تأتي جائحة كورونا في ظل تعاظم سياسة الإهمال الطبي والممارسات العنصرية التي يمارسها الاحتلال في السجون، لتثير مخاوفاً كبيرة من وصول الفايروس للأسرى عن طريق السجانين والمحققين. إذ إن البيئة داخل المعتقلات بيئة محفزة للأمراض، من حيث الازدحام وسوء التهوئة وشح مواد ووسائل النظافة.

في معتقلات الاحتلال وفايروس كورونا

الأسرى الأبطال

قـدّورة فارس

 

عانى الأسرى المناضلون في سجون الاحتلال ولعقود طويلة من الزمن من سياسة الإهمال الطبي المتعمد، التي مورست بشكل مدروس وبرعاية جميع مؤسسات دولة الاحتلال، وتحديداً على المستويين السياسي والأمني، وراح ضحيتها العشرات من الأسرى الذين ارتقوا شهداء، وكان آخرهم الشهيد سامي أبو دياك. وإذا كانت هذه النتيجة مرئية، فإن هناك الآلاف من الأسرى الذين عانوا لسنوات طويلة، أو استشهدوا بعد تحررهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.

ويأتي هذا التحدي الكبير المتمثل بفايروس كورونا في ظل تعاظم سياسة الإهمال الطبي، وفي ظل التحولات العنصرية الكبيرة في سياسات وإجراءات سلطة الاحتلال، لتثير لدينا ولدى الأسرى مخاوف كبيرة من وصول الفايروس للسجون عن طريق السجانين والمحققين في مراكز التحقيق، إذ إن البيئة الصحية داخل المعتقلات بيئة محفزة للأمراض، من حيث الازدحام وسوء التهوئة وشح مواد ووسائل النظافة. فعلى سبيل المثال، وبخصوص المساحة، صدر تقرير عن هيئة الدفاع العام الإسرائيلية، التي أتيح لها المجال الدخول للمعتقلات، أشار إلى أنه وفقاً للقانون الدولي يجب أن يحظى الأسير الواحد بمساحة قدرها ٨ أمتار مربعة، بينما يحظى الأسير الفلسطيني بما مساحته ١,٨ متر مربع، أي أقل من ربع المساحة المخصصة للأسير وفقاً للقانون الدولي. ولذلك، فإن الاكتظاظ يمثل سببباً رئيسياً لسرعة انتشار الأمراض المعدية العادية، بينما نحن نتعامل الآن مع فايروس خطير أودى حتى الآن بحياة الآلاف في أنحاء مختلفة من العالم.

وقد تابعنا منذ اللحظة الأولى مجريات الأمور داخل معتقلات الاحتلال، إذ استوقفنا كثيراً السلوك الذي ينم عن الاستخفاف واللامبالاة الذي مارسته إدارات المعتقلات؛ فهي لم تتخذ أية إجراءات إطلاقاً في البداية باستثناء إجرائين يحملان معنى قمعياً، وهما وقف زيارات الأهالي لأبنائهم ومنع دخول المحامين. ورغم نداءاتنا المتكررة بضرورة الإفصاح عن بروتوكول منظم لطبيعة الإجراءات التي ستتخذها إدارات السجون في مواجهة هذا الوباء، فإن هذا لم يحدث بالمعنى الشامل والدقيق للكلمة، إذ اقتصر الأمر على بعض الإجراءات الشكلية، مثل قياس درجة حرارة السجانين حين عودتهم إلى العمل، وتوفير وعاء فيه مادة الكلور لكل غرفة، علماً أن هذا كان متوفراً، وتم سحبه من الأسرى قبل عام من الآن بحجة تقليصات في ميزانية مصلحة السجون.

