نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية جامعة الحسن الثاني ندوة علمية حول مؤلف "السيميائيات والمنطقيات قوانين الدلائل ومنطق الأشياء" للدكتور الطائع الحداوي وقد شهدت تقديم قراءات نقدية متنوعة وعبرت عن رؤى مختلفة ومتنوعة لباحث اشتغل على بناء شخصيته النقدية على مدار ثلاثة عقود من الزمن، توزعت بين العمل الجامعي والبحث العلمي الجاد والرصين وهو ما جعله نموذجا للمثقف العضوي والباحث الأكاديمي الذي يتكلم بأصوات متعددة.

المشروع النقدي: السيميائيات والمنطقيات قوانين الدلائل ومنطق الأشياء

سارة بنـزعـيمة

 

الدكتور الطائع الحداوي بقراءات متعددة

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية جامعة الحسن الثاني ندوة علمية حول مؤلف "السيميائيات والمنطقيات قوانين الدلائل ومنطق الأشياء" للدكتور الطائع الحداوي وذلك صباح يوم الثلاثاء 30 نونبر 2021 بمدرج الندوات الإمام مالك.

  افتتحت أشغال الندوة العلمية على أيدي رئيس الجلسة العلمية، الدكتور أحمد توبة (جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية وعضو مختبر تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية) حيث رحب بالدكاترة المشاركين في أشغال الندوة العلمية، معربا عن سعادته بهذا الجمع العلمي المبارك، الذي يضم ثلة من كبار أهرامات الإبداع والنقد المغربيين، وذلك كل من  الدكتور عبد الحميد بن الفاروق (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية) الدكتور شعيب حليفي (جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك رئيس مختبر السرديات والخطابات الثقافية) والدكتورة إلهام المجدوبي(جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية أستاذة اللغة الإنجليزية وعضو مختبر تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية)  والدكتور عبد الجبار الحمومي (جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها وعضو مختبر تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية ) والدكتور محمد الهلال (جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية وعضو مختبر تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية)  الذين تفخر بهم الجامعة المغربية وذلك لما يقدمون من خدمة جليلة في صبيب البحث العلمي الأكاديمي الهادف إلى إنتاج معرفة علمية رصينة تدفع بالبحث العلمي نحو التقدم إلى الأمام، وكذا تساهم في تنمية وطننا الحبيب.

  بعد ذلك أعطى الدكتور أحمد توبة رئيس الجلسة العلمية الكلمة للدكتور شعيب حليفي الذي استهل مداخلته بسرد السيرة العلمية للمحتفى به "الدكتور الطائع الحداوي" مبينا أن المحتفى به اشتغل على بناء شخصيته على مدار ثلاثة عقود من الزمن، توزعت بين العمل الجامعي والبحث العلمي الجاد والرصين مؤكدا الدكتور شعيب حليفي أن الدكتور الطائع الحداوي يعد مثقفا عضويا وباحثا أكاديميا يتكلم بأصوات متعددة في مغرب واحد لأكثر من قارئ، وقد نحج إبداعا ونقدا فضلا عن كونه أستاذا باحثا كون أجيالا من الطلبة وذلك في جو ثقافي علمي محض. انتقل بعد ذلك الناقد شعيب حليفي لتقديم قراءة نقدية في المشروع النقدي للدكتور الطائع الحداوي المعنون بـــ: " "السيميائيات والمنطقيات قوانين الدلائل ومنطق الأشياء" والذي قاربه الناقد حليفي من ثلاث زوايا:

الأولى من حيث المحتوى: فالكتاب ينماز بترتيب يمنحه الأصالة حيث جاء عبارة عن أربعة فصول تتراوح بين التعميق على مستوى المفاهيم ثم الاستدلال والتوسيع.

الثانية من حيث التقاطعات: وهنا أكد الناقد شعيب حليفي أن مؤلف "السيميائيات والمنطقيات قوانين الدلائل ومنطق الأشياء" يتواشج مع المؤلفات النقدية الأخرى للدكتور الطائع الحداوي كمؤلف الرحلة السفارية ثم خطاب الحكاية والصورة، سميائيات التأويل، النص والمفهوم، في معنى القراءة قراءات في تلقي النصوص ...إلخ وهي كلها كتب حسب الناقد شعيب حليفي تنطلق من منظور معرفي في كل مرة صاحبها يحاول إبراز قضية والدفاع عنها.

