(فازع): رؤى المستقبل في لحظة انفصال سياسي أخلاقي

أيمن خالد دراوشة

عن مؤسسة الرحاب الحديثة صدر في بيروت رواية " فازع شهيد الإصلاح في الخليج " الطبعة الأولى 2009م، وهي من تأليف الروائي والكاتب القطري الدكتور أحمد عبد الملك. تقع الرواية في 191 صفحة من القطع المتوسط وقبل البدء بتحليل الرواية وقراءتها من منظور اجتماعي كان لزاماً علينا أن نُعرِّف بالروائي الدكتور أحمد عبد الملك وهو أشهر من أن يعرف.

المؤلف الدكتور أحمد عبد الملك حاصل على العديد من الشهادات العلمية فهو يحمل ليسانس الآداب وماجستير الإعلام التربوي ودكتوراة في الإعلام، وشغل مناصب عديدة منها مذيعاً بتلفزيون قطر عام 1974 وعمل رئيساً لتحرير جريدتين قطريتين عام 1990 و 2000ومديراً للشؤون الإعلامية بمجلس التعاون بالرياض ولمدة سبع سنوات كما عمل مستشاراً ثقافياً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث عام 2004م وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الفكرية على مستوى العالم العربي، وله عشرات أوراق العمل في مجال تخصصه، له أكثر من 22 إصدار ودراسة في الإعلام وتقنياته نثراً ورواية وقصة قصيرة والقضايا الاجتماعية وغيرها.

ومن أهم إصداراته على سبيل المثال لا الحصر:

الغرفة 405 ( قصص قصيرة )

أوراق نسائية ( قصص قصيرة )

المعري يعود بصيراً (مسرحية)

أحضان المنافي ( رواية )

القنبلة ( رواية )

بلا دبلوماسية ( قصص قصيرة )

مدينة القبور ( نثر فني )

رسائل إلى امرأة تحترق ( نثر فني )

مهاجر إلى عينيك ( نثر فني )

شيء من الهمس ( نثر فني )

إضافة إلى العديد من الإصدارات المهنية كالمذيع التلفزيوني .. مبادئ ومواصفات وإعلاميون من طراز جديد ...مع كل هذه الإصدارات والإبداعات والخبرات الطويلة فإننا نقف أمام كاتب متمرس متمكن من التقنيات المعاصرة للقصة والرواية ويصيِّر من خياله الخصب حقيقة وتنبؤ لم نعهده قبلاً في تقنيات الرواية المعاصرة  ليجعل من الخيال والحقيقة ترادفاً لا تضاداً.

نعود إلى الرواية التي اتخذت من اسم (فازع) عنواناً لها والفازع شخصية محببة فهو من يقوم بفض الخصومات ويصوّب الأمور. فازع في الرواية الشخصية المركزية في الرواية وعليها تُبنى الأحداث وتتسلسل من خلال بنية متينة وتشويق يبدأ من السطر الأول وحتى آخر كلمة من الرواية.

ملخص الرواية:

الرواية عبارة عن تنبؤات مستقبلية حددها المؤلف بسنة 2050 على سبيل الافتراض، وترمز إلى أشياء عدة كرفض الظلم والحرية المسلوبة، وتدور في قصر الملك بين (شاهة) زوجة الملك والكاتب الصحفي (فازع) أم فازع امرأة صلبة لا تعرف الرحمة ولا الشفقة لأسباب نفسية منذ صغرها لذا فهي حاقدة على كل البشر حسب ما صور لنا الكاتب أما (جدايل) فهي زوجة فازع امرأة جميلة وفية تعيش قصة حياة زوجية سعيدة مع زوجها لكنها تصطدم بمقتله وتترمل مع ابنتيها الاثنتين .

