو عينيهم تجي في عينيه حيث و لد الدشر و صحبت الصغر يخافو يتوسل ليهم و يطلبهم يحنو منو و العطف يغلبهم على ما ربي قالو لا عين شافت لا قلب وجع بغاها لراسو و قلب عليها الثمن يدفع بقاو على هاذ الحال يرميو القوت غير من الثقب و هو باقي يخبط و يضارب و مع السناسل مغالب حتى عيا و استسلم و يأس و قال عمري لا خرجت من هاذ الضص منين يجيني يا ربي مفرج يدير ليا من هاذ الباب مخرج من بعد ايام و سنين لحمو كاع طاب بالمدابزة و المصارعة مع حلان الباب اكلس للارض ما بقى قادر على عذاب قال تمارة على خاوي و أمل كذاب سلم في الامرو و قال هذا ما اكتاب و بقى مقابل غير القوت ياكل و يتسنى الموت بقى على هاذ الحال و داز شحال من عام و عام هو في القلعة بوحدو عيى بيه الحال و تقطع جهدو رجليه دماو و تنكلو كاع تحردو و هو يسكن في مكانو لا حراك ما بقى قاد على عكير و لمحاك فقد الامل في الحركة وقال هذا جهدي و براكة في واحد النهار واحد من الحراس غبر ليه الأثار سول عليه الحاكم ما عطاوه خبار بقى غير حارس واحد هو الي تيتردد على القلعة دازت يام و دازت أعوام غلاب في القلعة بالحكام و الحريس و القوت دوام واحد النهار شاعت لخبار الحاكم تيحتضر ظهر الحاس الي كان غابر يغثة مشى بغثة كان ظاهر تلقى بصاحبو ما خلى علاش سول على حاجة بحاجة و يعاود من الاول من هاذ الهضرة كلها، كان معول يعرف مصير غلاب، عليه مهول صبر حتى عيا عليه سول قال ليه صاحبو: غلاب باقي هو غلاب و لكن بقى يضعاف و ينحال ينقص و يهزال ما بقيت تعرفو هو من لخيال في الحين نطق احارس الي كان غايب و قال و لكن أنا لاش غبرت حيث حليت عليه الباب و هربت خفت الحاكم يسيق لي لخبار يسجني معاه أو يقتلني بلا شوار قال ليه صحبو آش تتقول يا مجنون و غلاب باقي في القلعة مسجون ياك إما انت كذاب و لا مهلوس مسكون قال ليه لكلام الي تتسمع هو الي يكون رجلي على رجليك للقلعة تعرف الكذاب شكون بالزربة الحارس ركب على العود مشى تيسرع يتأكد من لكلام الي سمع وصلو القلعة دفع الباب هو يتشرع دار في غلاب كالس في القنت ينين يا اصكع الباب محلول من سنين و انت لاصق في الحيط كف الودنين غلاب تفزع و تخلع وقف كيف المدفع يصدق ما يصدق خبط على راسو و نطق آويلي و على شمتة و قولولي من إمت بقوة الارادة غلبت الحاكم بموت الارادة بحبسي كنت حاكم من بعد ما دقيت و دقيت كلست للأرض و قلت عييت يا ريت يا ريت ما خرجت مني كلمة عييت

و هكذا اسيادنا عرفنا بالعزيمة القوية و الارادة المستمرة نقدرو نخلقو المعجزات و بموت الارادة اشحال من فرصة جات و مشات حيت الناس

بعد ماتحفر و تحفر تقول عيات ما تتعرفش بقى بنها و بين الما غير شي هبشات نوصيك يا انسان محدك في الدنيا العزيمة قوية و الارادة حية محد

اروح تطلع و تهبط وانت تخبط و تخبط حتى تصادف يوم الحظ يمكن يجي باثنين يمكن يجي بالحد المهم جاي جاي بالسبت» انتهت الحكاية

 

مرفولوجية الحكاية :