ولعل أكثر ما يثير استهجاننا هو الاستمرار في الإجراءات القمعية، مثل عمليات التفتيش والقمع التي تستدعي دخول عدد كبير من السجانين لغرف الأسرى، وملامستهم لكل أمتعة الأسرى، وكذلك استمرار حملات الاعتقال التي تنفذها أعداد كبيرة من الجنود، وما يتخللها من تفتيش للمنازل ولأفراد العائلات التي يتم اقتحام منازلها، في ظل عدم وجود ضمانات بسلامة الجنود من هذا المرض، إضافة إلى استمرار مراكز التحقيق في عملها كالمعتاد. وقد اتضح لنا أن أحد المحققين في مركز تحقيق بتاح تكفا كان مصاباً، ومارس التحقيق دون معرفته بالإصابة، الأمر الذي تسبب بمخالطة العديد من الشباب الذين خضعوا للتحقيق. ولم تفصح سلطات الاحتلال عن أسماء من تواصلوا مع هذا المحقق، باستثناء أسير واحد نقل إلى معتقل مجدو، وتواصل على مدار خمسة أيام مع بقية زملائه من الأسرى، إلى أن علموا بإصابة المحقق، فاتخذت إجراءات كثيرة كان يفترض أن تتخذ من الأيام الأولى لبدء انتشار الوباء. والمفارقة الغريبة هنا أن الإجراءات الوقائية التي اعتمدت في مجدو لم تعمم على بقية المعتقلات، كما أن مصلحة السجون التي أمرت بعزل ستة من الأسرى في مجدو في ظروف مشددة، لم تعلن رسمياً ما إذا كان هؤلاء المناضلون مصابين أم مخالطين فقط، الأمر الذي تسبب بحالة من القلق والإرباك الشديدين على مدار خمسة أيام متواصلة، ولم نتلقَ حتى الآن رداً رسمياً من مصلحة السجون عن وضع هؤلاء الأخوة.

وفي ضوء كل ما تقدم، ونتيجة الارتفاع المضطرد في عدد المصابين الإسرائيليين بمن فيهم جنود في الجيش وأفراد في شرطة السجون، نرى أن الإجراءات الحقيقية المطلوبة، والتي يجب أن تحرص منظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر، على إلزام دولة الاحتلال باتخاذها هي:

١- إلزام الاحتلال بالإفصاح عن بروتوكول الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها سلطات السجون على أن تحظى بموافقة منظمة الصحة العالمية.

٢- إطلاق سراح الفئات التالية من الأسرى:

أ) الأسرى من كبار السن، علماً أن أكبرهم سناً هو الأخ فؤاد الشوبكي، الذي بلغ الثمانين من عمره.

ب) الأسرى الذين يعانون من أمراض مستعصية تهدد الحياة، وعددهم يزيد عن المئة وعشرين أسيراً.

ج) الأسيرات، وعددهن الإجمالي ثلاثة وأربعين أسيرة، قسم منهن يعانين من أمراض مستعصية وتسعة عشر منهن أمهات ولديهن أطفال.

د) الأسرى من الأطفال القاصرين، وعددهم حوالي مئة وثمانين أسيراً.

هـ ) الأسرى الذين حُكم عليهم إدارياً، ويبلغ عددهم أربعمئة وثلاثين أسيراً جرى اعتقالهم، وفقاً لرواية الاحتلال، احترازياً، وبعضهم جاوز الستين من عمره.

إن اتخاذ الإجراءات المشار إليها سلة واحدة، يمكن أن يعكس قدراً من الجدية من قبل الاحتلال، مع أننا لا نتوقع ذلك خصوصاً وأنهم يتحفظون الآن على جثامين المئات من الشهداء. ولذلك فإن القلق لدينا يتزايد. ونحن فيما نتابع ما يجري في بعض الدول المنكوبة بالوباء، وكيف أنها تعطي أفضلية للأصغر سناً لتوفير العلاج والعناية في تعاملها مع مواطنيها، نتخوف مما سيكون عليه الحال إذا استشرى المرض في إسرائيل ووصل إلى المعتقلات؛ فاستناداً إلى كل ما ذكر، ستتعمد إسرائيل إهمال الأسرى، وسيحظى مواطنوها بأولوية العناية والعلاج، وهنا ستكون الكارثة، وهذا ما نحذر منه منذ بداية انتشار المرض.

 

(عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية)