ما هو الصنم الأول الذي تبدد في المهد في قصيدة الشاعر المغربي؟ لابد وأن القارئ سيتساءل وهو يقرأ هذه الاستدعاءت من بئر الذاكرة الموشومة، لتلك البيداء المترعة ـ بين مروج الأطلس ـ بالقصص والرؤى والأساطير، وقد أضحت إرم التي تبدد عمادها، وازدحمت بأناس لا يستجيبون لحوار فرس عنترة، ولا يبكون لنعي ابن شداد.

الصَّنَمُ الأَوَّلُ

عبد اللطيف الإدريسي

إلى جدّتي الكبيرة ابنة "تمديت"(1)

تَزْحَفُ المدينَةُ عَلى وَقْعِ خُيولٍ تَكُبُّ

وَصَدى بارودٍ يَتَرَدَّدُ في أَقْصى الوادي

مخْلوطٍ بِصَهيلِها

يَتَناثَرُ النَّقْعُ

الممْزوجُ بِدُموعي الوافِرَةِ

تهْزِمُ المدينَة بُكائي

تَمْحي ما تَبَقّى مِنْ رَواسبي

يَتَأَبَّطُني الشَّرُّ

أَمْتَطي فَرَسي العابِرَةَ

العَجيبَةَ

تهْجُرُني سَلْخَتي الفِطْرِيّةُ

وَتمْتَطيني الأَحْزانُ

في ذِكْرى لمواقيتَ قَضيْتُها

في بَيْداء دَخيلَةٍ على فَضاءاتي السالِفَةِ

وَأَنا ـ إِذّاكَ ـ بَينَ مُروجِ الأَطْلَسِ وَضِفافِهِ

أَحْبِكُ شاراتِ ماضٍ تَناسَيْتُهُ وَعَشيرَتي الأوَّلين

بَيْداء

حَسِبْتُها مَنْبَع حَضارتي

وَنَواتها

مَتْنُ المُتُنِ

تَطوفُ حَوْلها كُلُّ الهوامِشِ

وَالحواشي

وَما تَبَقّى مِنْ ذاكِرَةٍ خَرَمَها التاريخُ

وَكَلام خادِع

انهارَتْ كُلُّ الحواضِرِ

وَصارَتْ إِرَم آثاراً لِجَنَّةٍ مِنْ سَرابٍ

بمُدُنها

بشُطْآنِها

بمَرافِئِها

بمَناراتها

بِجِبالها

بِكُلِّ أعْلامِها

هشيماً يُدَقُّ في البيادِرِ

ماتَ صَنَمُ الأصْنامِ

وَأَنا في المهْدِ

تحْضُنُني رَوابي

الريف

وَالمتَوَسِّط

وَالكَبير

وَالصَّغير

وَقَدْ أَلْبَسَتْني سَلْخَتي الأولى

حاوَرَتْني فَرَسُ عَنْتَرَة

وَنحْنُ في بَيْداء لَيْسَتْ حاضِرَتي

عَنْ أُناسٍ مِنْ عَشيرَتي

لم يَبْكوا نَعْيَ شَدّادٍ

في مَكانٍ ما مِنْ ذاكِرَةٍ مَوْشومَةٍ

اتَّخَذْتُ لي خِلاّناً هَجَّرَتْهُمُ العَشائِرُ،

فَصاروا قَوْسَ قُزحٍ بِأَلْوانِ سَلْبِيَّة

ـ حواشٍ تحومُ حَوْلَ المتْنِ ـ

جَعَلَتْ مِنْ دُجْنَةِ اللَّيْلِ فَضاءَها

خِلاّني

أُناسٌ قادِمونَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ

ـ التّابِعُ

وَالرَّئِيّ

وَالجِنيّ

وَكُلُّ الصَّعاليكِ

وَأَوَّلُ مَلاكٍ مَنْفِيّ ـ

بيزوس المحروسة 22 مايو 2010

(1) تمديت" آخر قرية تقع في حجر جبل "تدغين" وهو أعلى جبل في منطقة الريف المغربية