يتناول الباحث المغربي هنا كتاب المفكر المصري بالعرض والتحليل، كاشفا عن أن أهم إضافات الكتاب بلوته لطبيعة التخلف الذي تعاني منه بلداننا العربية، بإدخال البعد النفسي والتعرف بشكل منهجي وتفصيلي على ما يقوم به في عرقلة بلورة الفكر الجدلي النقدي القادر على تحرير الإنسان المقهور من ربقة التخلف والهوان.

مدخل اٍلى سيكولوجية الإنسان المقهور

قراءة في كتاب «التخلف الاٍجتماعي» لمصطفى حجازي

محمد أيت بود

 

تقديم:
قام الباحث في البداية بتعريف مصطلح التخلف وتحديد مفهومه، باعتبار المؤشرات الاٍقتصادية والاٍجتماعية التي تم وضعها من طرف؛ سواء المفكرين الاقتصاديين أو من قبل المنظمات الدولية، غير أن ما هو جدير بالاٍهتمام في هذا الكتاب أو الإضافة التي يرى صاحبه أنه قدمها للقراء والباحثين هو هذا الجانب السيكولوجي الذي يغفل عنه الكثيرون في تحليل ظاهرة التخلف في المجتمعات النامية، والذي يعتبره الباحث حجر الأساس في بحث الظاهرة والوقوف عند أسبابها النفسية والاٍجتماعية والثقافية؛ هو ما أسماه " اٍضطراب الديمومة" والذي يقصد به أن الزمان في الحالة العادية جدلي، وليس تسلسليا يذهب من الماضي إلى المستقبل مرورا بالحاضر باتجاه واحد جامد. أي أن الماضي والحاضر والمستقبل تشكل الأبعاد الثلاثة للديمومة، ليبرهن عن عجز الإنسان المتخلف عن التحكم بمصيره الذي هو غير مطمئن على المستقبل، حزين على الماضي، لا ينظر اٍلى الحاضر بعين التفاؤل، بحيث أن طول معاناة الإنسان المقهور، ومدى القهر والتسلط الذي فرض عليه ينعكس على تربيته الوجودية للديمومة، على شكل تضخيم آلام الحاضر وتأزم معاناتها وانسداد آفاق المستقبل والعجز أمام المتسلط، العجز أمام قوى الطبيعة، عدم الإحساس بالسيطرة على مصيره وغده، وعدم الاٍطمئنان على رزقه وصحته واٍنعدام الضمانات التي تشعره بالأمان والثقة والاٍطمئنان.

لذلك فالإنسان المقهور يعاني من درجة التوتر والاٍنفعال عالية بشكل غير طبيعي، مما يجر ردود أفعال متطرفة وذات طابع اٍنفعالي خال من العقلانية والتقدير الموضوعي للواقع، ومع التوتر تزداد العدوانية المتراكمة المقموعة وتصل درجة الاٍنفجار، وأمام هذه الأزمة الوجودية لا يملك الإنسان المقهور سوى الهروب إلى الماضي الخرافي الذي قد تحمل أمجاده بعض العزاء له، أو الإغراق في الممارسات التي تنسيه واقعه المؤلم، أو الإغراق في العبادة أو المخدرات أو المزارات أوالشعوذة والخرافات. وفي خضم هذا الواقع الموبوء يتمسك الإنسان المقهور بأوهام الخلاص السحري؛ الخلاص على يد زعيم منقد (الدكتاتور)، أو تدخل الحظ أو العناية الإلهية. وتطغى حالة الحزن على الحالة المزاجية، يتم من خلال عقدة النقص واضطراب الديمومة، ويصير إلى فقدان العزم والقدرة على الفعل والتأثير، والمبادرة والمجابهة والشعور بالتخاذل والجمود والاٍنطواء على الذات. ويفسر ذلك حالات الاٍكتئاب المسجلة في الدول النامية، ولأن وسائل الهرب والاٍجترار فوقية ولا تحل المشكلة بشكل جذري، والاٍحتفاظ بالتوازن النفسي للإنسان المقهور، فلابد للتوتر والعدوانية أن تتراكم عاجلا أم آجلا، ويدخل الشعور بالاٍضطهاد، وفقدان الأمل والإغراق في التشاؤم في نفسيته، قبل الوصول إلى مرحلة التمرد والاٍنفجار (حالات الإرهاب البشع الذي تمارسه الجماعات الإرهابية).

1. سمات الإنسان المقهور:
1.1 - الوجود معاش وجدانيا وليس مصاغ ومنظم عقليا:

يختصر الإنسان المقهور العالم بواسطة الاٍنفعال، ملونا إياه بصبغة ذاتية واضحة، يؤدي إلى فقدان السيطرة على الواقع، والاٍرتماء في أحضان التفكير الخرافي والسحري والغيبي، كوسيلة للخلاص من المأزق. ويسود الأسلوب الهجاسي ويؤدي إلى عقلانية مفرطة ومتزمتة، ويتم التعبير عنها سلوكيا من خلال الوقوع في براثن حال من هوس التحليل والدقة والتركيز على التفاصيل، التي ترهق المرء وتعقد حياته، وتفقدها حرارتها. ويقوم بالإسقاط الذي يسمح له بتصريف الاٍنفعالات من خلال صبها على الخارج، أي على العالم وظواهره، وعلى الأشخاص والعلاقات معهم سواء بسواء. ويرى الإنسان المقهور أعداء حوله في ظواهر الطبيعة وعقباتها وفي مواقف الآخر منه. ويتلون العالم أمامه بصبغة اٍنفعالية لتصريف التوتر الداخلي الذي يعاني منه. مما يصعد حدة الاٍنفعالية من خلال إرجاع الأثر كوسيلة لمجابهة العداء الخارجي. وينجرف في دوامة الاٍنفعال النشط الذي يؤدي إلى العدوان أو الركون إلى المعاناة واجترار الآلام الوجودية. وتنتج عن هذه الحالة ظواهر كثيرة الشيوع في العالم المتخلف، أبرزها سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي، والتعصب والعجرفة وإطلاق الإحكام القطعية، والأحكام المسبقة، وسيطرة التفكير الخرافي والسحري، وتدهور الأداء العقلي والحوار المنطقي، وسيطرة الاٍنفعالات.

ويغيب الحوار الهادئ والرزين ومقارعة الحجة بالحجة. ويهيمن حوار الطرشان والاٍضطرابات وانهيار علاقة التفاعل وانكفاء الذاتية ذات الاٍنفعالات المفرطة. ويتحول النقاش إلى صراخ وخصام وعراك وعنف لفظي، بسبب اٍنهيار المنطق وسيادة الشتائم والصراخ واللغة الحركية أي لغة القوة، والإخضاع بعد الفشل في الإقناع. وينحرف الإنسان المتخلف في التفكير الخرافي والغيبي كوسيلة سحرية للخلاص. وتنتشر الخرافة في أوساط الجماهير المقهورة إزاء مأزق العقلانية وتعطل المنطق والتوتر الداخلي. وتصبح الخرافة المغطاة بقشور التعليم، أو قشور التقدم والحداثة السطحية، سمة من سمات الهروب من الواقع. ويسود خطر الاٍنجراف في عملية نكوصية عند المتعلمين الذين ينحدرون إلى ممارسات خرافية بتأثير الضغوط الحياتية والاٍجتماعية والقمع السياسي.

