تصور قصة الكاتبة العراقية في جو كابوسي محنة المرأة في مجتمعات الكبت الطهرانية من خلال رسم حدث درامي لفتاة في مقتبل العمر كانت عذراء أخفت حملتها مجسدة لحظات الطلق والولادة وحالة الهلع والرعب حيث يهجم الرجال سادين منافذ البيت للقصاص من الزانية، تصور متقن ومكتوب بإحساس ولغة جميلة متدفقة.

الزانية

فاطـمة جلال

 

امرأة عشرينية تتلوى ألماً على الأرض، ثوبها الأسود يلتصق بجسدها المتعرق فتظهر بطنها المنفوخة، شيلتها تنزاح شيئاً فشيئاً عن شعرها الأسود الفاحم، لا احد يقترب منها النساء والأطفال يأخذون ركنا من ساحة المنزل الداخلية حيث المرأة السمراء تتلوى على الأرض وحيدة بدون أن يقترب منها احد، ارعبني شكلها لوهلة، اقتربت منها اكثر فسمعت صوت احد النساء من الركن تصرخ بي قائلة

" لا تقتربي منها إنها ممسوسة " !!

قلت بصوت منخفض " فلتمسني معها إذن"

كان بطنها منتفخا بشكل غير معقول فاستنتجتُ أنها حامل بشهرها التاسع وهي الآن مقبلة على الولادة، نظرت لي وهي تتألم وتتلوى يمينا ويسارا بدون أن تبعد نظرها عني، بدت وكأنها تجمع طاقتها لتصرخ .. وحقا صرخت بي بصوت مرتفع،بكلمات غير مفهومة، ثم مدت يدها نحوي تترجاني للمساعدة، اقتربت اكثر لأمسك بيدها واجلس بجانب بطنها المنتفخ ، قلت لها بصوت خائف

" سأجلس قرب قدميك، ما عليك سوى ان تدفعي بكل قوتك، ثقي بي "

كنت أقول لها ثقي بي وانا على وشك البكاء، فأمسكت بيدي بقوة وسحبتني نحو وجهها وعيونها مفتوحة بشكل مخيف بقيت هكذا لثواني عدة ثم دفعتني نحو قدميها بقوة،فمدتني بعزمٍ أسقط كل الخوف عني، سمعتها تقول ساعديني لكني لم أرَ شفتيها تتحرك، رفعت ثوبها الأسود وطلبت منها خلع الشيلة من رأسها وصرخت بها

" ادفعي .. ادفعي بكل قوتك .. ادفعي "

واحد اثنان ثلاثة رأيت شيء ما يخرج فصرخت بها كي تدفع أقوى، إلى أن رأيت سائلاً يخرج وخلفه شيء،أستمرت بالدفع والصراخ بصوت جعل كل النساء الحاضرات يصمتن، بعضهن أخذن أطفالهن إلى داخل المنزل تُركنا في الساحة الخارجية راحت المرأة تردد جُمل كأنها آيات قرآنية وتبكي، وأخيرا وضح الشيء .. انه طفلها !. حملته بالشال، مسحت وجهه من السوائل، قلبته على بطنه بحضني ثم ضربته على مؤخرته لكنه لم يبكِ...، صرخت على النساء المتنحات في طرف الساحة

" انه لا يبكي .. ماذا افعل ؟؟"

قالت كبيرتهن "امه ممسوسة ولا نعرف من والد هذا الطفل "

"لم أسألك عن حمضه النووي، اذهبي للجحيم أنتِ وأمثالك"

ضربته بقوة على مؤخرته مرة أخرى،دون جدوى لم يحرك ساكناً شكل هذا الطفل عادي بشرته وأطرافه حتى أن عينيه كعيني والدته، صرخت إحداهن بصوت مرتجف

"احمليه من قدميه واضربيه "

لم أتمكن من ذلك فأمه سحبته من يديّ ومسحت السؤال عن جسده ثم حاولت النهوض وهي تقرأ تعويذات تختلف عن السور القرآنية مجددا، لم تضربه على مؤخرته او تحمله من قدميه بل وضعت يدها على صدره وهمست بأذنه فصرخ مرة واثنين ثم اخذ يبكي بصوت مرتفع، انه ذكر ولكنه بدون حبل سري أو شيء يربطه بأمه، حينها انتبهت إلى نفسي .. أنا اجلس في بيت لا تربطني صله بسكانه، كيف أتيتُ إلى هنا وكيف ساعدت امرأة على الولادة وانا لم أتعلم شيء كهذا في حياتي،من أين أتيت بهذه الجرأة ؟؟!