  ثالثا من حيث المرجعيات: بين ناقد شعيب حليفي أن الكتابة والمرجعيات لم تكن خفية وإنما  بارزة إلى جانب التفكير فيها وإنتاج قضايا وتصورات وأسئلة أخرى، وحين العودة إلى المرجعيات ندرك أهمية الكتاب، فقد عاد صاحبه إلى أمهات الكتب، والفلسفة والنقد والعلوم  والسيميائيات والمنطق كأبن باجة وابن منظور والفارابي والرازي والزبيدي  والغزالي، وأبي البركات البغدادي ابن سينا، بيرس، أوغيست كونت، كانط، دومورغن، جورج بول...إلخ، بالإضافة إلى عشرات الكتب والمراجع الأجنبية والتي حسب الناقد شعيب حليفي لم تكن اعتمادا عربيا بل كانت هناك سلاسة في إعادة الحياة لهذه التصورات، ليضيف الناقد أن الدكتور الطائع الحداوي كانت له تقنية علمية في التعامل مع  مدرسة بورس وما بعدها فقد كانت لغته نقدية عالية، وهوامش الكتاب كانت بمثابة سراج منير ينير ويضيء أكثر مما يغني الكتاب.

 ختم الناقد شعيب حليفي مداخلته بوصف الدكتور الطائع الحداوي بالبناء المعماري الذي يعرف كيف ينحت ويرسم خطاه العلمية الرصينة والجادة.

  سلم الدكتور أحمد توبة مسير ورئيس الندوة العلمية لإعطاء الكلمة للدكتورة إلهام المجدوبي التي افتتحت مداخلتها التي ألقتها باللغة الإنجليزية بكلمة شكر في حق الدكتور الطائع الحداوي وكل أعضاء مختبر "تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية" وكلية الآداب والعلوم الإنسانية منوهة بالعمل الجبار الذين يقومون به في صبيب انتاج معرفة علمية في حقل البحث العلمي، التي تهدف إلى تنمية قدرات الطالب المغربي بالدرجة الأولى، ثم اعتبارها مرجعية علمية للطالب والعالم معا بالدرجة الثانية.

انتقلت الدكتورة الهام المجدوبي إلى الحديث عن مضامين كتاب الدكتور الطائع الحداوي الذي وسمته بأنه كتاب جمع بين الفلسفة العربية الأصيلة والمعرفة العلمية المعاصرة، وذلك لأنه كتاب يقوم على مصطلحات وبيانات ورموز ونظريات معرفية قديمة وحديثة، حيث نهجه صاحبه على معيار تصنيف العلوم وبناء نظري محكم في التصنيف العلمي، المبني على تسلسل منطقي رصين، ولعل اشتغال الدكتور الطائع الحداوي ببيرس يعد دليلا قويا ينم على ذلك.

وشرعت الدكتورة الهام المجدوبي في عرض العديد من العلماء الذين اشتغل عليهم الدكتور الطائع الحداوي داخل مؤلفه، ومن بينهم: تشارلز ساندرس بيرس الفيلسوف وعالم المنطق والرياضيات الذي بنى نظرية المفاهيم الجديدة القائمة على عدة مفاهيم، كوحدة الانطباع، والملاحظة، وإوالية التجريد، والاحساسات، والعادات، والمعتقدات، والحدس، والاستبطان، والوضوح، والمتصل، والذريعانية، والأباغوجي، ومن رحم هذه النظرية المفاهيمية الجديدة انبثق كتاب الدكتور الطائع الحداوي الذي يجمع بين آليات التفكير ومنطق الأشياء.

  أنهت الدكتورة الهام المجدوبي مداخلتها النقدية بتبيان أن مؤلف الطائع الحداوي عبارة عن دراسة في أنظمة التفكير مبني على أفكار عقلانية تؤسس للمنطق الحديث، وذلك راجع إلى طريقة صاحبه في استنباط القوانين والرموز المنطقية مشتغلا في ذلك بالمنهج الاستدلال الاستقرائي.  

أما المداخلة الثالثة فقد جاءت بلسان الدكتور عبد الجبار الحمومي الذي قدم كلمة ترحيبة في حق المحتفى به، معتبرا إياه ركيزة من ركائز البحث العلمي في الجامعة المغربية، ثم رحب بالسادة الدكاترة المشاركين في الندوة، ثم قرأ رسالة عميد الكلية عبد الحميد بن الفاروق الذي تعذر عليه الحضور، وذلك راجع لأسباب إدارية اضطرارية. جاءت مضامين الرسالة عبارة عن كلمة شكر في حق الدكتور الطائع الحداوي، الذي قدم خدمة جليلة للجامعة المغربية وذلك من خلال الزخم المعرفي العلمي الذي تحتوي عليها مصنفاته العلمية والنقدية وكتاباته الإبداعية، ناهيك عن محاضراته العلمية القيمة التي يلقيها في الفصول العلمية على طلبته، وكذا تأطيره للعديد من البحوث الجامعية التي تراوحت بين سلك الاجازة والماستر وسلك الدكتوراه، وفي ختام الرسالة جدد السيد العميد شكره لأطر "مختبر تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية" التي تبذل مجهودات قيمة في سبيل خدمة البحث العلمي متمنيا لهم التوفيق ودوام التألق.

أما المداخلة الأخيرة وهي للدكتور محمد الهلال الذي أنطلق في بداية مداخلته بتشبيه الدكتور الطائع الحداوي بالمفكر طه عبد الرحمن وذلك لما يبدو للناقد محمد الهلال من تقاطعات على مستوى مناهج وأليات التفكير وكيفية تحليل القضايا.

