يوجز المفكر الأمريكي الاستراتيجيات النيوليبرالية ومناوراتها الرأسمالية، مثل الإلهاء؛ خلقُ المشاكل، ثم تقديم الحلول؛ والدَّهْوَرة؛ والتأجيل؛ تطفيل الجماهير؛ وإلغاء التفكير النقدي؛ والترويج للتجهيل؛ وتشجيع الرداءة، وتنمية الشعور بالذنب؛ والإدعاء بمعرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسَهم.

عَشرُ استراتيجيات في التلاعب بالجماهير

نعوم تشومسكي

ترجمة عبد المجيد جحفة

 

نوام شومسكي، الفيلسوف الأمريكي، الناشط والمفكر السياسي، أستاذ اللسانيات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي قضى به كل حياته المهنية، وصاحب نظرية النحو التوليدي، التي أحدثت ثورة كبرى في البحث اللغوي، عرفَه الناس، داخل أمريكا وخارجها، مفكِّرا ملتزماً.

يكشف شومسكي، بأسلوب بسيط، الاستراتيجيات التي تعتمدها الأنظمة مدعومة بأدواتها من وسائل الإعلام في التلاعب بالجماهير. ويضع قائمة تتضمن "عشر استراتيجيات للتلاعب" تعتمدها وسائل الإعلام؛ منها استراتيجية الإلهاء، واستراتيجية الدَّهْوَرَة أو القهقَرة لإبقاء الناس رهنَ الجهل والتفاهة والرداءة.

(1) استرتيجية الإلهاء

تقوم استرتيجية الإلهاء، باعتبارها العنصر الأساسي في إحكام المراقبة الاجتماعية، والتحكم في المجتمع، بتحويل انتباه الجماهير عن القضايا المهمة والتحوّلات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، اعتماداً على طوفان لا يتوقف من الـمُلْهِيات ومن المعلومات التي لا أهمية لها. استراتيجية الإلهاء ضرورية أيضاً لمنع الجماهير من الاهتمام بالمعارف الأساسية، في مجال العلم، والاقتصاد، وعلم النفس، والبيولوجيا العصبية، والسيبيرنيطيقا.

"صَرْفُ انتباه الجماهير، وإبعادها عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وجعلها مفتونةً بموضوعات لا أهمية فعلية لها. جعلُ الجمهور مشغولاً، مشغولاً، مشغولا. لا وقت لديه للتفكير، كي يعود [مطمئناً] إلى المزرعة مع الحيوانات الأخرى".

مقتطف من "الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة".

(كرة القدم، الألعاب الأولمبية، دْجوني،..إلخ).

العبارة اللاتينية التي اشتهرت بروما القديمة "أعطِهم خبزاً وألعابا!" Panem et circenses.

(2) خلقُ المشاكل، ثم تقديم الحلول

تسمى هذه الطريقة أيضا "مشكل-ردّ فعل-حلّ". نخلق مشكلة أولاً، وهو "وَضْع" يراد منه إثارة رد فعل معين من الجمهور، بحيث يُطالب الجمهورُ نفسُه بتلك التدابير التي نريده أن يقبلها.

على سبيل المثال: تركُ العنف الحضري يتنمى ويتَّسع، أو تنظيم هجمات دامية، بحيث يطالب الجمهور بقوانين أمنية على حساب الحرية.

(أو خلق أزمة اقتصادية لحمل الناس على قبولها على أنها شرٌّ لا بد منه)

(3) استراتيجية الدَّهْوَرة والقهقرة

لجعل إجراء غيرِ مقبول مقبولاً، يكفي تطبيقُه تدريجياً وبـ"الـتخفيف"، على مدى 10 سنوات. هذه هي الطريقة التي فُرضَت بها ظروفٌ سوسيو-اقتصادية جديدة جذرياً (النيوليبرالية) خلال السنوات 1980 إلى 1990. بطالة واسعة، وهشاشة، وترحيلات، وأجور لم تعد تضمن دخلاً لائقاً، كل هذه التحولات كان من شأنها إحداث ثورة لو طُبِّقَت بفظاظة.

(تخفيض المعاشات، وتمديد مدة العمل)

(4) استراتيجية التأجيل

ثمّة طريقة أخرى لاتخاذ قرار لاشعبي، وذلك بتقديمه على أنه قرار "مؤلم ولكنه ضروري"، بحيث يتم الحصول على موافقة الناس في الوقت الحاضر، على أن يكون تطبيقه في المستقبل. من الأسهل دوماً القبول بالتضحية في المستقبل بدل التضحية على الفور. أولاً، لأنه لا يُطلَب منا أنّ نبذل الجهد توّاً. ثانياً، لأن الجماهير تميل دوماً إلى تغذية أمل ساذج في أن "كل شيء سيكون أفضل غداً"، وأن التضحية المطلوبة ستُتَجنَّب ولن تقع.

وأخيراً، يسمح هذا بإعطاء الجمهور الوقتَ كي يتعوَّد على فكرة التغيير وقبولها بخضوع عندما يحين وقتُها.

