يحدق الكاتب في دهاليز عقلية المستبد كما لو أنه يجعله يعتلي خشبة "مسرح فقير"، ليلقي منلوجه المستوحد. فيمكن المتلقي من تعرية قاووش الاستبداد، والمشاركة بحفر قبره بالسؤال عن جدوى صراخ الطاغية، حين لا حصان يبادل به "مملكته".

بشار الأسد، في حديث ودّي

الطاهر بن جلون

ترجمة: سعيـد بوخليـط

 

في الوقت، الذي جعل النظام السوري، من ثورات شعبه، دماً. ولج، كاتب دماغ الديكتاتور، سعياً منه لفهم منطقه الشرس. بعد أن كسرت الحاجز، استطعت الدخول إلى رأس الرئيس السوري. إنه قلعة، حصينة. قبل الوصول، يلزمك اجتياز على الأقل سبع محطات تفتيشية، تحكمها حراسة دقيقة. خوف وريبة. مثل، أبيه حافظ، يحتفظ بشار، بمسافة.

يُحكى، ذات يوم، أقدم الأسد الأب، على تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص، في حق سبعة جنود، أوكلت لهم مهمة ترقب خطوات أشخاص، كانوا على موعد معه. عُرف، عن حافظ، ولعه، بلعبة الشطرنج مع صديق، يعود ارتباطه به إلى أيام الطفولة. هكذا، خلال كل ظهيرة، يأتي الصديق، ويخضع للتفتيش سبع مرات قبل دنوه من قاعة اللعب. في مرة من المرات، وبحكم اعتياد الجنود عليه، تركوه يمر دون إجباره على روتين المراقبة. لما، علم حافظ بالواقعة، أصدر أمره بقتل الحراس البؤساء، ماداموا لم يؤدوا واجبهم.

بشار الصغير، يعلم خبايا هذه الحقبة، من بين فترات كثيرة، لا تقل إحداها عن ما تبقى، بشاعة. فعندما، نمتهن القتل، نجازف بالتعرض لنفس المآل. لذلك، ينبغي اتخاذ الاحتياطات الضرورية، بل، وأكثر مما يفترض.

حجم، رأس بشار ليس كبيراً جداً. إنه، ممتلئ بالضجيج، والدبابيس وشفرات الحلاقة. لم أجد تفسيراً، لهدوء دماغه. لا لإرهاق ولا توتر. لا أعرف، من أين يستمد هذه السكينة. هل، المسألة وراثية؟ أم يتلقى دروساً ليلية كي يتدرب على القتل، دون أن يزعجه ذلك، و يبقى الوحيد في العالم الذي لا يمتعض حيال ما يزرعه من رعب. هكذا، صرت طفلا، ثم أرخيت أذني. لأن الصغير يفكر، ولا يتردد أبداً في أن تصدر عنه أفكار جريئة :

"لقد أخذت كل شيء، عن المرحوم أبي. رجل دولة، من الطراز الأول، مرهف الحس واستراتيجي عظيم. أتذكر، أن هنري كيسنجر، كان يبدي نحوه تقديراً جمّا. أبي، بدوره أحب هذا الدبلوماسي الأمريكي وما مثله من ذكاء وواقعية سياسية. لذلك، تفاهم الاثنان جيداً. ويحدثني، أبي، كيف قضى كيسنجر، جسدياً على سالفادور أليندي، وأحل محله بينوشي.

خلال الأيام الأخيرة، تواصلت مع أبي. شخص عبقري. لقد، لقنني ما يلزمني القيام به. شجعني، وأشار عليّ بالسبل الواجب اتباعها. وحرضني، أخيراً كي أعود إلى لبنان، إذا ازدادت الأمور سوءا. فسواء هو أو أنا، لم نستسغ الطريقة  التي طرد بها جيشنا من هذا البلد سنة 2005. بل، موت الحريري وعصاة آخرين، لم يمحو قطعاً، العار الذي شعرنا به، نتيجة موقف هؤلاء اللبنانيون.

حالياً، الوضع جيد، أمسك بزمام الأمور. لست خائفاً. أولاً، أنا لست صدام ولا القذافي. لن تحلموا أبداً، بمشهد يظهرني وأنا موضع استهزاء من قبل جنود أمريكيين، وهم بصدد تفلية القمل من رأسي، أو أيضاً، أُذبح بين أيادي حمقى. صدام والقذافي، وقع لهما ما وقع، لأن مستوى ذكائهما تميز بالضعف. بينما أنا، فأنتسب إلى عائلة الأسد، أسرة وعشيرة، مترابطة ومتكافلة. جماعة، مترامية الأطراف، عتيدة وجبارة، تمتلك تقاليد.