على الرغم من الاهتمام المتزايد بالثقافة الشعبية بمختلف تجلياتها فلا زال البحث في الأدب الشعبي مجالا بكرا في حاجة إلى المزيد من الاهتمام جمعا تدوينا دراسة وتحليلا ولازالت معظم متونه بعيدة عن النقاد، والأكيد لو توفرت النصوص في مجاميع لصيغت نظريات حول مختلف الفنون الشعبية في المغرب، مثلما فعل فلاديمير بروب لما نظر شرقا وجد أمامه أفناسييف وقد جمع ما يربو على 600 حكاية، ولما التفت غربا ألفى الأخوين كريم قد جمعا حوالي 1200 نص حكائي ليصوغ قواعد وضوابط مروفولوجية الخرافة ونحن لا زلنا نتلمس الطريق للوصول لبعض النصوص المنفردة ولا زالت معظم غبداعاتنا الشعبية شفوية... ونأمل أن يكون ما سنقدم في هذا الملتقى لبنة تضاف إلى هذا صرح نقد الثقافة الشعبية.

في مقاربتنا لحكاية الأستاذة زهور الزرييق لن نحيد عما سنه الرادة الأوائل من نقاد الخرافة ونقصد هنا مجهودات كل من فلاديمير بروب خاصة في مؤلفه مورفولوجية الخرافة، واجتهادات كريماص وإضاءات لفي ستراوس وشعرية توتوروف وغيرهم ممن اهتموا بالثقافة الشعبية ....

لا أخفيكم سرا إذا قلت لكم أنني وجدت نفسي محاصرا بعدة أسئلة ، وأول ما تبادر إلى ذهني عند توصلي بالدعوة وبوثيقة الحكاية هو خصوصية النص : أيمكن اعتبار هذا النص حكاية شعبية وفي الذاكرة تصورات ومسلمات عن مفهوم الحكاية الشعبية كمفهوم يضعنا أما عدد كبير من المسلمات والفرضيات منها:

  • كون الشعبي من الثقافة لا يُعرف مبدعه وعادة يكون مصدره الشعب ومآله الشعب (كالنكتة، الخرافة، الحكاية، الأحجية والمثل) ونحن أمام نص إبداعي صاحبته معنا على المنصة نعرفها جيدا...
  • الحكاية والثقافة الشعبية عامة مرتبطة بالقدامة وبسلف ينقل متونا للخلف (يحكيها العجائز للصبيان) هل يمكن أن نصف بالشعبي نصا آنيا طريا يانعا بالكاد ألفته صاحبته...؟
  • أن الشعبي لا يطلق على كل ما أنتحه الشعب فقط ولكن على ما قبله تبناه وتناقله الشعب من حكايا ، أساطير ـ ملاحم ،فنون شعرية أوسردية ، أشعار ، أغاني وأقوال سائرة ـ أمثال ، الحكم ،ألغاز ، ... وغيرها من الأشكال التعبيرية بوصفها مخزونا ثقافيا بانيا للهوية الاجتماعية على مر الفترات التاريخية.. والسؤال هل تناقل أحد هذه الحكاية منقبل؟
  • أين يمكن موضعة النص في ثنائيات تفرض نفسها ما أن نسمع الثقافة الشعبية منها: الثقافة العالمة/ الثقافة الشعبية . الخاصة / العامة . التداول الكتابي/ التداول الشفوي . المحلي/ العالمي الإنساني. التقليدي/ المحدث...
  • هذه الفرضيات وغيرها من الثنائيات التي تحتم علينا وضع النص خارج الثقافة الشعبية ، فنحن أما نص مكتوب سهرت صاحبه الليالي من أجل ديباجته وصياغته في اختيار ألفاظه مما يبعده عن التداول الشفوي، ونحن أمام نص خاضع لضوابط والشعبي عادة ينزع نحو الانفلات من القيود والضوابط الرسمية التي ترسمها الخاصة ...
  • أضف إلى ذلك أن ما يميز الثقافة الشعبية والحكاية جزء منها أكثر هو الاستمرارية والتواتر شفويا داخل مجموعة صغيرة (أسرة، فئة (مهنية، أثنية، دينية...) صغيرة أو كبيرة) ونكاد نجزم أن لا أحد سمع بهذا النص من قبل؟ وأن لا وجود لمجموعة أو فئة قد تناقلته في ما بينها....