1.2 - التوتر والاٍنفعال الوجودي:
أ. مرحلةالاٍضطهاد:

في المرحلة الاٍضطهادية تسقط مشاعر الذنب والتبخيس الذاتي على الآخر، ليس المتسلط بل الأخر المقهور، أو الأكثر قهرا؛ وتوجيه العدوانية المتراكمة إليه، متخذة طابع الحقد المتشفي، وما هي إلا صورة وهمية عن التخلص من ذلة القهر. أما تجاه المتسلط فتبدأ العدوانية بالظهور نحوه من خلال التعبير اللفظي والرمزي، ولا يتضمن مجابهة صريحة. وهكذا يخلق مناخ عام من العنف، يسيج العلاقات الاٍجتماعية بمجملها. فينتج عن ذلك أسلوب متوتر في التفاعل. حيث يؤدي اٍضطراب الديمومة إلى اٍوالية التبخيس الذاتي، وينتج عنه التوتر الاٍنفعالي والوجودي والغليان الداخلي للعدوانية. فيلجأ الإنسان المقهور إلى التفتيش عن مخطئ يتحمل وزر العدوانية المتراكمة، والحاجة إلى إدانة الآخرين، ووضع الجرم عليهم، وصب العدوانية عليهم وتحويل الآخر إلى مصدر للعدوانية. مما يفسح المجال لإمكان تبرير الاٍعتداء عليه حيث يصبح الاٍعتداء مشروعا لأنه يتخذ طابع الدفاع عن النفس، ويعمل على التخلص من الذنب والعار الذاتي وإلصاقه بالآخرين، لأن الآخر يتحول إلى عقبة تحول دون الوصول إلى تحقيق الذات. ويفسر المتسلط الأجنبي سلوك الشعوب المقهورة بأسباب عرقية، أو ماشابه ذلك من التفسيرات المجحفة (عرق معين عنيد ويركب رأسه) من أجل تبرير البطش. وكمثال على بعض التعبيرات السائدة بهذا الخصوص: «اٍنهم لايفهمون سوى لغة القوة – اللطف لايجدي معهم – لايجوز التساهل معهم لأنهم سيقابلون ذلك بالعنف والتخريب»، ويصبح الإنسان المقهور ضحية عنف مزمن ومنظم ومركب، ويلام على خشونته، ويطلب منه اللطف أي الرضوخ .

ب – مرحلة الاٍنتقال إلى العنف:
تؤدي الحالة النفسية في مناخ العنف إلى شيوع مظاهر الاٍضطهاد والعدوان والحركية الموجهة إلى الأقران، ويعزز ذلك الشعور بالغبن مع الاٍستجابة المفرطة لما لايتناسب مع أسبابها المادية، ومن مظاهر الاٍنتقال إلى مرحلة العنف بالنسبة للنفسية المضطهدة؛ أن أقل نزاع قد يأخذ أبعادا مضخمة قد تنتهي بمأساة، كالاٍقتتال على رأس ماشية، أو على سُقية ماء، أو إتلاف متاع الآخر. القتل على أفضلية المرور، الشك والحذر من الآخرين، كل الآخرين؛ الجيران، الأقارب، الأصدقاء ...الخ. وهكذا يتحول العالم إلى غابة ذئاب لايمكن فيها الاٍطمئنان حتى إلى أكثر الناس قربا، ولا يمكن الثقة حتى بأكثر الناس صدقا، ويسود التشكيك في النوايا، وتعميم مشاعر الاضطهاد، ومن علامات الاٍضطهاد:  تعبئة نفسية مأزومة ومستعدة دائما للهجوم، أو الرد العنيف في أي لحظة والغضب والعنف حاضران دائما للاٍنفجار، والآلية التي تستعمل لتصريف العدوانية والتي تتحول إلى القهر هي الحسد والغيرة والغبن وما تقوم به من كتابة وأحجية وتعاويذ. ما يحول الخوف من الآخر في حالة الحصول على نعمة أو مرتبة اٍجتماعية، إلى أزمة نفسية، وخوف مرضي من الآخر الحاسد، لأن المقهور يعتقد أن الطاقة السلبية الكامنة في نفسية الحاسد، تملك قوة للتدمير هائلة، مادام الحسد هو الرغبة في الحلول محل صاحب الحظ أو الرغبة في الحيلولة دون وصول الحظ إليه.

ويسقط المقهور الحسد المزمن على نفسه ويتمنى أن يكون محظوظا ومحسودا من خلال إسقاط مسؤولية التقصير الذاتي على الآخرين، وتفسير ذلك مؤداه: "إذا أصابني سوء أو مكروه أو فشل أو تعثر فليس بسبب قلة حيلة، أو سوء تدبير، أو عدم بذل جهد، بل نتيجة حسد الآخرين الذين ينبهرون بي، ويريدون تحطيمي أو بقائي موضع الفشل والمعاناة". ويؤدي شيوع المناخ الاٍضطهادي ومدى الإحساس بالعدوانية لدى الإنسان المقهور بعد فترة من الاختمار والإعداد إلى أن تنضج العدوانية ،وتتوجه نحو إلغاء المصدر الحقيقي للمأساة والذي هو المتسلط الداخلي وحليفه الخارجي.

2.2. مظاهر تخلف العقلية المقهورة:
من مظاهر تخلف العقلية المقهورة: اٍضطراب منهجية الذهن، وقصور التفكير الجدلي، وطغيان الذاتية والاٍنفعال والخرافة، والاٍفتقار إلى التجرد والمنطق والتفكير النقدي، وتفشي الأمية والخرافة والتقليد، بحيث يعششان في نفسية الإنسان الحائز على درجات جامعية، ويصير العلم مجرد قشرة خارجية سطحية رقيقة، يمكن أن تسقط إذا تعرض هذا العقل للاهتزاز، كون العلم في نظر الكثيرين مجرد معطف يلبسه حين يقوم بوظيفة، أو يدخل المختبر، أو يلقي محاضرة، ثم يخلعه في سائر الأوقات. وهذا ما يفسر جنوح بعض التيارات السياسية والدينية إلى اعتبار الحداثة  مجرد اٍستنساخ الجانب التقني، دون الغوص في الأعماق الفكرية والفلسفية لها. وعدم الرغبة في التحليل وإعمال العقل والتفكير النقدي، والابتعاد عن العلوم الاٍجتماعية التي تستلزم جانبا من التحليل المعمق والتفكير النقدي، والإقبال على العلوم التقنية واعتبارها كافية لإحداث التغيير المنشود، وتحقيق التنمية، والإقلاع الاٍقتصادي، والاٍنخراط في الحداثة. وهذا ما يفسر اٍزدواجية الشخصية أو الاٍنفصام أو الاٍنشطار. واستمرار علاقة القهر والتراتبية في العلاقة بين الأستاذ والطالب في المدرسة والجامعة، بسبب غرس قيم الطبقة المسيطرة في المجتمع، والاٍغتراب عن القضايا المعاشية، والاٍنفصام بين لغة العلم ولغة الحياة اليومية، ودراسة العلوم الحقة بلغات أجنبية. لأن اللغة الأم مشحونة بالانفعالات والغيبيات والخرافة البعيدة كل البعد عن العلمية.