تتحدث الرواية عن مملكة خليجية تقع في شرق الخليج في زمان افتراضي كما أسلفنا حيث هناك ملك فاسد وحكومة ومجلس برلماني صوريين ، كما تتحدث أيضاً عن علاقات ودور السفراء الأمريكان في المنطقة العربية، وقضية تسامح الأديان، والاختلال السكاني وتأثيره في البنية الاجتماعية الخليجية، ومصير الحركات المتطرفة، وانتشار اللهو والعبث والمجون بشكلٍ سافر وأهم من ذلك تمرد المتجنِّسين على الدولة، وانهيار اللغة العربية أما المسلمين فقد أصبحوا أقلية، وغزت الكنائس والمعابد المملكة في ظل اختفاء المساجد أما الهوية الوطنية فهي مفقودة ...

عائلة خليجية هي عائلة فازع – الرجل الوطني – الذي يطالب بإصلاحات من خلال مقالاته المنشورة في صحيفة (الحقيقة) فكانت النتيجة تراجيدية وهي موت فازع بالرصاص قبل أن تدوسه الأرجل الجامحة نتيجة ثورة عارمة في البلاد.

ومن شخوص الرواية الثانوية أبو فازع الرجل الشهواني وأصدقاء فازع (هذلول الفكاهي)  و(قانص الهارب) (وهذلان المستهتر) بالإضافة إلى رئيس تحرير جريدة الحقيقة (بو خالد) وهناك أيضاً شخصيات نسائية كشخصية مريم المومس الثورية...

يقسم لنا الدكتور أحمد عبد الملك روايته إلى ثلاثة عشر جزءاً ويمنح كل جزءٍ عنواناً برَّاقاً حيث تتسلسل الأحداث بتنظيم محكم وعفوية تارة والابتعاد عن المنطقية تارة أخرى بلغة سلسة وجمال فني ممزوجة باللغة العامية الخليجية بكثرة ...

والرواية وإن كانت تلامس أسلوب روائيين من حيث الاعتناء بلغة الجسد كالروائي جمال الغيطاني وإحسان عبد القدوس إلا أن الوصف المسترسل للجمال الساحر سواء لشاهة أو جدايل أو البغايا وحتى أم فازع في صغرها يجعلنا نشعر أننا دخلنا دائرة المبالغة والحشو وربما الملل أحياناً وتجاوز الوصف الجسدي إلى الوصف الفاضح.

(ما زالت عيناه تتفحصانها بكل دقة. وهي تحاول أن تخفي ردفيها البارزين بمخدتي الكرسي من الجانبين وتدلي من شيلتها على صدرها ... ص50).

( دخلت شهرزاد بلباسها الفاضح الساتر العاري نصفا نهديها متحرران من قبضة القميص ... ويبدو أنها استخدمت حمالة من نوع خاص لإبرازه بهذه الصورة ... ص88).

ينتهج المؤلف طريقة السرد الإخباري محرِّكاً شخصيته الرئيسية (فازع) ومن حوله شخوص الرواية الثانوية فنلمس تدخلاً مباشراً من المؤلف حيث يظهر صوته بقوة واضحة بتأييد وطنية (فازع) من خلال هذه الشخوص وكان من الأولى أن تأخذ الرواية مجراها كما ابتدأت دون أي تدخلات من الشخوص ففازع المصلح الوطني لا يحتاج إلى هذه التدخلات والتزكيات فشخصيته مفصح عنها أصلاً على الغلاف الخارجي من الرواية فانتفى حصوله على شهادات البطولة والقومية والتمسك بتراث الأجداد.

نعود إلى اللغة المستخدمة فالكاتب ابتعد عن لغة الألغاز فكانت اللغة رقيقة شفافة كالزجاج، وهي من السهل الممتنع والمشوِّق حتى تخالها عجينة يشكلها المؤلف كما يشاء وإن طغت عليها اللغة العامية كونها من الضروريات حيث وظَّفها المؤلف لتخدم الفكرة...