إني، لا أمارس فعلاً مجانياً، بل أتصدى لمؤامرة دولية، وأتوفر على دلائل. لا أرغب بتاتاً، في أن تصير سوريا جمهورية إسلامية يديرها حفنة من الأميين، أو معقلاً ليسار أبله، يجيد فقط التبختر في الصالونات الأوروبية.

لقد أفهمني أبي، أنه في مجال السياسة، يجب امتلاك قلب شرس. لذا، عودت قلبي على عدم الانكسار. لا مشاعر أو ضعف، وإلا غامرت برأسي وحياة عائلة بأكملها. إن، الأنذال الذين سحبوا سوريا نحو دوامة النار والدم، يلقون ما يستحقونه. يتكلمون، عن "الربيع العربي"! أي، هراء هذا؟ أين يرون هذا الربيع؟ فليس، لأن محرضين عديمي البصيرة احتلوا مواقع عمومية، ستغير الفصول إيقاعها ومعناها. إذن، ما سموه "ربيعا" لن يزهر قط في سوريا. لذا، أعطيت أمري، كي يتعطل هذا الفصل، حتى ننتصر. لماذا، سيكون الربيع مرادفاً لاختفائي؟ ليس فقط، لن أموت، بل سأقتل كل العالم، قبلي. ألم، يتحدثوا في الإسلام، عن مشروعية التضحية بثلث الشعب، بهدف الإبقاء على الثلث الجيد، لا تردد في هذا السياق. أطبق، مضمون القاعدة القديمة، مثل العرب. أذكّر ثانية، أن سوريا بلد علماني، كفرنسا. فرنسا، التي خانتني، بدون سابق إنذار بل وأنبتني. أيضا، المسكين أوباما، الذي أدانني، بسبب الوحشية! عن أي شيئ، يتحدث؟ ألم يلاحظ، ماذا صنعت جحافله في العراق وأفغانستان؟ على ماذا، يعاتبني؟ لأني، أمرت الجيش كي يطلق الرصاص على المتظاهرين؟ لو، ترددت لأضعت كرسيي، وفقدت هيبتي.

انظروا، كيف وجد صديقي مبارك، نفسه بين عشية وضحاها، مطرودا خارج قصره. لقد افتقد للعزم والإرادة، إضافة إلى خيانة الجيش. المسكين، أي سقوط، تربص به. مريض ومنهار، ويجرونه على نقالة إلى المحاكمة! الشعوب، كافرة بالنعمة، تنسى بسرعة ما صنعه الرؤساء لها. جيشي، تؤلفه أغلبية أشخاص أوفياء. أما المنشقون، فسيؤدون ثمناً غالياً. لا أشعر، بالشفقة. أنا، أدافع عن نفسي، والقضية شرعية.

لقد بادرت، إلى اتخاذ إجراء وقائي، حينما أبعدت زوجتي أسماء وأطفالي الثلاثة حافظ والزين وكريم، حماية لهم. طبعاً، أتصرف باعتباري زوجاً صالحاً، وأبا مثالياً للعائلة. أرى، كيف أن آباء غير مسؤولين، يحرضون أبناءهم على التظاهر، مع درايتهم المسبقة، أنهم قد يلقون مصرعهم نتيجة طلقات رصاصات طائشة. أخبروني، بأن أطفالاً، قتلوا. لم أصدق الخبر، وأرجعت السبب إلى استهتار الآباء. فلا توجد مصيبة أعظم من فقدان أحدنا لفلذات كبده.

أستحضر، بهذه المناسبة الحزن الذي ألمّ بأبي، حينما وصله خبر وفاة أخي الأكبر باسل، بعد تعرضه لحادثة سير، لقد بكى. نعم، شاهدته يذرف دمعاً، أمام ظلم قدر، اختطف منه ولده المحبوب إلى نفسه جداً.