 

هذه المسلمات والفرضيات تسمح للقارئ بإصدار أحكام مسبقة ووضع النص خارج الحكاية الشعبية، وخارج الثقافة الشعبية عامة، وكفنا الله عناء البحث والتقصي...

لكن والحق يقال إن هذه الفرضيات و التقابلات لا تقلل من شأن هذه الحكاية، ففيها من الاجتهاد ومن المؤشرات ما جعلها تتفوق على الكثير من الحكايات التي تحفظها العامة وتتناقلها منذ أزمان، في لغتها وفي رسائلها ومضامينها في بنائها،

لذلك وحتى لا نغرق في التنظير دعونا أيها الحضور نرمي بشباكنا في أقيانوس هذه الحكاية ونرى ما يمكن اصطياده مع الإشارة حيرتنا أين نوجه هذه الشباك أمام تعدد الجوانب التي يمكن أن نقارب من خلالها حكاية شعبية: يمكن دراستها من حيث: مضمونها/ بنيتها / أصولها/ وظائفها/ الثابت والمتغير فيها/ خصائصها النوعية / طريقة سردها (وكل ما يتعلق بالسرد من ضمير، رؤية، زمن ...) / شخصياتها/ العلاقات فيها/ لغتها وأسلوبها، الحوافز...

لذلك تكتفي هذه القراءة احتراما لخصوصية اللقاء، وسلطة الزمن ء ببعض الفلاشات والإضاءات حول مورفولوجية النص عسى أن نعطي للنص حقه ونكرم مبدعته دون مجاملة:

أولا: نصنف الحكاية منذ البداية ضمن خرافات العادات والقيم، فهي ليست خرافة عجائيبة / وليست خرافة على لسان الحيوان و...

ثانيا : النص حكاية وكل عمل حكائي يتضمن بالضرورة حكاية (الأحداث مضامين ) وطريقة للحكي ( سرد وكيفية الحكي) والأهم بالنسبة لنا هو سؤال الكيف لأن الحكاية الواحدة قد تحكى بطرق متعددة وتكون في طريقة أحسن منها في طريقة أخرى، فقط لأن (المعاني مطروحة في الطريق وإنما الشأن في تخير اللفظ وكثرة الماء وجودة السبك و..) على رأي الجاحظ.

ثالثا : إن المؤشرات الأولى في الحكاية تبين وجود ثوابت راسخة ومتغيرات تمردت على المألوف يتجلى بعضها في الجملة الأولى للحكاية: فقد اعتدنا في الحكايات تخلص السارد من المسؤولية، وإسناد الحكي للأوائل ، فيغيب ضمير المتكلم وأن تبتدئ الحكاية بجمل مسكوكة ( زعموا، يحكى، كان يامكان، قيل أو يقال، قالوا زمان، حدثنا عيسى بن هشام قال، بلغني أيها الملك السعيد..) مما يعفيه من مسؤولية محتمى المتن ويجعله مجردا مجرد ناقل (وناقل الكفر ليس كافرا) لكن الأساتذة زهور أثرت أن تضع حكايتها بين دفتين بضمير المتكلم الجمع نحن الذي حضر في الاستهلال (( حنا ، غدا بينا واحنا )) والخاتمة (( أسيادنا ، عرفنا نقدرو نعرفو...)) وهذا التوظيف له دلالته. (نحن جميعا نملك الحقيقة) ونتحمل مسؤولية ما نحكي... وكان الثابت سرد الحكاية بضمير الغائب حيث السارد متوار غير ظاهر يشعر القارئ وكأن الحكاية تروى لوحدها، مع تحكمه متحكم في خيوط اللعبة السردية وفي رقاب الشخصيات يقتل يبعد ويعذب من يشاء ( ورأينا كيف رمى بغلاب في أتون السجن وتركه يتعذب )

