هنا قصيدة لشاعر مصري تتخطى تلك الصورة النمطية لطبيعة حيوانية، كي تتقاطع مع مشهد طبيعي يستلهم شخصنة الكائنات ومحاورتها، وجوديتها في صدى صوت شاعر يفتقد نصفه الآخر المتخفي وسط اللغة.

الجواميــس

حسن النجّار

مفتتح :

الجواميس مرتْ هنا البارحة

عند بيتي المواجهِ للنيل ..

شيدتُه من غصون الشجر

( وغرث البهيمة حين يروق لها

أن تخالسنا نظر الارتواء..)

ليلائم برد الشتاء وحر الهجير

وصوت النعير المبجل :

              هعِّ .. وهعّْ ..

 

1

الجميلة كانت ترافقني في أوان السحر

نتراقص في حضرة القمر البابليِّ

نفاتح أبداننا  بخرير  الغناء

  وفي الصبح تغدو إلي الحقل

  مصحوبة بجواميسها ..

  الجواميس مثل الإناث البكاري

  يلفلفنني بمناديلهن إذا الشمس

  دارت علي مفرقي ..

  الجواميس مولعة أن تحاورنا

  وتداورنا

  لنغني علي وقع أظلافها قصص

   العشق :

     يا ملتقي زهوة العاشقين ..     

   الجواميس مبتلة بالأناشيد

    والزعفران المزركش

    الجواميس مولعة أن تجالسنا

    في رواق الأحاديث

   مولعة أن تقاسمنا رشفة الشاي

   عند الظهيرة

   والتحدث فيما يعنُّ لنا :

         خطايا العشيرة،

         حَرَّ الهجير،

         خطاب الرئيس المؤجل

        عن وطن لا يُهادن،

        مصطلحات الخروج إلي النهر،

 نبني عشاشا علي الشاطئ اللازوردي

  حتي يكون لنا النيلُ حارسنا المستديمَ

  المراوغَ .

 

   أشياء لانتحدث فيها :

      المواسم،

      جني الغلال،

      فالعام عام الجرادة،

      وموت المغني الذي لم أصادفه

      مرة في دواوين فصل الغناء.

          

 

2

  المرأة المتواجدةُ الآن في شهر آب

   تبللنا بمواعيد رقص الجواميس .

           

               3

   للجواميس أذكار لا نتبينها

   لكنها تتشخصن في رقصة الظل

   في الماء

   وقت الظهيرة.

             4

الجواميس مضطرة أن تغادرنا

لنكون وحيدين في ذاك الملتقي البابلي

مع القمر المتدلي علي ركبة الأفق :

   

      يا وجهكِ القمري المواجه للنيل..

      أنتِ المرابطةُ الآن في خندق

      الوقت مثلي

      نشنُّ حروب الوجاهة في نزهة

      تتراءي لنا ..

      نتعري ،

      نقاوم شهوة أبداننا بقصائد

       مسْبلة الروح ..

 

       الجميلة تمنحني شارةً

       فأنازل جيش الطواغيت

مستلهما قصص الفاتحين الذين اقتفيتهمُ

في طريقي إلي مرتقي الحلم..

إن النبيين قد عبروا هاهنا

وأقاموا معارجهم في سماوات

ليل المريدين ..

أسألهم أن يقصوا لنا ما تداول في

 أجنداتهم من شهود القصائد

حتي يكون لهم أثر الفاتحين الأوائل ..

 

مع القمر المتدلِّي علي ركبة الكون

نفتحها سيرةً لرياح معبأة برنين القصائد ..

            لا تنقفل .

   مختتم :

 

   ما الذي يتخفَّي وراء جذوع الشجر

   الجواميس قد رحلتْ

   وانتهي دورها

   وخلا مسرح الكون

    من نعرات الهواء المبجل .

   والنبيون قد تركوا خطوهم

  واستداروا إلي النوم،

  تذكرة بعد أخري ـ

  والأرض قد ذهبتْ لِكَراها

ولم يبق من أثر غير هذي الفلول

 من الذكريات الأليمة في آخر الليل..

 

  ما الذي يتخفي وراء جذوع الشجر ؟