نهضت وانا امسح عن ملابسي السوداء أيضا بعض السوائل التي علقت بها أتربة وأوساخ من الأرض، تراجعت خطوتين فصرخت احدى النساء قائلة

"اهربن .. سيأتون لأخذكن بالقوة، انهم قريبون .. "

نهضت المرأة السمراء مع طفلها وسحبتني من يدي داخل المنزل إلى الطابق الثاني أشارت لي أن اخذ حقيبة من احد الخزانات في غرفة يبدو أنها لها، وبعض الأغراض من الخزانة الأخرى، هنا وهناك امتلأت الحقيبة، نزلنا من الدرج بسرعة كي نهرب الى مكان ما، فسمعنا صوت احد ما قادم والنساء تتصارخ والأطفال يبكون بعضهم دخل ورآنا، كنا نجلس على الدرج خائفتين فتقدمت فتاة عمرها لا يتجاوز الخمس سنوات وهمست لنا بعينين تفيضان بالدموع

"اذهبن الى الجيران، صاحب المنزل المجاور لطيف وطيب سيساعدكن" .

صعدت الشابة السمراء مع طفلها بسرعة وتركتني، فسحبت الطفلة نحوي اكثر وسألتها " من هم لماذا يلاحقوننا ؟؟.."

شعرت بأحدٍ يسحبني من كتفي فأخذت بعض خصلات شعري تتقطع شدتّني بقوة لأصعد، لم تتفوه بكلمة، صعدنا بسرعة، تحمل طفلها بيد والأخرى بيدي وانا احمل حقيبتها بيدي الأخرى، شعرت أنها تتمسك بي خوفا من شيء،هل كان على نفسها او علي ؟؟.

جعلتني اصعد على حائط قصير وهي تدفع بي، ناولتني طفلها ثم الحقيبة وصعدت، سمعنا احدهم يصرخ بنا كان صوت رجل غاضب

." عذراء .. عذراء، أيتها المجنونة سأقتلك .. سأقتلك لو انتهى عمري في السجن ..عذراء "

ويطيل في الف عذراء، صوته بحَّ من الف عذراء إلا إنه لم يصمت، لحقه آخرون وتناقشوا عن احتمالية هروبها من الحائط القصير

سحبتني الى باب سطح جارهم فطرقته بخفة، انفتح الباب تلقائيا كما لو انه كان مفتوحا وغلقه الهواء، أدخلتني ثم أخذت الحقيبة ورمتها على الدرج فتدحرجت حتى سقطت على الأرض وأصدرت صوتا خفيفا، دفعت بطفلها بين ذراعي وغلقت الباب بهدوء كي لا تصدر صوتها، جلست على الدرجات القريبة لباب السطح وأمسكت بطنها ووضعت رأسها بين قدميها وراحت تردد تعويذات غريبة أيضا، ناديتها بتكرار:" عذراء.. عذراء " ولكنها لم ترد علي، نهضت بوجهها المتعرق والتعب ونظرت لعيني مباشرة

."لا تناديني بهذا الاسم القذر مرة أخرى"

اخذت تدفعني للنزول الى المنزل فتحت عذراء الثلاجة وعبأت حقيبتها بالأطعمة المعلبة وقطع الخبز، تبعتها إلى غرفة أخرى وضعت طفلها على السرير، فتحت الخزانة حاملة بعض الملابس النسائية منها في حقيبة أخرى أيضا أخرجتها من الخزانة، امرتني أن اجلب الأحذية والشيلات من الخزانة قرب الباب، كان الطفل يبكي بصوت منخفض على مقربة من امه لكنها خرجت الى حديقة المنزل لسبب ما، فحملته وتمشيت بالغرفة كي يهدئ لكنه ازداد بكاء، جاءتني امه مسرعة وهي تردد تعويذات بصوت منخفض جاء ورائها رجل أربعيني اسمر بعيون بنية أيضا وهو يخرج نقود بعد أن قلع قطعة من الأرض واخرج صندوقا فيه ذهب ونقود أعطاه لها، لم تشكره السمراء وهذا جعلني افهم ان هنالك أمراً يربطهما حملنا الحقائب ووضعناها في وسط غرفة الضيوف امرتني أن اجلس بجوارها، جلس الرجل الخمسيني معنا لنشكل دائرة مع الحقائب بدأت تقرأ تعويذاتها والرجل يردد معها وانا انظر لهما باستغراب منتظرة أن يقول لي احدهما شيء افعله، بدأ يظهر نور حول طفلها وهي تضعها وسط الدائرة التي شكلناها، فتحت عيونها فجأة لتصرخ بي قائلة

" اغمضي عينيك أن لم تريدي أن تري ما يجعلك لا تنامين مرة أخرى" أغمضت عيني بسرعة ولكن فضولي دفعني لأفتح احد عيني وكانت أول صورة تستقبلها هي سقف غرفتي الحليبي ..

 

كاتبة من العراق