وتمارس الفئة المسيطرة الضغط والإرهاب المعيشي على المتعلمين الذين يحلمون بالتغيير، وتشجع على انتشار الخرافات واستمرار النظرة التقليدية للوجود التي تستخدم في تكوين رأي عام مستعد لمقاومة دعاة التطور. ويعاني المتعلم في هذا الواقع المر في العالم المتخلف من استمرار الذهنية اللاعلمية، مايؤدي إلى شده بقوة إلى التفكير الخرافي، في ذهنية الطفل. ويصبح التعليم سطحيا وبعيدا عن الواقع الاجتماعي للمتعلم. ويسود الخوف من التصدي للتيارات السائدة (الخوف من الاتهام بالإلحاد) والنتيجة هي هيمنة عقلية مجتمع قامع لايضمن حرية الفكر .

3.2- تغرق الذهنية المتخلفة في التخبط:
وهدر الوقت والجهد، والتذبذب، وانعدام اليقين، وافتقار الحلول للمتانة أو المنطقية، ولايتوقف التخبط على بحث الأمور النظرية؛ بل هو النمط السائد في التصدي للحياة بقضاياها اليومية (منهج المحاولة والخطأ)، بل يصبح الجهل والإقدام على ممارسات يفتقر فيها العامل إلى التخصص الكافي منهج حياة. ويؤدي منهج المحاولة والخطأ بالنسبة للذهنية المتخلفة إلى مايلي: "إذا نجح العامل كان ذلك حظا وتوفيقا، وإذا فشل فانه يغطي فشله باختلاق أعذار وتفسيرات واهية، تبدد جهد ومال من استعان بخدماته"، حيث التخبط والاٍعتباطية ليسا مقصوران على الفئات غير المتعلمة، بل إنهما على درجة كبيرة من الاٍنتشار بين أغلب فئات المتعلمين، من أولئك الحاصلين على الدرجات الجامعية. وهذا ما يفسر الصعوبات التي تعترض الطلاب من الناحية المنهجية. ولا يقتصر الأمر على الطلاب، بل نجد الكثير من الباحثين الأكاديميين يفتقرون إلى الدقة والتنظيم المنهجي في كتاباتهم. ويذهبون في كل اتجاه ويتحدثون عما يلائم وما لا يلائم وما لا يتلاءم مع الموضوع. ويقعون في التكرار، مما يجعل كتاباتهم أقرب إلى تداعي الأفكار، وتكديس المعلومات منه إلى بحث منظم ومنسق، لأن صاحب الذهنية المتخلفة مازال عاجزا عن إدخال التنظيم إلى الواقع، بسبب اٍفتقاره هو ذاته إلى التنظيم والمنهجية، والاِكتفاء بالمعرفة الحسية التي لاتذهب بعيدا في البحث العلمي، ما ينتج عنه عدم القدرة على الغوص في الأعماق والبقاء في السطح وعدم الإمساك بالظواهر إلا في جوانبها الخارجية.

وما دام هناك عجز عن الغوص في تحليل التفاصيل والمقارنة بينها وعجز في استعراض مختلف جوانب المسألة، يظل التفكير انطباعا قاصرا عن الالتماس النقدي، وبمقدار عمق التحليل، ترتقي الاٍستنتاجات. ويعجز الذهن المتخلف عن الذهاب بعيدا في تحليله للأمور، فيقوم بإطلاق الأحكام القطعية والنهائية بشكل مضلل. ولأن الحقيقة نسبية دائما، وفهمها رهن بالمستوى التحليلي الذي بنيت على أساسه، فاٍن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي، ويتحيز بشكل تلقائي نظرا لتدخل العوامل الاٍنفعالية والعاطفة في اٍوالية التفكير، ويصبح قطعيا في تحيزه، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما.

3. خصائص تخلف العقلية المقهورة:
3-1. قصور التفكير الجدلي والنقدي والمنهجي:

قصور التفكير الجدلي هو لب الذهنية المتخلفة، وهي ذهنية جامدة وقطعية وحيدة الجانب؛ تتبع مبدأ السببية الميكانيكية، عاجزة عن العمل بمبدأ التناقض، وتنطلق الذهنية المتخلفة انطلاقا من مبدأ العزل والفصل. الشئ قائم بذاته منفصل عن بقية الأشياء والظواهر، وتطلق حكما تقويميا عليه من خلال إطلاق صفة الثبات عليه، والأشياء هي ماهي عليه، وليست مركبة وتفاعلية وخاضعة للديناميات. ولأن المنهج الجدلي يقوم على الدينامية والصيرورة وبالتحديد العلائقي من ناحية أخرى؛ فاٍن النظرة المتخلفة للواقع نظرة تفتيتية وتكديسية، تعزل الظواهر بعضها عن بعض. حيث تتحكم نظرية الجوهر الثابت بالنظرة المتخلفة إلى العالم، ما يؤدي إلى عجز واضح عن رؤية التحولات الحتمية في هذه الأشياء، ولآن الديالكتيك هو حركة حلزونية متناقضة ومترابطة، كما قال جورج بولتزر، فاٍن الذهن المتخلف ينطلق في تحليله للظواهر من السببية الميكانيكية، أي أن نفس السبب يؤدي إلى نفس النتيجة، ونفس النتيجة تؤدي إلى نفس السبب أو تؤثر فيه.

أو اعتماد سبب واحد يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهذا ما يزكي العجز عن رؤية قانون التناقض أو تكامل الأضداد، مادام أن العلاقة بين الأشياء والأشخاص تقوم على دينامية التناقض. ويؤدي قصور التفكير الجدلي والنقدي والمنهجي كذلك إلى أن الحاقد وموضوع الحقد يجمعهما وحدة العلاقة رغم تعارضهما؛ شحنة الحقد تنطلق من الطرف الأول، لتصل إلى الطرف الثاني، فيستجيب لها بشكل معين يعدل من قوة الشحنة الاٍنفعالية التي تنعكس على الطرف الأول. هناك حركة تاريخية دائمة، والأصل أن العلاقة السببية ليست طويلة، بل تفاعلية تصاعدية يؤدي فيها التناقض الداخلي إلى التناقض الخارجي؛ مما يتولد عنه الديالكتيك. لكن التصلب الذهني يؤدي إلى الاٍفتقار للمرونة ويحجب رؤية السببية في الأشياء والظواهر، ويميل إلى المواقف القطعية إما أو.

2.3 - الرضوخ الى الفئة المسيطرة وقى الطبيعة:
ويؤدي الرضوخ إلى الفئة المسيطرة وقوى الطبيعة على المستوى الاٍجتماعي بالإنسان المقهور إلى ألا يقبل على العالم بخطى ثابتة؛ بل يبدي تردده ويتجنب وضع إمكاناته موضع الاٍختبار خوف الفشل. ويبدو هذا واضحا إزاء كل مستجد أو غريب. وهو يميل إلى التعسف هربا من عجزه، فيطلق العنان للأفكار المسبقة، والآراء المتسرعة مدعيا القدرة على سرعة الفهم، وفجائيته دون إن يجشم نفسه عناء الجهد الفكري الضروري لتحليل الواقع، والوصول إلى استنتاجات بشأنه. ويتذبذب بين الشعور بالعجز عن استيعاب العالم، وبين طغيان مشاعر السيطرة على الواقع من خلال الحذق (الفهامة) التي تعتبر من أفضل الوسائل التي تستعمل من طرف الجمهور المقهور والمتخلف.