ولعل أكثر الثوابت تحكما في مرفولوجية هذا النص معنى ومبنى هو الالتزام الحرفي قلبا وقالبا لوضعيات الخطاطة السرية ( (schema narratif ) كما جاء في مشروع كريماص فكانت هذه الحكاية في بنائها مع مختلف الحكايات الشعبية الإنسانية بالتزامها بالوضعيات الخمس لتلك الخطاطة ، فجاءت على الشكل التالي : :

  1. الوضعية البدئية وفيها عادة يتم تقديم المكان، الزمان، الأحداث و الشخصيات وتجيب على أسئلة من أين متى وماذا ؟ وهذا ما فعلته ذ.ة زهور في بداية حكايتها (كان في واحد لقبيلة حاكم طاغي جبار المتعة عندو يتبارز مع كبار و صغار ملي كانت صحتو صحة )
  2. القوة المخلة للتوازن هدفها قلب وضعية البداية وإدخال تغيير على حالة ووضعية الشخصية تجيب على سؤال ما الذي سيحدث من المهدد وغالبا يتم التمهيد لها بمؤشر زماني : فجأة/ ذات يوم ... وهو هنا ((واحد المرة واحد الشاب عجباتو صحتو ))
  3. وضعية اللاتوازن وهنا الحكاية تضع الشخصيات في وضعية صعبة تجبرها على البحث عن الحل وتحتم عليها تجريب ى كل المحاولات والوسائل للخروج من هذه الوضعية وتجيب على سؤال كيف ؟ فوجدنا الحاكم ((مرض في ديك الليلة قلبو تفرك و تحك نحاس بقى ماشي ماجي ما طاب ليه نعاس ... )) وألفينا الشخصية الثانية (غلاب) (يخبط و يتدابز، بلقفولة والسلاسل مسكون اليوم يخبط غدا يخبط بحال مدكة ) وتشكل هذه الوضعية مرحلة العقدة وتكون بؤرة الحكاية أكبر وضعية من حيث الحجم.
  4. وضعية القوة المعيدة للتوازن وتشكل عنصر انفراج ، كحدث جديد يظهر فجأة ليغير مجرى أحداث العقدة ((واحد النهار شاعت لخبار الحاكم تيحتضر ظهر الحارس الي كان غابر في الحين... نطق احارس الي كان غايب و قال ))
  5. وضعية النهاية : نتيجة المحكي وخاتمته وتجيب عن سؤال كيف خلصت الشخصية نفسها ؟؟

ينظاف إلى التزام حكاية ذ.ة زهور بتفاصيل الخطاطة السرية، التزامها بالعوامل ووظائفها في الحكاية فجاءت عوامل هذا النص نمطية وهي :

  1. العامل الذات كقوة تتجه صوب موضوع معين مع تبادل فوجدنا ( الشاب يصبو لكسر شوكة الحاكم / الحاكم يصبو للانتقام )
  2. العامل الموضوع كقوة فاعلة مبحوث عنها وهي في النص (الانتقام / القوة / الحرية )
  3. العمل المساعد كقوة تؤازر الذات للحصول على موضوعها ( الحراس الذين سجنوا الشاب وآزروا الحاكم في تحقيق ما يصبو إليه )
  4. العامل المعارض كقوة تسيء إلى الفعل وتعرقل مساره ( الحارس الذي خلف الوعد)
  5. العامل المرسل كقوة فاعلة لها القدرة على دفع الذات نحو الموضوع ( الإرادة / العزيمة )
  6. العامل المرسل إليه كقوة مستفيدة من تلك العملية.....

