مجموعة من القصائد القصيرة من الشاعرة العراقية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، فليحة حسن، تجمع بينها سمات فقدان المحبة، والأمل، واليتم الذي لا تعوضه زوجة الأب، والحنين إلى أشياء وأماكن ماضية، حتى تتحول الشاعرة إلى جدّة لرجل في الستين!! وكأن القصائد تتحدث عن ذاكرة طفلة أنهكها التفكك الأسريّ!!

قصائد قصيرة

أصدقائي القدامى

فليحة حسن

 

الجميلون كانوا

مثل وقت صباح مبكر جداً

الرقيقون كانوا

مثل نسمة تخشى أن تُولد في تموز

عيونهم التي تشبهُ الغفران

ذبُلتْ وراء ضباب (النظارات)

أراهم الآن

يتوكؤون أمام شاشة الهاتف على

لن يستغرق الأمر إلا ثوانياً )-!)  

ابتساماتهم الممحوة

بالكاد تسند بعضها بعضاً

وما أن تنتهي لعبة جمع السعادة في صورة

يتفرقون

مثل طلع زهور

 في أقدام نحلة

تحملهم أمانيهم

 من حلم

إلى أصغر

ويضيع معظمهم في الزّحام!

 

إلى الغابة

تلاحقني الغرفة بنظراتها مثل زوجة أب تصطنع المحبة

تولد الوحدة من مسام الجدران

تنساب

تتكتلَ فوق هدوء الشبابيك

كحديثٍ رائب

تقاسمني هدوء الصباح

اشكرُ غيابكَ بشدة

فقد أهداني فرصة أثخنُ فيها جلد قصائدي

 وأنسى الغاية المثلى لوجود قلبي

مثلما نسيتْ الدجاجةُ أنّ لها جناحين

لا شمس هنا

ولا عيناكَ لأقتبس منهما حفنة دفء

والغرفة تلاحقني بنظراتها المريبة

مثل زوجة أب تصطنع محبة زائفة

الوحدة الآن تغطي الجدران

تُزاحمني الجلوس على الكرسي

تدسُّ لزوجة اظافرها بقهوتي

تغطي الوقت مثل بقايا مشاجرة عنيفة

النهار مجعدٌ

والهواء مشبع بفقدان الأمل

 وكل الذي ادخرتهُ من همسكَ لمثل هذه اللحظات

أنفقتهُ في غيابكَ السابق

 لا خيار لي

فالغرفة تلاحقني بنظراتها القاتلة

مثل زوجة أب شوّهتها الغيرة

والوحدة تواصل تدّفقها من كلِ ما حولي

أنهضُ مثل وشاية ثقيلة

أرتدي معطفي

واخرجُ لتعكيرِ مزاج البرد!

 

اليوم

لا أدري لمَ اشعر الآن وكأنني جدة لرجل في الستين

طيبة جداً

وعاجزة عن الأمل

أنا التي خاطتْ من صوتكَ معطفاً

يقيّها لسعات الفراق

كم مرة أخبرتكَ ألا ترحل

حتى تمحو اسمكَ من دفاتري

أُنظر لما حدث

النهار لا تترابط لحظاته

سكون الليل بلا معنى

حلمكَ بي ملدوغ بالنسيان

وأنا مثلما تركتني

اتكئُ على صمتي

وأتلاشى

 

أموتُ جداً

بلحظة عذراء

وقبل أن اندهشَ

حلّ غيابكَ

وانا لستُ كبيرة بما يكفي

 لأنتحر على حافته بصمت

ولا شابة

كي أسير

دون أن تتعثر روحي بآهاتها 

يومي الآن

 مفرط بأشياء لا تعنيني

القطار يعلك السكة بلا مبالاة

الدقائق لزجة

عيون الشوارع خرساء 

ترمقني بنظرات ضبابية

الهواء بركاكته المألوفة

 يمرّ على الوجوه بترف ظاهري

قلبي يصغُر

العصافير لا تطير بكامل الرضا

ثمة تزاحم ثقيل لحزني

ولا وقت لديّ لأمل بشيء

ليتني صمتُّ للحظة

اشركتُ عيني في التقصي

لكنتُ رأيتكَ ترتدي

وبنفس المعصم

ساعتكَ وفراقي!

 

حديث معه

أين ستنزلين؟

اقرأها في عينيّ السائق وهو يحدّق في المرآة

ومع أنّ السّماء بعيدة

محال أن يرتطّم بها جناح 

مع ذلك أشعر بالقلق على مَنْ يحلّق الآن  

- هناكَ، اشرتُ بسبابتي، إلى حافة البحر!

- لا موقف للباص هناك!

- تخيلهُ وانزلني؛ سألمُ كلّ هذا الموج في حقيبتي،

أفرشهُ متى ما شاتُ، وأين،

 بيدين عاريتين دوماً ما أفرز الشوك عن أيامي،

 في جنوب الجنوب أعيش جنوني واكتمال رصانتي،

صمتي واسع جداً، وهمسي عميق،

ولا أمل عندي في العثور على أمل

مع ذلك ما من أحد سوايّ يضفر جدائل الليل ويغني.

- اترككِ هنا؟

نعم، قبل أن أنسى أنا شاعرة، 

 

قصيدة

هل تتركينني هكذا

أقف ببالغ اليتم

عند باب معناكِ (مكسورة الخاطر)؟

تتمنعين

وأنا امدّ ورقتي 

شاحبة البياض

ولا من حرف يرمقها بنظرة لو عابرة

محض صمت

كلّ ما حولي

ورقادكِ استطال سباتا

اعدّ قدومكِ

باختراع لغة جديدة

لم تخنقها القواميس

ولا اجتاحتها رعونة الاقلام

من اين اتيتِ بقسوتكِ

وانا التي

بهمس قفاز حريري

غافِ على شرشف مخملي

انتظرتُ مجيئكِ ؟!

لستُ صائدة الفاظ

لأصنع لك فخاخاً

ولا لاعبة نرد

كي أجمع وهج جسدكِ من رمية تائهة!

أنا انتِ

كلانا نموت اندهاشاً

ونولدُ

 إذا ما شئت

من ابتسامة شجرة