انتقل بعد ذلك الدكتور محمد الهلال في سرد النقط الكبرى التي تخللت مضامين الكتاب حيث أقر بأن الكتاب يتحدث عن متغيرين: المتغير المستقل والمتغير التابع، فأما الأول فهو السيميائيات والمنطقيات، والثاني قوانين الدلائل ومنطق الأشياء، وهذه قراءة سيكولوجية للعناوين في العلوم الإنسانية وهذا المؤلف يدخل في الظواهر المعقدة للعلوم الإنسانية، وضرب مثلا لفيروس كورونا الذي أصبح يشكل فوبيا بالنسبة للجميع وأصبح اليوم محط تحليل العديد من المعاهد سواء تعلق بالعلوم الحقة أو بمعاهد العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وأضاف الناقد الهلال أن الدكتور الطائع الحداوي من خلال مؤلفه أعادة قراءة التراث الكوني البشري من خلال مجموعة الفلاسفة والمفكرين والعلماء وذلك من خلال إعادة قراءة التفكير العقلي من خلال الانطباعات والانفعالات، فجمع بين الذكاء العقلاني والعاطفي فكان يفكر بلغة العالم والحالم والعارف.

إن الدكتور الطائع الحداوي حسب الناقد محمد الهلال جمع بين مصنفه بين العلم والمعرفة وقراءة عقلانية للذكاء العاطفي والتنوع الثقافي والاجتماعي والنفسي والفلسفي عبر التاريخ البشري، مستفيدا من علماء عرب وغير عرب من أرسطو وصولا إلى بيرس.

فالدكتور الطائع الحداوي السيميائي أورد اصطلاح المنطقيات حيث جمع بين القانون والمنطق، فالقانون الذي يتناول السميائي الحداوي هو علاقة تنتج عنها الظواهر أما المنطق هو تلك الدراسة المعرفية والمنطقية للشكل الاستدلالي للحقائق، وأضاف الناقد الهلال أن السيميائي الطائع الحداوي يبحث في الكوني لدى كل هؤلاء العلماء الذيم اشتغل عليهم، فيبحث في نقط الاختلاف والالتقاء ليضعنا في خط واحد هو التفكير العاطفي أو التفكير الفلسفي.

انتقل الناقد محمد الهلال إلى التحدث على التصنيف الذي أورده الدكتور الطائع الحداوي ضمن مؤلفه والذي تحدد في: التعريف، تحديد المجالات، الموضوعات، العلاقة الرابطة بين العلوم، المستويات المنظمة لتلك العلائق، ونظم كل ذلك بتمثل نسق داخلي لهذه العلوم.

إن الدكتور الحداوي حسب الناقد الهلال يميل إلى الأصول وعملية التفكير، فالأصول هي إحدى السمات الرئيسة في الحداثة السلوكية، أما التفكير يتجلى من خلال المصطلحات الفلسفية التي تناولها، حيث قام بتفكيك مجموعة من المصطلحات المنتمية للحقل الفلسفي.

ويضيف الهلال أن الدكتور الطائع ينتصر للتجريب الاستدلالي الذي يعد استراتيجية للترسيخ، التي يتم من خلالها ترك التفاصيل الغامضة، وبالتالي فالدكتور الحداوي يحاول من خلال مؤلفه البحث عن المشترك الكوني بين العلوم، ثم أضاف الناقد الهلال أن الدكتور الطائع يجمع بين الرقمنة والمعرفية، وذلك من خلال العرفان والعاطفة.

 ختم الناقد الهلال ورقته بأن الكتاب يستحق إعادة القراءة للتمكن من التعرف على هندسة التفكير العلمي الكوني البشري في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وذلك لبناء آليات إدراك الإدراك البشري أو إدراك التمثلات الذهنية الموجبة لإعادة فهم مختلف التأويل المؤثثة للخطابات البشرية من أرسطو إلى بورس وأومبيرتو إيكو وأنطولوجيات العلوم واللغات والمعتقدات، وذلك عبر شبكة الممارسات الثقافية الكونية والنوعية للكائنات البشرية، ليخلص الناقد محمد الهلال أن الدكتور الحداوي عالم وحالم وعارف.

اختتمت أشغال الندوة العلمية بكلمة المحتفى به الدكتور الطائع الحداوي الذي شكر كل الدكاترة الأفاضل على قراءاتهم النقدية والمتنوعة  حيث أعرب عن سعادته بها كثيرا وذلك لما تحمل من رؤيات مختلفة ومتنوعة تساهم في إغناء مؤلفه، كما تقدم بالشكر لكل أطر كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية وعلى رأسهم السيد العميد عبد الحميد بن الفاروق وكل أعضاء مختبر ( تكامل العلوم المعرفية والاجتماعية) وكل الحضور من دكاترة والأساتذة الباحثين والطلبة، وأنهى حديثه بتسليط الضوء على بعض النقط من الكتاب دون أن يفصح عن مضامينه تاركا للقارئ فرصة القراءة والتأويل.