بعد هذه الإضاءات السريعة نخلص لعدد من الخلاصات أهمها:

  • خضوع الحكاية لثلاث مراحل اساسية لا محيد عنها في كل حكاية، استهلت بحالة من الأمن والاستقرار ثم اضطراب ولا توازن فالنهاية، وهذا ما يؤكده “تودوروف” بقوله: “إنَّ القصَّة المثالية هي التي تبدأ بوضعية هادئة تجعلها قوة ما مضطربة ينتج عن ذلك حالة اضطراب ويعود التوازن بفعل قوة موجهة معاكسة[1] وأنه ما كانت لتتحرك القوى الفاعلة، وتتغير الوضعيات لولا وجود حوافز ودوافع المقصود بالحوافز كما عرفها “بروب” هي “أسباب وأهداف الشخصيات التي تجعلها تقوم بأفعال مختلفة[2] وكلكم تابعتم أهداف غلاب من مبارزة الحاكم ، وأهداف الحاكم من سحن غلاب
  • أن بنية الخرافة بنية مسكوكة أنه قد تتبدل الشخصيات ، الأمكنة/ الأزمنة في الخرافة لكن الوضعيات /الأفعال / الوظائف تبقى تابثة مما يجعل الخرافة تسند أفعالا متشابهة لشخصيات متباينة، فشخصيات الخرافة تنجز في الغالب نفس الأفعال وإن تغيرت الوسيلة والطريقة ومن تم يصبح السؤال المهم في الخرافة هو ماذا تفعل الشخصية ؟ أما من قام بالفعل؟ وكيف قام به؟ فأسئلة ثانوية.. لأن المهم من الخرافة هو الرسالة ( Message) ورسالة هذا النص تكاد تشكل اليوم محور عدد من العلوم الإنسانية رفض السلبية ، التخلص من الشحنات السالبة الإصرار العزيمة وعدم الاستسلام فالكثير من الناس (تقول عيات وماتعرقش بأن بينها وبين الماء غير هبشات)
  • كون حكاية غلاب حكاية بسيطة البساطة هنا ليست حكم قيمة ، وإنما غير مركبة خالية من التضمين وتناسل الحكايات ، ووجود حكايات ضمن الحكاية الأم.
  • بداية الحكاية كانت ديناميكية تضع القارئ مباشرة في قلب الحدث دون إغراق في وصف الفضاء الزمكاني أو الشخصيات
  • نهاية فلسفية هدفها تقديم العبرة تتجاوز النهايات التقليدية في الحكاية ( سعيدة / تعيسة/ حدث مفاجئ / غياب الخاتمة )
  • خضوع الحكاية وصياغتها وفق تسلسل زمني تصاعدي للأحداث ، لا حضور فيه للإرجاعيات،ولا تكسير للسرد بمشاهد حوارية أو مقاطع وصفية...
  • تطور الأحداث وفق تسلسل منطقي ، لا مفاجآت في مسار الأحداث مما يجعل كل حدث داخل هذه الخرافة يكون حافزا لحدث قادم...
  • غياب العجائبي والعجائبي في هذه الحكاية فقد ظلت القوى الفاعلة المحركة لأحداث الحكاية في حدود الشخصيات الإنسانية (لا حضور لكائنات غريبة) أفعالها عادية لا تأسطر للشخصيات لا تأسطر للأمكنة أحداثها يمكن تصورها بالعقل ويمكن وقوعها في الواقع لا غلو ولا إيغال.

هكذا أخيرا يكون لهذه الحكاية بعد جمالي قيمي تربوي التزمت فيها كاتبتها بضوابط الحكاية الشعبية كما هي متعارف عليها عالميا مع وجود لمسات تفردها قد تتفوق بها على غيرها من الحكايات من حضور الذات في البداية والنهاية ، وتوظيف لغة حبلى بالمحسنات البديعية ، قائمة على الإسراف في توظيف البديع من جناس وطباق ومقابلة ، وسجع وحسن تقطيع الجمل وتعادلها نحويا وتركيبيا إضافة إلى تناصها مع العديد من الحكايات الوطنية والعالمية التي تتقاطع معها في نفس التيمة وموضوع ولنا عودة في مقال قادم لمقاربة تناص هذه الحكاية مع غيرها من النصوص، واستنطاق النصوص الحاضرة فيها من خلال الغياب ...

 

[1] - الشعرية، تزفيطان طودوروف، ترجمة: شكري مخبوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، المغرب، ط02، 1990م ص68.

[2] - ص 152