ويؤدي اضطراب منهجية التفكير إلى سوء التنظيم الذهني في التصدي للواقع. ويسود الغموض والعشوائية والتخبط والمحاولة العمياء المفتقدة لليقين؛ التي هي ميزة فقدان منهجية التفكير العقلاني. كما يسود الغموض والحيرة واللجوء إلى التمنيات، بخروج سحري من المأزق، وكنتيجة لذلك يعتبر قصور عمليات التحليل والتوليف وقصور التفكير النقدي، لانعدام المثابرة على التفكير في أمر محدود ظرفيا، من خصائص العقلية المتخلفة والمقهورة. بحيث سرعان ما يداخله التعب والتيه. ويصبح هذا الأمر الطابع السائد في المجتمع المتخلف لمواجهة الأمور. وهو طابع تدبير الحال، وطابع البحث عن المناسبات التي تحمل إمكانات النجاح السريع. ويبحث الذهن المتخلف دائما عن النجاح السريع غير المكلف. لأنه ليس مستعدا لبذل أي جهد. ويتعزز ذلك بشيوع ممارسات الغش في الاٍختبارات المدرسية وفي الاٍمتحانات الثانوية والجامعية، وولوج الوظائف، وممارسة الغش في الصنائع والحرف والتجارة وكل مناحي الحياة الاٍجتماعية. ويطرح ذلك إشكال الاٍلتزام ويصبح الواقع المعيش عرضة للتهاون والتراخي حد الاٍستهتار ويصير الالتزام بالمسؤوليات وبالتعهدات وبدقة المواعيد وكل شئ يعمل كيفما اتفق، من تصليح الآلة إلى تنفيذ المهمات، إلى مسائل الإنتاج، ووضع خطط مختلف المشاريع. ويؤدي ذلك إلى فقدان الضبط والدقة .

4. مرحلة التمرد والمجابهة:
مرحلة التمرد والمجابهة هي المرحلة النهائية في تطور هذا المسار السيكولوجي للعقلية المتخلفة والمقهورة: حيث يتم اللجوء إلى العنف المسلح، من أجل الخلاص من القهر. حيث ينتفض الشعب المقهور على الغبن والنقص والخوف، باللجوء إلى العنف الثوري من أجل تحقيق الذات، ونفي الكسل والاٍتكالية، وتطهير النفس من العنف والسموم، ويصل المجتمع المتخلف والمقهور إلى مرحلة من مراحل تطوره إلى العنف بعد شيوع العلاقات الاٍضطهادية. وهنا يقوم العنف ضد القوى المسؤولة عن القهر (المتسلط الداخلي وحليفه الخارجي)، عندما يصل إلى مرحلة يسميها علماء الأحياء (رد الفعل الحرج) أي الخيار بين الحياة والموت، أو الفناء والمجابهة، ويتحول الموت المعنوي، أي القهر والرضوخ والاٍنتظار، إلى رغبة في الخلاص من خلال الإقبال على الموت الحقيقي بدون خوف. فيتحول الموت إلى حياة، وهنا تبدو أهمية الشعارات التي تطرح في بداية مرحلة التحدي والاٍنتفاض، من قبيل استعذاب الموت والشهادة: "الموت ولا المذلة"... الخ، وتصبح الحاجة إلى قهر الموت هي المدخل إلى التحرير، وهي كذلك انتصار على كل العقد الذاتية؛ وانتصار على الخوف والاٍستكانة مع اليأس والقلق.

وتنشأ لحمة قوية بين أفراد الشعب المقهور من خلال تمرير مشاعر الاعتزاز بالاٍنتماء إليه. وتتم مصالحة الذات مع الجماعة ويتحول الفرد المقهور من أقصى درجات التبخيس إلى أقصى درجات التقدير. ومن الأخطاء التي تنتشر في هذه المرحلة نظرا لغياب الأطر المرجعية الجديدة (التغييرية) وعدم حلولها محل الأطر المرجعية السابقة؛ استمرار هذه الأطر وممارسة العمل المسلح من خلال مرثية التسلط والرضوخ، وتماهي مع المتسلط في استعمال العنف والسلاح، لأن الإنسان المقهور الذي يحمل السلاح دون ثقافة سياسية كافية توجه وضعه الجديد، قد تقلب الأدوار في تعامله مع الجمهور، أو مع من هم تحت إمرته. فيتصرف بذهنية المتسلط القديم، ويبطش ويتعالى ويتعسف، ويزدري ويستعمل قوته الجديدة، فيلجأ إلى التسلط والاٍستغلال المادي والتحكم بالآخرين. أو يمارس العمل المسلح بذهنية عشائرية، ويتمسك بالانتقاء العشائري والإقليمي أو الجهوي في تعامله مع الآخرين. ما يشكل المتجزئات التي تشكل عقبة في طريق التحرر الحقيقي، وهذا هو ما يفسر الاٍنشطار الذي يحدث بين مختلف قطاعات الحياة الشخصية، بين الثقافة الثورية، والممارسة المسلحة، والحياة اليومية.

خاتمة
من خصائص العقلية أو الذهنية المتخلفة؛ التحفظ الذهني والفوضى والعشوائية والاٍرتجال وملامح التخلف، بسبب غياب دور الفكر في تقدير الواقع وتكوين الاحكام الموجهة للسلوك، والتمثلات والأفكار المكتسبة في المجتمع والثقافة. وتنتشر تصورات تعمل على ملامسة الواقع بسطحية عاجزة عن الغوص فيه، والسيطرة عليه. أو التميز بالجمود والقطيعة، مايؤدي إلى خلق عقبات معرفية جديدة تعرقل خطط التنمية، التي لابد أن تنطلق من التقدير الدينامي الشمولي للواقع. ونظرا لارتباط خصائص الذهنية المتخلفة باضطراب منهجية التفكير وقصور التفكير الجدلي، في حين تتميز الذهنية المتقدمة بانسجام تدخل العوامل الذاتية والعقلانية في النظرة إلى الوجود، والسير نحو المزيد من التجريد في الاٍنفعال، وتنحو نحو الموضوعية، بينما لاتزال الذهنية المتخلفة أسيرة الاٍنفعال والذاتية والغيبية، وخصوصا أسيرة نظام القهر (التسلط والرضوخ) الذي يحكم الوجود المتخلف، ويعجز الإنسان المتخلف المقهور إزاء الظواهر الطبيعية والواقع والعلاقات، ما يجعله راضخا ومستسلما تجاه ما تبدو عليها من تداخل وغموض، وتبدو له ظواهر الحياة والمجتمع أقوي من طاقته على الاٍستيعاب، وذلك ناتج عن عقدة النقص، ويتوسل بوسائل سحرية أو خرافية لسد هذا النقص وصد القدرة على الفهم بنوع من العجز عن تأكيد الذات في مواجهة العالم.