والدي، الرجل الاستثنائي، الذي صنع من سوريا بلداً كبيراً، وحول حياة الجار الإسرائيلي إلى جحيم. بكى، هذا القائد، جراء إحساسه بالعجز عن الانتقام. باسل، مات. قتلته، الطريق. ولن يذهب به المقام، على أية حال، حد قصفه بالقنابل، الطريق التي أنهت حياة ابن، هيأه لخلافته. لم يتحمل أن يعيش هذا التضاد. وأنا أيضاً، لا أقبل قطعاً، أن أنتقد أو أحارب.

توخت الأمم المتحدة، تدنيس سمعتي، واقترحت علي الرحيل. يعتبر، الموقف تدخلاً في شؤون سورية، بكل ما تطويه الكلمة من دلالة. جدير بتجمع الدمى هذا، أن يتركني في سلام؟ الرحيل؟ إلى  أين؟ يظنون، أني بن علي؟ حتماً لن أمتطي طائرة، كي أستجدي العالم، لجوءاً سياسياً!

لحسن الحظ، أن روسيا صديقي بوتين وكذا الصين، طرحا الفيتو. أيضاً، عزيزي أحمدي نجاد، يقف إلى جانبي، يتصل بي باستمرار، ويحثني على الصمود. هناك، إنصاف، على أية حال. المتمردون، جماعة إرهابيين، تلقوا أموالاً من أوروبا، وبعض البلدان العربية الذين يستهدفون أصلاً تصفية حسابات معي. بالتالي، ما عليكم غير متابعة برامج الجزيرة، كي  تفهموا أن المؤامرة قائمة.

يتهمونني بالتعذيب! الأمر، عادي جداً. التعذيب، ضروري كي نتجنب المذابح، وأن لا تتناثر جثث الأبرياء، برصاص السوريين الأشرار.

إني، أسيطر على البلد، وأقف في وجه من يريدون إقامة نظام سياسي بديل. عليهم، أن يمدحوني شكراً، ويساعدونني على حماية سوريا من الخطر الإسلامي. أستبصر، ما سيفعله الإسلاميون بطائفتي العلوية، وكذا الأقليات المسيحية والأرمينية. يجب على الفاتيكان، الإسراع إلى نجدتي عوض انتقادي. لحسن الحظ، هي مجرد كلمات.

شيئ ثان، ما أقدم عليه حالياً الأوروبيون، بتجميدهم لممتلكاتي لديهم، واستهدافهم خنق الشعب ومنع التبادلات التجارية، يعتبر سلوكاً حقيراً وغير شريف. يستهدفونني، لأن سوريا صمدت دائماً أمام العدو الصهيوني ولم تركع لإسرائيل. قال لي، أبي غداة مذبحة حماه، وكنت حينئذ في السابع عشرة من عمري: أتدري، يا بني، لو أني لم أتصرف بقسوة تلك الليلة، لكنا غادرنا هذا المكان. لقد، كان على صواب. بدوري، إذا لم أغرق حمص قصفاً بالقنابل، فلن أعثر الليلة عن زاوية أنام فيها: ربما، في معرض للجثث! إذن، ينبغي التوقف عن التصريح، كيفما أتفق. عشرون ألف قتيل في حماه (خلال تلك الفترة،  لم يصدر، أي رد فعل): بالكاد، اليوم، 8 ألف بين درعا وحمص ودمشق وحماه. ثم، كل هذه الصخب!

هل، تدركون لماذا، أسماء زوجتي العزيزة، قبلت بي زوجاً؟ من أجل القيم، التي أجسدها؟ هكذا، اعترفت إلى مجلة "باري ماتش" يوم 10 دجنبر 2010. قيم، تنعكس على قسمات وجهي. وأنا فخور بذلك.

ثم هل تعلمون، سر اختياري تخصص طب العيون ؟ ببساطة لأني شديد الحساسية، حين رؤية الدم".

لما، تخلصت من هذا الرأس، علقت أرجلي بخيوط كهربائية. بشار، موصول بمحطة مولدة لكهربا التعذيب. لتزجية الوقت، يضغط على دواسة تبعث بشحنات إلى الأجهزة التناسلية، لجميع الخاضعين لتعذيبه.

يبدو، أن بشار يتسلى بفعله، ويعضد من عزيمته كي يزيل سوريا التي تضم الثلثين، أو فئة الأنذال حسب تصنيفه.

 

المقالة نشرت في جريدة لوموند : الأحد 19 فبراير 2012، الصفحة 17.

boukhlet10@gmail.com

مراكش/ المغرب