كل شيء هادئ على الجبهة الشرقية

مجموعة Retort

لا يمكننا التعبير بالكلمات عن أهوال الحاضر،
لا يمكن التعبير بالكلمات عن جثث القتلى التي تظهر معالمها من خلال الأكياس البلاستيكية. (*) فلا يمكن أن تنوب الكلمات عن وجوه مترعة باليأس والنشوى وهي ترغي وتزبد عبر شاشات التلفزة، وجوه اكتست بالكراهية والجنون والتصميم على الموت، وجوه عُرضت عليها حقيقة "الأضرار الجانبية" عبر مقاطع فيديو مصورة على الهواتف الجوالة حتى قبل أن يخفت أزيز الطائرات بلا طيار.

تغير توازن القوى في عالم الصورة
لا يمكن لأي ممن شهدوا الإفلاس الأخلاقي لوسائل الإعلام أثناء الحملة العسكرية التي شنت على العراق أن يراوده أدنى وهم إزاء ما تعرضه علينا شبكات التلفزة في العالم. ولكن هناك تغيير يطرأ على نمط نشر الصور. حيث يظهر للعيان المزيد والمزيد عن حقيقة "فن الحكم أو اللعبة السياسية" و"الردع". وهي الحقيقة التي تكمن في قلب الحداثة. ولما يزيد عن قرن من الزمان أضفى كلا من مصطلحي الحداثة وإرهاب الدولة الذي يمارس من عل، من الجو ـ الحداثة والقتل الجماعي للمدنيين ـ معنى على الأخر، وساهم كل في بلورة محتوى الآخر. إلا أن هذه العلاقة لم تكن من قبل على هذه الدرجة من الفورية والوضوح والكلية.

ويثير هذا الموقف، هذا الوضوح، غضب قوى النظام
فقد صرح دونالد رامسفيلد قائلاً "لا تزال حكومتنا الفيدرالية في واقع الأحر في بداية تكييف عملياتها العسكرية مع القرن الحادي والعشرين. إذ نخوض اليوم أول حرب في التاريخ، تتسم بشكل كبير بأنها غير تقليدية وغير نظامية، في عصر البريد الإلكتروني والمدونات والهواتف الجوالة وأجهزة البلاك بيري والرسائل الفورية والكاميرات الرقمية وشبكة الإنترنت العالمية التي لا ضوابط لها، ولاروادع تقمعها، وكاميرات الفيديو المحمولة وبرامج الإذاعة الحوارية ونشرات الأخبار التي تبث على مدار الساعة والفضائيات. ولم تدر حرب من قبل في مثل هذه البيئة." (جاء هذا في كلمة رامسفيلد أمام مجلس العلاقات الخارجية في 17 فبراير/شباط 2006). وتنهد قائد عمليات التعذيب والتديمر الكبرى قائلا: إن هذا ظلم شديد. فهذا يذيب الفروق بين ما نمارسه من إرهاب وما يمارسونه هم.


[*] يرجع تاريخ كتابة هذا السطور إلى الأيام الأولى من الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز 2006. وستظهر كجزء من التقديم الذكي لكتاب "القوى المفجعة" في المؤتمر الدولي الثاني للفنون المعاصرة والذي يعقد كل عامين وتدور فعالياته في سيفيلي في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2006- يناير/ كانون الثاني 2007. وقد شارك في هذا الكتاب كلا من إيان بول، جيمس بروك، تي. جا. كلارك، جوزيف ماثيوز، فرنسوا مورتي، آن وانجر، ميشيل واطس وجايل وايت.
[1] وكما هو متوقع لم يستغرق الأمر إلا أيام واستسلمت الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وظهر شيراك وبرودي جنباً إلى جنب مع المسكين توني بلير. ولا يزال يتردد صدى الطبيعة الفريدة لرعاية الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل أثناء المراحل الاستهلالية عديمة الرحمة من الحرب. فقد ظلت شاشات التلفزة تعرض كل ليلة مقطع الفيديو الذي تظهر فيه كوندليزا رايس مرحبةً بـ "الآلام مخاط شرق أوسط جديد" بينما تشتعل النيران في جنوب بيروت. وهي صورة جديدة تضاف لصور أبو غريب وقانا. نشر الأصل الانجليزي لهذا المقال في مجلة New Left Review 41 Sep/Oct 2006