 

باحث في العلوم السياسية - المغرب

 

المصدر: مصطفى حجازي – التخلف الاٍجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور – الطبعة التاسعة 2005 – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب .

 

تقديم:
قام الباحث في البداية بتعريف مصطلح التخلف وتحديد مفهومه، باعتبار المؤشرات الاٍقتصادية والاٍجتماعية التي تم وضعها من طرف؛ سواء المفكرين الاقتصاديين أو من قبل المنظمات الدولية، غير أن ما هو جدير بالاٍهتمام في هذا الكتاب أو الإضافة التي يرى صاحبه أنه قدمها للقراء والباحثين هو هذا الجانب السيكولوجي الذي يغفل عنه الكثيرون في تحليل ظاهرة التخلف في المجتمعات النامية، والذي يعتبره الباحث حجر الأساس في بحث الظاهرة والوقوف عند أسبابها النفسية والاٍجتماعية والثقافية؛ هو ما أسماه " اٍضطراب الديمومة" والذي يقصد به أن الزمان في الحالة العادية جدلي، وليس تسلسليا يذهب من الماضي إلى المستقبل مرورا بالحاضر باتجاه واحد جامد. أي أن الماضي والحاضر والمستقبل تشكل الأبعاد الثلاثة للديمومة، ليبرهن عن عجز الإنسان المتخلف عن التحكم بمصيره الذي هو غير مطمئن على المستقبل، حزين على الماضي، لا ينظر اٍلى الحاضر بعين التفاؤل، بحيث أن طول معاناة الإنسان المقهور، ومدى القهر والتسلط الذي فرض عليه ينعكس على تربيته الوجودية للديمومة، على شكل تضخيم آلام الحاضر وتأزم معاناتها وانسداد آفاق المستقبل والعجز أمام المتسلط، العجز أمام قوى الطبيعة، عدم الإحساس بالسيطرة على مصيره وغده، وعدم الاٍطمئنان على رزقه وصحته واٍنعدام الضمانات التي تشعره بالأمان والثقة والاٍطمئنان.

لذلك فالإنسان المقهور يعاني من درجة التوتر والاٍنفعال عالية بشكل غير طبيعي، مما يجر ردود أفعال متطرفة وذات طابع اٍنفعالي خال من العقلانية والتقدير الموضوعي للواقع، ومع التوتر تزداد العدوانية المتراكمة المقموعة وتصل درجة الاٍنفجار، وأمام هذه الأزمة الوجودية لا يملك الإنسان المقهور سوى الهروب إلى الماضي الخرافي الذي قد تحمل أمجاده بعض العزاء له، أو الإغراق في الممارسات التي تنسيه واقعه المؤلم، أو الإغراق في العبادة أو المخدرات أو المزارات أوالشعوذة والخرافات. وفي خضم هذا الواقع الموبوء يتمسك الإنسان المقهور بأوهام الخلاص السحري؛ الخلاص على يد زعيم منقد (الدكتاتور)، أو تدخل الحظ أو العناية الإلهية. وتطغى حالة الحزن على الحالة المزاجية، يتم من خلال عقدة النقص واضطراب الديمومة، ويصير إلى فقدان العزم والقدرة على الفعل والتأثير، والمبادرة والمجابهة والشعور بالتخاذل والجمود والاٍنطواء على الذات. ويفسر ذلك حالات الاٍكتئاب المسجلة في الدول النامية، ولأن وسائل الهرب والاٍجترار فوقية ولا تحل المشكلة بشكل جذري، والاٍحتفاظ بالتوازن النفسي للإنسان المقهور، فلابد للتوتر والعدوانية أن تتراكم عاجلا أم آجلا، ويدخل الشعور بالاٍضطهاد، وفقدان الأمل والإغراق في التشاؤم في نفسيته، قبل الوصول إلى مرحلة التمرد والاٍنفجار (حالات الإرهاب البشع الذي تمارسه الجماعات الإرهابية).

1. سمات الإنسان المقهور:
1.1 - الوجود معاش وجدانيا وليس مصاغ ومنظم عقليا:

يختصر الإنسان المقهور العالم بواسطة الاٍنفعال، ملونا إياه بصبغة ذاتية واضحة، يؤدي إلى فقدان السيطرة على الواقع، والاٍرتماء في أحضان التفكير الخرافي والسحري والغيبي، كوسيلة للخلاص من المأزق. ويسود الأسلوب الهجاسي ويؤدي إلى عقلانية مفرطة ومتزمتة، ويتم التعبير عنها سلوكيا من خلال الوقوع في براثن حال من هوس التحليل والدقة والتركيز على التفاصيل، التي ترهق المرء وتعقد حياته، وتفقدها حرارتها. ويقوم بالإسقاط الذي يسمح له بتصريف الاٍنفعالات من خلال صبها على الخارج، أي على العالم وظواهره، وعلى الأشخاص والعلاقات معهم سواء بسواء. ويرى الإنسان المقهور أعداء حوله في ظواهر الطبيعة وعقباتها وفي مواقف الآخر منه. ويتلون العالم أمامه بصبغة اٍنفعالية لتصريف التوتر الداخلي الذي يعاني منه. مما يصعد حدة الاٍنفعالية من خلال إرجاع الأثر كوسيلة لمجابهة العداء الخارجي. وينجرف في دوامة الاٍنفعال النشط الذي يؤدي إلى العدوان أو الركون إلى المعاناة واجترار الآلام الوجودية. وتنتج عن هذه الحالة ظواهر كثيرة الشيوع في العالم المتخلف، أبرزها سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي، والتعصب والعجرفة وإطلاق الإحكام القطعية، والأحكام المسبقة، وسيطرة التفكير الخرافي والسحري، وتدهور الأداء العقلي والحوار المنطقي، وسيطرة الاٍنفعالات.

ويغيب الحوار الهادئ والرزين ومقارعة الحجة بالحجة. ويهيمن حوار الطرشان والاٍضطرابات وانهيار علاقة التفاعل وانكفاء الذاتية ذات الاٍنفعالات المفرطة. ويتحول النقاش إلى صراخ وخصام وعراك وعنف لفظي، بسبب اٍنهيار المنطق وسيادة الشتائم والصراخ واللغة الحركية أي لغة القوة، والإخضاع بعد الفشل في الإقناع. وينحرف الإنسان المتخلف في التفكير الخرافي والغيبي كوسيلة سحرية للخلاص. وتنتشر الخرافة في أوساط الجماهير المقهورة إزاء مأزق العقلانية وتعطل المنطق والتوتر الداخلي. وتصبح الخرافة المغطاة بقشور التعليم، أو قشور التقدم والحداثة السطحية، سمة من سمات الهروب من الواقع. ويسود خطر الاٍنجراف في عملية نكوصية عند المتعلمين الذين ينحدرون إلى ممارسات خرافية بتأثير الضغوط الحياتية والاٍجتماعية والقمع السياسي.