كان الأسلوب السردي المباشر والمطوَّل هو الطاغي على الرواية، وقد أطال المؤلف في بعض أقسام الرواية ولو عمل بعض الإسقاطات لكان حجم الرواية أقل بكثير، إلا أن عفوية المؤلف وحرفيته قد غاصت في أعماق شخوصه الرئيسية والثانوية بنجاح من حيث الحركة واللباس والباطن كالانفعالات النفسية وما يتولد عنها من سلوك، واهتم الكاتب بتحليل الذات الإنسانية واستنباطها والتعمق في أغوارها، ورصد مراحل تطورها، والكشف عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء تصرفاتها وأفعالها، ومثال ذلك تحوُّل (أم فازع) المفاجئ من امرأة صلبة لا تعرف الرحمة إلى امرأة مسالمة باصطحابها زوجة الملك إلى منزلها.

ويقدّم المؤلف أحمد عبد الملك شرائح اجتماعية موجودة في كل زمان وفي كل مكان كعقدة (أم فازع ) حينما شاهدت أختها تُغتَصب من والدها وكذلك قدَّم لنا المؤلف شخصية (أبو فازع) و (بو خالد) ( وهذلول ) بطريقة كاريكاتورية متجهاً إلى الكوميديا العابثة مما أعطى الرواية رونقاً ودفعاً لقراءتها حتى النهاية على الرغم من صعوبة الموقف وهشاشة الحكم وتصدع الأحداث...

كما أننا نلتقي بشخصيات عديدة نتعرف على أبعادها الداخلية والخارجية والاجتماعية فنعرف طرق تفكيرها وخواصها السلوكية، ونلمح العلاقات المتبادلة مع الفرد، والتناقضات والاتجاهات الفاعلة في تكوين الشخصية.

ينطلق الدكتور أحمد عبد الملك من عام 2050 على خط الزمن النفسي بدون ترتيب زمني، فتخلق تواصلاً يستمر بالتدفق عند احتكاك الشخصية بأخرى.

أما طريقة موت فازع فقد أصابت القارئ بخيبة الأمل وكنا نتمنى أن يموت من خلال عمل بطولي لا أن يُداس بالأقدام كما أن المكان الذي أقتيد منه لا يتناسب مع بطولته وسمعته المنتشرة كالمسك في المملكة أما سهراته الماجنة فكأنها تتم بموافقة زوجته جدايل المخلصة ...

إن تحريك الكاتب للشخوص بكل حرية وتدخل أحياناً جعلنا نتساءل لماذا يترك فازع والده يزور زوجته وهو في السجن على الرغم من معرفته بسوء سلوك والده نحو النساء، وكذلك كيف يرضى فازع على نفسه بخيانة زوجته وهذا ينطبق أيضاً على (شاهة زوجة الملك)  حيث أنها مهتمة بشخصية (فازع) بشكل غريب وكأنه المظلوم الوحيد في المملكة وهناك العديد من التساؤلات التي لا حاجة لذكرها.

لقد تسارعت أحداث الرواية بشكل مبعثر خالٍ من الترتيب ومن أهم الأحداث التي ينبغي الوقوف عليها قضية مقتل الملك فليس من المعقول أن تتحول (أم فازع) إلى سوبرمان فتقتحم القصر متجاوزة أسواره وحرسه لتطلق الرصاصات على الملك ليخر صريعاً ثم تصطحب زوجة الملك (شاهة) وتغادر بها بكل بساطة وأريحية، حتى أن المبالغة تتجاوز الحد باصطحاب (شاهة) إلى منزلها دون أي اعتراض لا من حرس القصر ولا من جنود..

وختاماً فمهما يكن من أمر فالرواية تجاوزت الخطوط الحمراء مما يجعل إجازتها في الدول العربية عامة والدول الخليجية خاصة أمراً في غاية الصعوبة بل والمستحيلة في ظل غياب الحريات وحجب الحقيقة المعهودة في الدول العربية، وتبقى الرواية مثاراً للجدل ومجالاً خصباً لأقلام النقاد خليجياً وعربياً وسيناريو أسود نتمنى عدم حدوثه.

 

كاتب أردني مقيم في قطر