(لم تُطبَّق الزيادات المهولة في الضرائب قبل انتخابات 2012، ولكن مباشرةً بعدها)

(5) مخاطبة الجماهير كأنهم أطفال صغار (أو استراتيجية التطفيل)

تستخدم معظم الإعلانات الموجهة للجمهور العام خطاباً وحججاً وشخصيات ذات نبرة مُطفِّلة بشكل كبير، وغالبًا ما تكون أقرب إلى اعتبار الناس أغبياء معتوهين، وكأن المتفرج طفل صغير أو معاق ذهنيًا. كلما سعَيْنا إلى خدْع المتفرج، اعتمدنا نبرة مطفِّلة.

لماذا؟ "إذا خاطب المرءُ شخصاً كأنه يبلغ من العمر اثني عشرة سنة، فإنه، بسبب ما يرافق هذا من إيحاء، سيكون جوابُه أو ردُّ فعله، باحتمال معين، مجرَّداً وخاليا من الحس النقدي مثلما يخلو منه الشخص الذي يبلغ اثني عشرة سنة.

مقتطف من "الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة"

(الفرنسيون بدينون جدا، بدينون جدا، أكثر من اللزوم. المشروبات السكرية يجب أن تُفرَض عليها ضرائب إضافية: نشتريها، إذن، بأثمنة غالية)

(6) اللجوء إلى الجانب العاطفي، وليس إلى إعمال التفكير

اللجوء إلى العاطفة تقنية كلاسيكية لقطع الطريق أمام التحليل العقلاني، وبالتالي تعطيل الحس النقدي لدى الأفراد. إضافة إلى هذا، يفتحُ استعمالُ السِّجلّ العاطفي البابَ أمام اللاشعور لازدراع أفكار، ورغبات، وتخوفات، ودوافع، أو سلوكات.

(الأرض تزداد حرارتها بشكل خطير بسبب أنشطة البشر وحدهم (كذا)، وهذا يشكل خطرا على أبنائنا: نضيف، إذن، من جديد في الضرائب المفروضة على الوقود)

(7) إبقاء الجمهور في الجهل والبلاهة

جعل الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستخدَمة في مراقبته وفي إحكام عبوديته. "نوعية التعليم الذي يُقدَّم للطبقات السفلى يجب أن تكون أفقر نوعية، بحيث تبقى هوةُ الجهل التي تفصل الطبقات السفلى عن الطبقات العليا غير قابلة للفهم لدى الطبقات الدنيا".

مقتطف من "الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة":

لهذا السبب تُعطى الباكلوريا الآن للجميع، لكن بمستوى لا يكفّ عن الانخفاض. المستوى في المؤسسات الثانوية ينخفض بشكل خطير كل سنة! (ثمانون في المائة من طلبة الجامعات أو طلبة المدارس الكبرى جاءوا من طبقات متوسطة أو عليا).

(8) تشجيع العامّة على الانغماس في الرداءة

تشجيع العامّة ودفعها لترى أنه شيء "ممتاز" ("cool") أن تكون غبياً وسخيفاً، ومبتذلاً، وغير متعلم.

(انظر بعض البرامج التلفزية التي تتمتع بالشعبية وبدرجة كبيرة من البلاهة والغباء، وانظر ما يُدعى "تلفزة الواقع")

(9) تعويضُ الثورة بالشعور بالذنب (أو لوم النفس)

جعل الفرد يعتقد أنه المسؤول الوحيد عما يحيق به من مصائب، بسبب قصور في ذكائه أو في قدراته، أو لتقصيره في ما يبذله من جهد. وبالتالي، عوض التمرد على النظام الاقتصادي، يحُطُّ الفردُ من قيمة نفسه ويشعر بالذنب، مما يخلق حالة من الاكتئاب، ومن آثارها تثبيط الفعل. وبدون فعل، لا ثورة!

(أنت عاطل عن العمل لافتقارك إلى تكوين: قُم بتدريب وسيكون كل شيء على ما يرام)

(10) معرفة الأفراد بشكل أفضل مما يعرفون هم أنفسَهم

على مدى الخمسينيات [من القرن الماضي]، أقامت التطورات الباهرة التي حصلَت في العلوم هوةً لم تفتأ تتَّسع بين معارف العامة والمعارف التي تمتلكها وتستخدمها النخبُ الحاكمة.

 

 

بفضل البيولوجيا والبيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي، توصَّل "النظامُ" إلى تحقيق معرفة متقدمة عن الإنسان، جسديًا ونفسيًا.

أصبح النظام يعرف الشخص العادي أفضل مما يعرف الشخصُ العادي نفسَه. وهذا يعني أنه في معظم الحالات، يمتلك النظام سيطرة وسلطة أكبر على الأفراد من الأفراد أنفسهم.

(لماذا تعتقد أن كبار السياسيين يلجأون على نطاق واسع إلى معاهد مهمّة في العلوم الإنسانية أو إلى شركات الإعلان الكبرى، وهو مايؤدي نفس الدور؟)

مهما كان لونُهم السياسي، هكذا يتلاعب بنا حكامُنا الأعزاء!

 

(أُخذت هذه الوثيقة عن الموقع الإلكتروني: www.eveiletsante.fr. وتضمنت بعض التعليقات التي أضافها الموقع، ولم نثبتها كلها هنا)