1.2 - التوتر والاٍنفعال الوجودي:
أ. مرحلةالاٍضطهاد:

في المرحلة الاٍضطهادية تسقط مشاعر الذنب والتبخيس الذاتي على الآخر، ليس المتسلط بل الأخر المقهور، أو الأكثر قهرا؛ وتوجيه العدوانية المتراكمة إليه، متخذة طابع الحقد المتشفي، وما هي إلا صورة وهمية عن التخلص من ذلة القهر. أما تجاه المتسلط فتبدأ العدوانية بالظهور نحوه من خلال التعبير اللفظي والرمزي، ولا يتضمن مجابهة صريحة. وهكذا يخلق مناخ عام من العنف، يسيج العلاقات الاٍجتماعية بمجملها. فينتج عن ذلك أسلوب متوتر في التفاعل. حيث يؤدي اٍضطراب الديمومة إلى اٍوالية التبخيس الذاتي، وينتج عنه التوتر الاٍنفعالي والوجودي والغليان الداخلي للعدوانية. فيلجأ الإنسان المقهور إلى التفتيش عن مخطئ يتحمل وزر العدوانية المتراكمة، والحاجة إلى إدانة الآخرين، ووضع الجرم عليهم، وصب العدوانية عليهم وتحويل الآخر إلى مصدر للعدوانية. مما يفسح المجال لإمكان تبرير الاٍعتداء عليه حيث يصبح الاٍعتداء مشروعا لأنه يتخذ طابع الدفاع عن النفس، ويعمل على التخلص من الذنب والعار الذاتي وإلصاقه بالآخرين، لأن الآخر يتحول إلى عقبة تحول دون الوصول إلى تحقيق الذات. ويفسر المتسلط الأجنبي سلوك الشعوب المقهورة بأسباب عرقية، أو ماشابه ذلك من التفسيرات المجحفة (عرق معين عنيد ويركب رأسه) من أجل تبرير البطش. وكمثال على بعض التعبيرات السائدة بهذا الخصوص: «اٍنهم لايفهمون سوى لغة القوة – اللطف لايجدي معهم – لايجوز التساهل معهم لأنهم سيقابلون ذلك بالعنف والتخريب»، ويصبح الإنسان المقهور ضحية عنف مزمن ومنظم ومركب، ويلام على خشونته، ويطلب منه اللطف أي الرضوخ .

ب – مرحلة الاٍنتقال إلى العنف:
تؤدي الحالة النفسية في مناخ العنف إلى شيوع مظاهر الاٍضطهاد والعدوان والحركية الموجهة إلى الأقران، ويعزز ذلك الشعور بالغبن مع الاٍستجابة المفرطة لما لايتناسب مع أسبابها المادية، ومن مظاهر الاٍنتقال إلى مرحلة العنف بالنسبة للنفسية المضطهدة؛ أن أقل نزاع قد يأخذ أبعادا مضخمة قد تنتهي بمأساة، كالاٍقتتال على رأس ماشية، أو على سُقية ماء، أو إتلاف متاع الآخر. القتل على أفضلية المرور، الشك والحذر من الآخرين، كل الآخرين؛ الجيران، الأقارب، الأصدقاء ...الخ. وهكذا يتحول العالم إلى غابة ذئاب لايمكن فيها الاٍطمئنان حتى إلى أكثر الناس قربا، ولا يمكن الثقة حتى بأكثر الناس صدقا، ويسود التشكيك في النوايا، وتعميم مشاعر الاضطهاد، ومن علامات الاٍضطهاد:  تعبئة نفسية مأزومة ومستعدة دائما للهجوم، أو الرد العنيف في أي لحظة والغضب والعنف حاضران دائما للاٍنفجار، والآلية التي تستعمل لتصريف العدوانية والتي تتحول إلى القهر هي الحسد والغيرة والغبن وما تقوم به من كتابة وأحجية وتعاويذ. ما يحول الخوف من الآخر في حالة الحصول على نعمة أو مرتبة اٍجتماعية، إلى أزمة نفسية، وخوف مرضي من الآخر الحاسد، لأن المقهور يعتقد أن الطاقة السلبية الكامنة في نفسية الحاسد، تملك قوة للتدمير هائلة، مادام الحسد هو الرغبة في الحلول محل صاحب الحظ أو الرغبة في الحيلولة دون وصول الحظ إليه.

ويسقط المقهور الحسد المزمن على نفسه ويتمنى أن يكون محظوظا ومحسودا من خلال إسقاط مسؤولية التقصير الذاتي على الآخرين، وتفسير ذلك مؤداه: "إذا أصابني سوء أو مكروه أو فشل أو تعثر فليس بسبب قلة حيلة، أو سوء تدبير، أو عدم بذل جهد، بل نتيجة حسد الآخرين الذين ينبهرون بي، ويريدون تحطيمي أو بقائي موضع الفشل والمعاناة". ويؤدي شيوع المناخ الاٍضطهادي ومدى الإحساس بالعدوانية لدى الإنسان المقهور بعد فترة من الاختمار والإعداد إلى أن تنضج العدوانية ،وتتوجه نحو إلغاء المصدر الحقيقي للمأساة والذي هو المتسلط الداخلي وحليفه الخارجي.

2.2. مظاهر تخلف العقلية المقهورة:
من مظاهر تخلف العقلية المقهورة: اٍضطراب منهجية الذهن، وقصور التفكير الجدلي، وطغيان الذاتية والاٍنفعال والخرافة، والاٍفتقار إلى التجرد والمنطق والتفكير النقدي، وتفشي الأمية والخرافة والتقليد، بحيث يعششان في نفسية الإنسان الحائز على درجات جامعية، ويصير العلم مجرد قشرة خارجية سطحية رقيقة، يمكن أن تسقط إذا تعرض هذا العقل للاهتزاز، كون العلم في نظر الكثيرين مجرد معطف يلبسه حين يقوم بوظيفة، أو يدخل المختبر، أو يلقي محاضرة، ثم يخلعه في سائر الأوقات. وهذا ما يفسر جنوح بعض التيارات السياسية والدينية إلى اعتبار الحداثة  مجرد اٍستنساخ الجانب التقني، دون الغوص في الأعماق الفكرية والفلسفية لها. وعدم الرغبة في التحليل وإعمال العقل والتفكير النقدي، والابتعاد عن العلوم الاٍجتماعية التي تستلزم جانبا من التحليل المعمق والتفكير النقدي، والإقبال على العلوم التقنية واعتبارها كافية لإحداث التغيير المنشود، وتحقيق التنمية، والإقلاع الاٍقتصادي، والاٍنخراط في الحداثة. وهذا ما يفسر اٍزدواجية الشخصية أو الاٍنفصام أو الاٍنشطار. واستمرار علاقة القهر والتراتبية في العلاقة بين الأستاذ والطالب في المدرسة والجامعة، بسبب غرس قيم الطبقة المسيطرة في المجتمع، والاٍغتراب عن القضايا المعاشية، والاٍنفصام بين لغة العلم ولغة الحياة اليومية، ودراسة العلوم الحقة بلغات أجنبية. لأن اللغة الأم مشحونة بالانفعالات والغيبيات والخرافة البعيدة كل البعد عن العلمية.

