يقدم الشاعر المغربي المغترب هنا في قصائد لاذعة نقدا قاسيا لهذا العالم الذي يسكنه، ويعاني من تناقضاته. لا الشعراء فيه ولا الوطن استطاعوا أن يتنفسوا هواء الحياة.

ككل الشعراء

بن يونس ماجن

ككل الشعراء
أستحم في العراء
وفي جيبي
خريطة مرصعة
بتضاريس وهمية

ككل الشعراء
أجوب آفاقا
لا تعرفني
وأركض في أرض
لا أحمل هويتها

ككل الشعراء
أموت وأحيا
بين أحضان قصيدة
تخونني
مع قارئ مفترض

ككل الشعراء
أتيه في بحور العالم
أبحث عن أيقونة
في مناوشات
المد والجزر

ككل الشعراء
أنام وحيدا
على جمر مفخخ
وأتلحف بدفء
رماد مشاغب

ككل الشعراء
أنتعل ظل
رؤوس أصابعي
وأتقن ذروة الانتشاء
فتجرني الى
أزقة موحلة

ككل الشعراء
أقف على أرجوحة طائشة
ومن آن لآخر
أقود طائرات ورقية
في سماء ممطرة

ككل الشعراء
صلبوني بمسمار صدئ
على خشبة مبلولة
وخرزوا لساني
بأقراط ثقيلة الوزن

ككل الشعراء
لا أحد ينتظرني
عند خروجي من السجن
لا "غودو"
ولا "المهدي"

في سماء بلادي
سماء بلادي مزدحمة
بدبابيس لا رؤوس لها
وسحب فاقدة اللون
كلما مرت بمحاذاة المطر
يتجمهر حولها سراب فاتر

في سماء بلادي
هناك حيث المسافات البطيئة
تنمو على شكل تجاعيد حلزونية
اما عناكب بلادي فهي تائهة
تخلع سراويلها لأي كان
وتهدي خلاخيلها
لفحولة الشيطان
والأوغاد في كل مكان

في بلادي ثمة كلاب سائبة
منذ زمان طويل توقفت عن النباح
تحت وهج القيلولة
ولا تكترث الآن لضربات
الشمس القاضية
فهي دوما تركن الى الظل

في سماء بلادي
الأعاصير لا تميز
بين الرياح الشرقية والغربية
ولا بين اليمنة واليسرة
فهي مصابة بهلوسات قزحية

في سماء بلادي
الطيور المهاجرة لا تحلق بعيدا
خوفا على أعشاشها المهجورة
المعلقة فوق شجرة الخروب
والنجوم تشيخ مبكرا
قبل بزوغ الفجر

عندما يزداد الحر
في سماء بلادي
تتسع أحداق المتسولين
فينفلتون كالزئبق
في كل درب معتم

في بلادي ينشر الناس
غسيلهم على حبل الآخرين
ويداعبون قطط الجيران
غير عابئين بمخالبها
العالقة في مصابيح النيون

تحت سماء بلادي
كل شئ يصبح نسورا جارحة
أطفال الشوارع
وبائعات الهوى
والمثليون
وسواح الجنس
والعاطلون عن العمل
والمنصرون
والذباب الجائع
وقوارب الموت
وعلب السردين
وفاتورة الحياة
التي علينا جميعا دفعها
 
تحت سماء بلادي
كلنا يجلس القرفصاء
أمام فنجان قهوة سوداء
شديدة المرارة
يحضرها النادل
فوق صينية صدئة
نتجاذب أطراف الحديث
عن حماقاتنا التي لا تقبل المزاحمة
وهندسة الطيران الورقي
وعن "الحريك" وما أدراك ما "الحريك"(1)
الى الضفة الآخرى
الحبلى بالوعود والأوهام

بربك ماذا أفعل؟
بربك ماذا أفعل؟
ماالذي جرني
الى فكي تمساح أعور
وماالذي كان ينبغي
أن يحصل؟؟؟

بربك ماذا أفعل؟
أربعون عاما
وأنا أرضع
من حرف أخطل
أتلمظ به
من شدة الخجل
وأحصى هزائمي
تحت جسر مائل
أمضغ العشب المبلل
وأكتب عليه
تعاويذ الليل
ولا أبوح بسري
في موكب الريح المستعجل

بربك ماذا أفعل؟
وخيوط العنكبوت
تستوطن ذاكرتي
وتومض في باحة الإسطبل
على وقع حوافر الخيل

بربك ماذا أفعل؟
دخان سيجارة
أشعل حربا في صدري
حتى أوصلتني الى ذروة الانتشاء
فاختلطت مع عويل النائحات
في ليلة عرس غير مكتمل

مالي ولهذا الحزن
الذي عجنته بيدي
كلما أردت أن أكتب
عن نكبات العالم
تفلت من وجهي الأقنعة
يا لخيبة الأمل!!!

وما ذنبي أنا
فالشهرة لم تدم طويلا
والذباب صار يمقت
العيش على ظهر الفيل

هكذا تتدلى الأيام
مشنوقة
منذ الأزل

بربك ماذا أفعل؟
هل أقبع بعيدا عن السرب
أم أحرض عقارب الساعة
على قتل الوقت
أم أمارس عقوقا
فأغتسل بالماء والثلج والبرد
فوق سطوح بيوت النمل

الغرق والنجاة

(1)
كم مرة سبحت
ضد التيار
ونجوت
وكم مرة سبحت
مع التيار
فغرقت
وبين الغرق والنجاة
حبل مشدود
الى جسر الحياة

(2)
أنا لست حرا طليقا
رغم أني أملك
مفاتيح سجني

(3)
الشعر نصحني بالاعتزال
لكنني آثرت الانتحار
ولأتفادى غضب الشعراء
منعني الطبيب النفساني
من كتابة الشعر
حتى اشعار آخر

(4)
كل شئ ممكن
كل شئ قابل للاستنساخ
حتى عرق الابطين
الذي يومض في أحواض النعناع

(5)
ليس لدي ما أخسره
الماء لا لون له
وماء البحر أزرق
وبين اللونين
يتأرجح السراب
كأنه مساحيق مكياج
لازالة الغبش
من وجه عريس مسن

(6)
أتأبط وطنا
وسأظل غريبا
على حافة التيه
صرت كالحلاج
أضع سبحة وعمامة
في حجري
وأتكأ على خنجر
ذي حدين

(7)
قيدوني عبدا
الى قلاع مهجورة
لكي تؤنس وحشتي
جرذانها المقهورة

(8)
ذات ليلة
ضبطت متلبسا
بفصيلة دم شاعر
وقصائد ايروتيكية
عجلت موتي فورا

(9)
رب هب لنا
من لدنك
وطنا لا تحكمه الذئاب
ولا تطمع فيه الضباع

(10)
في محرقة غوانتنامو
ذلك السجن الرهيب
ثمة أشباح برتقالية
تحرسها شياطين
من سلالة "بوش" اللعين

(11)
آه!!
لو كنت زنجيا
أسود البشرة
ما أحلى التفرقة العنصرية
في فراش الشقروات

شاعر مغربي (مقيم في لندن)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ "الحريك": الهجرة غير الشرعية