وتمارس الفئة المسيطرة الضغط والإرهاب المعيشي على المتعلمين الذين يحلمون بالتغيير، وتشجع على انتشار الخرافات واستمرار النظرة التقليدية للوجود التي تستخدم في تكوين رأي عام مستعد لمقاومة دعاة التطور. ويعاني المتعلم في هذا الواقع المر في العالم المتخلف من استمرار الذهنية اللاعلمية، مايؤدي إلى شده بقوة إلى التفكير الخرافي، في ذهنية الطفل. ويصبح التعليم سطحيا وبعيدا عن الواقع الاجتماعي للمتعلم. ويسود الخوف من التصدي للتيارات السائدة (الخوف من الاتهام بالإلحاد) والنتيجة هي هيمنة عقلية مجتمع قامع لايضمن حرية الفكر .

3.2- تغرق الذهنية المتخلفة في التخبط:
وهدر الوقت والجهد، والتذبذب، وانعدام اليقين، وافتقار الحلول للمتانة أو المنطقية، ولايتوقف التخبط على بحث الأمور النظرية؛ بل هو النمط السائد في التصدي للحياة بقضاياها اليومية (منهج المحاولة والخطأ)، بل يصبح الجهل والإقدام على ممارسات يفتقر فيها العامل إلى التخصص الكافي منهج حياة. ويؤدي منهج المحاولة والخطأ بالنسبة للذهنية المتخلفة إلى مايلي: "إذا نجح العامل كان ذلك حظا وتوفيقا، وإذا فشل فانه يغطي فشله باختلاق أعذار وتفسيرات واهية، تبدد جهد ومال من استعان بخدماته"، حيث التخبط والاٍعتباطية ليسا مقصوران على الفئات غير المتعلمة، بل إنهما على درجة كبيرة من الاٍنتشار بين أغلب فئات المتعلمين، من أولئك الحاصلين على الدرجات الجامعية. وهذا ما يفسر الصعوبات التي تعترض الطلاب من الناحية المنهجية. ولا يقتصر الأمر على الطلاب، بل نجد الكثير من الباحثين الأكاديميين يفتقرون إلى الدقة والتنظيم المنهجي في كتاباتهم. ويذهبون في كل اتجاه ويتحدثون عما يلائم وما لا يلائم وما لا يتلاءم مع الموضوع. ويقعون في التكرار، مما يجعل كتاباتهم أقرب إلى تداعي الأفكار، وتكديس المعلومات منه إلى بحث منظم ومنسق، لأن صاحب الذهنية المتخلفة مازال عاجزا عن إدخال التنظيم إلى الواقع، بسبب اٍفتقاره هو ذاته إلى التنظيم والمنهجية، والاِكتفاء بالمعرفة الحسية التي لاتذهب بعيدا في البحث العلمي، ما ينتج عنه عدم القدرة على الغوص في الأعماق والبقاء في السطح وعدم الإمساك بالظواهر إلا في جوانبها الخارجية.

وما دام هناك عجز عن الغوص في تحليل التفاصيل والمقارنة بينها وعجز في استعراض مختلف جوانب المسألة، يظل التفكير انطباعا قاصرا عن الالتماس النقدي، وبمقدار عمق التحليل، ترتقي الاٍستنتاجات. ويعجز الذهن المتخلف عن الذهاب بعيدا في تحليله للأمور، فيقوم بإطلاق الأحكام القطعية والنهائية بشكل مضلل. ولأن الحقيقة نسبية دائما، وفهمها رهن بالمستوى التحليلي الذي بنيت على أساسه، فاٍن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي، ويتحيز بشكل تلقائي نظرا لتدخل العوامل الاٍنفعالية والعاطفة في اٍوالية التفكير، ويصبح قطعيا في تحيزه، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما.

3. خصائص تخلف العقلية المقهورة:
3-1. قصور التفكير الجدلي والنقدي والمنهجي:

قصور التفكير الجدلي هو لب الذهنية المتخلفة، وهي ذهنية جامدة وقطعية وحيدة الجانب؛ تتبع مبدأ السببية الميكانيكية، عاجزة عن العمل بمبدأ التناقض، وتنطلق الذهنية المتخلفة انطلاقا من مبدأ العزل والفصل. الشئ قائم بذاته منفصل عن بقية الأشياء والظواهر، وتطلق حكما تقويميا عليه من خلال إطلاق صفة الثبات عليه، والأشياء هي ماهي عليه، وليست مركبة وتفاعلية وخاضعة للديناميات. ولأن المنهج الجدلي يقوم على الدينامية والصيرورة وبالتحديد العلائقي من ناحية أخرى؛ فاٍن النظرة المتخلفة للواقع نظرة تفتيتية وتكديسية، تعزل الظواهر بعضها عن بعض. حيث تتحكم نظرية الجوهر الثابت بالنظرة المتخلفة إلى العالم، ما يؤدي إلى عجز واضح عن رؤية التحولات الحتمية في هذه الأشياء، ولآن الديالكتيك هو حركة حلزونية متناقضة ومترابطة، كما قال جورج بولتزر، فاٍن الذهن المتخلف ينطلق في تحليله للظواهر من السببية الميكانيكية، أي أن نفس السبب يؤدي إلى نفس النتيجة، ونفس النتيجة تؤدي إلى نفس السبب أو تؤثر فيه.

أو اعتماد سبب واحد يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهذا ما يزكي العجز عن رؤية قانون التناقض أو تكامل الأضداد، مادام أن العلاقة بين الأشياء والأشخاص تقوم على دينامية التناقض. ويؤدي قصور التفكير الجدلي والنقدي والمنهجي كذلك إلى أن الحاقد وموضوع الحقد يجمعهما وحدة العلاقة رغم تعارضهما؛ شحنة الحقد تنطلق من الطرف الأول، لتصل إلى الطرف الثاني، فيستجيب لها بشكل معين يعدل من قوة الشحنة الاٍنفعالية التي تنعكس على الطرف الأول. هناك حركة تاريخية دائمة، والأصل أن العلاقة السببية ليست طويلة، بل تفاعلية تصاعدية يؤدي فيها التناقض الداخلي إلى التناقض الخارجي؛ مما يتولد عنه الديالكتيك. لكن التصلب الذهني يؤدي إلى الاٍفتقار للمرونة ويحجب رؤية السببية في الأشياء والظواهر، ويميل إلى المواقف القطعية إما أو.

2.3 - الرضوخ الى الفئة المسيطرة وقى الطبيعة:
ويؤدي الرضوخ إلى الفئة المسيطرة وقوى الطبيعة على المستوى الاٍجتماعي بالإنسان المقهور إلى ألا يقبل على العالم بخطى ثابتة؛ بل يبدي تردده ويتجنب وضع إمكاناته موضع الاٍختبار خوف الفشل. ويبدو هذا واضحا إزاء كل مستجد أو غريب. وهو يميل إلى التعسف هربا من عجزه، فيطلق العنان للأفكار المسبقة، والآراء المتسرعة مدعيا القدرة على سرعة الفهم، وفجائيته دون إن يجشم نفسه عناء الجهد الفكري الضروري لتحليل الواقع، والوصول إلى استنتاجات بشأنه. ويتذبذب بين الشعور بالعجز عن استيعاب العالم، وبين طغيان مشاعر السيطرة على الواقع من خلال الحذق (الفهامة) التي تعتبر من أفضل الوسائل التي تستعمل من طرف الجمهور المقهور والمتخلف.

ويؤدي اضطراب منهجية التفكير إلى سوء التنظيم الذهني في التصدي للواقع. ويسود الغموض والعشوائية والتخبط والمحاولة العمياء المفتقدة لليقين؛ التي هي ميزة فقدان منهجية التفكير العقلاني. كما يسود الغموض والحيرة واللجوء إلى التمنيات، بخروج سحري من المأزق، وكنتيجة لذلك يعتبر قصور عمليات التحليل والتوليف وقصور التفكير النقدي، لانعدام المثابرة على التفكير في أمر محدود ظرفيا، من خصائص العقلية المتخلفة والمقهورة. بحيث سرعان ما يداخله التعب والتيه. ويصبح هذا الأمر الطابع السائد في المجتمع المتخلف لمواجهة الأمور. وهو طابع تدبير الحال، وطابع البحث عن المناسبات التي تحمل إمكانات النجاح السريع. ويبحث الذهن المتخلف دائما عن النجاح السريع غير المكلف. لأنه ليس مستعدا لبذل أي جهد. ويتعزز ذلك بشيوع ممارسات الغش في الاٍختبارات المدرسية وفي الاٍمتحانات الثانوية والجامعية، وولوج الوظائف، وممارسة الغش في الصنائع والحرف والتجارة وكل مناحي الحياة الاٍجتماعية. ويطرح ذلك إشكال الاٍلتزام ويصبح الواقع المعيش عرضة للتهاون والتراخي حد الاٍستهتار ويصير الالتزام بالمسؤوليات وبالتعهدات وبدقة المواعيد وكل شئ يعمل كيفما اتفق، من تصليح الآلة إلى تنفيذ المهمات، إلى مسائل الإنتاج، ووضع خطط مختلف المشاريع. ويؤدي ذلك إلى فقدان الضبط والدقة .

4. مرحلة التمرد والمجابهة:
مرحلة التمرد والمجابهة هي المرحلة النهائية في تطور هذا المسار السيكولوجي للعقلية المتخلفة والمقهورة: حيث يتم اللجوء إلى العنف المسلح، من أجل الخلاص من القهر. حيث ينتفض الشعب المقهور على الغبن والنقص والخوف، باللجوء إلى العنف الثوري من أجل تحقيق الذات، ونفي الكسل والاٍتكالية، وتطهير النفس من العنف والسموم، ويصل المجتمع المتخلف والمقهور إلى مرحلة من مراحل تطوره إلى العنف بعد شيوع العلاقات الاٍضطهادية. وهنا يقوم العنف ضد القوى المسؤولة عن القهر (المتسلط الداخلي وحليفه الخارجي)، عندما يصل إلى مرحلة يسميها علماء الأحياء (رد الفعل الحرج) أي الخيار بين الحياة والموت، أو الفناء والمجابهة، ويتحول الموت المعنوي، أي القهر والرضوخ والاٍنتظار، إلى رغبة في الخلاص من خلال الإقبال على الموت الحقيقي بدون خوف. فيتحول الموت إلى حياة، وهنا تبدو أهمية الشعارات التي تطرح في بداية مرحلة التحدي والاٍنتفاض، من قبيل استعذاب الموت والشهادة: "الموت ولا المذلة"... الخ، وتصبح الحاجة إلى قهر الموت هي المدخل إلى التحرير، وهي كذلك انتصار على كل العقد الذاتية؛ وانتصار على الخوف والاٍستكانة مع اليأس والقلق.

وتنشأ لحمة قوية بين أفراد الشعب المقهور من خلال تمرير مشاعر الاعتزاز بالاٍنتماء إليه. وتتم مصالحة الذات مع الجماعة ويتحول الفرد المقهور من أقصى درجات التبخيس إلى أقصى درجات التقدير. ومن الأخطاء التي تنتشر في هذه المرحلة نظرا لغياب الأطر المرجعية الجديدة (التغييرية) وعدم حلولها محل الأطر المرجعية السابقة؛ استمرار هذه الأطر وممارسة العمل المسلح من خلال مرثية التسلط والرضوخ، وتماهي مع المتسلط في استعمال العنف والسلاح، لأن الإنسان المقهور الذي يحمل السلاح دون ثقافة سياسية كافية توجه وضعه الجديد، قد تقلب الأدوار في تعامله مع الجمهور، أو مع من هم تحت إمرته. فيتصرف بذهنية المتسلط القديم، ويبطش ويتعالى ويتعسف، ويزدري ويستعمل قوته الجديدة، فيلجأ إلى التسلط والاٍستغلال المادي والتحكم بالآخرين. أو يمارس العمل المسلح بذهنية عشائرية، ويتمسك بالانتقاء العشائري والإقليمي أو الجهوي في تعامله مع الآخرين. ما يشكل المتجزئات التي تشكل عقبة في طريق التحرر الحقيقي، وهذا هو ما يفسر الاٍنشطار الذي يحدث بين مختلف قطاعات الحياة الشخصية، بين الثقافة الثورية، والممارسة المسلحة، والحياة اليومية.

خاتمة
من خصائص العقلية أو الذهنية المتخلفة؛ التحفظ الذهني والفوضى والعشوائية والاٍرتجال وملامح التخلف، بسبب غياب دور الفكر في تقدير الواقع وتكوين الاحكام الموجهة للسلوك، والتمثلات والأفكار المكتسبة في المجتمع والثقافة. وتنتشر تصورات تعمل على ملامسة الواقع بسطحية عاجزة عن الغوص فيه، والسيطرة عليه. أو التميز بالجمود والقطيعة، مايؤدي إلى خلق عقبات معرفية جديدة تعرقل خطط التنمية، التي لابد أن تنطلق من التقدير الدينامي الشمولي للواقع. ونظرا لارتباط خصائص الذهنية المتخلفة باضطراب منهجية التفكير وقصور التفكير الجدلي، في حين تتميز الذهنية المتقدمة بانسجام تدخل العوامل الذاتية والعقلانية في النظرة إلى الوجود، والسير نحو المزيد من التجريد في الاٍنفعال، وتنحو نحو الموضوعية، بينما لاتزال الذهنية المتخلفة أسيرة الاٍنفعال والذاتية والغيبية، وخصوصا أسيرة نظام القهر (التسلط والرضوخ) الذي يحكم الوجود المتخلف، ويعجز الإنسان المتخلف المقهور إزاء الظواهر الطبيعية والواقع والعلاقات، ما يجعله راضخا ومستسلما تجاه ما تبدو عليها من تداخل وغموض، وتبدو له ظواهر الحياة والمجتمع أقوي من طاقته على الاٍستيعاب، وذلك ناتج عن عقدة النقص، ويتوسل بوسائل سحرية أو خرافية لسد هذا النقص وصد القدرة على الفهم بنوع من العجز عن تأكيد الذات في مواجهة العالم.

 

باحث في العلوم السياسية - المغرب

 

المصدر: مصطفى حجازي – التخلف الاٍجتماعي – مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور – الطبعة التاسعة 2005 – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب .