يكشف هذا الحديث الذي يبدأ بتأملات حول الثورة المصرية، وما عقد عليها من آمال، عن الكثير من المشاكل التي يعاني منها الواقع الثقافي وتعاني منها الكتابة المغايرة في مصر، في زمن يزحف فيه المتأسلمون والمتأسلفون على السلطة، ولا يجرؤون إلا على الحلقات الضعيفة في نظرهم وهي الثقافة والمرأة.

أديب المقاومة بامتياز

حوار خاص مع الروائي والقاص السيد نجم

ممدوح عبد الستار

ثورات الربيع العربي تجعلنا ننظر إلي المقاومة، علي أنها الملاذ الأخير للشعوب المقهورة، ومن ثم النظر أدب المقاومة، ووضعه علي طاولة التشريح، لنفهم لحظتنا الراهنة. والأديب السيد نجم قضى عمراً في محراب المقاومة الأدبية.

إن السيد نجم يملك سر المحبة، والتواصل الحميم، يجذبك إليه بصدقه المعهود به دوماً، لا تري منه غير ابتسامة مريحة، تجعلك تتكلم عن نفسك، ويطول الحديث. فقط؛ يهز رأسه، مبتسماً، ثم يعطى نصائحه بغير مباشرة، حتى لا يجرحك. وحينما تقرأ كتبه؛ تتساءل، كيف يكون ثورياً، وهو علي هذا الهدوء. ساعتها فقط؛ تدرك أنه مثل باطن الأرض، يغلي، وينشطر، ويتشظى، لكنه لا يظهر هذا مطلقاً. إنه كاتب من طراز فريد جداً. أصدر أربع روايات، منها الروح وما شجاها، والعتبات الضيقة، وأكثر من أربع مجموعات قصصية، وكتب كثيرة للأطفال والنشء، وأيضاً أصدر كتباً نقدية، وحصل علي جوائز عديدة. سعينا إليه المجلة، وكان معه هذا الحوار.

س: بداية، نعرج علي اللحظة الراهنة، التي تعيشها مصر الآن، والوطن العربي من ثورات، نريد أن نعرف منكم، هل ستنتصر الإرادة الشعبية في كسر كل القيود التي تعطل مسار الثورة، أم أن هذه القيود ستستبدل بقيود أكثر منها صرامة، وتجعل من الثورة المصرية انتفاضة فقط؟
ج: أنا على يقين، أن ثورة 25يناير سوف تحقق ما عبرت عنه في بداياتها، فقط بدأت، ولن تخمد، والرهان على الشعب المصري نفسه. دعني أخبرك أنني انتهيت من كتاب حول الثورة "ثورة 25يناير.. رؤية ثقافية"، وكنت خلاله أبحث عما تسأل عنه، ولم أكن منفعلاً على قدر الفرح الذي يغمرني وأنا أعمل. تلك الثورة هي الأولى في التاريخ في كل خصائصها: ولست في هذا أعلى من الصوت الزاعق كما الحال في كل الثورات. وعندي الأسباب الموضوعية لهذه المقولة، ويمكن تلخيصها في الآتي: أن الثورات التقليدية تنقسم إلى قسمين، الأول تلك التي تعتمد على (القوة)، أو التي ينهض بها أفراد من الجيوش والقوات المسلحة، أو مجموعات من "الميلشيات" المدججة بالسلاح، وغالباً تتحرك تحت مظلة "أيديولوجية" ما. أما القسم الثاني فهي تلك التي ينهض بها مجموعات مدنية (مثل النقابات العمالية أو الفئوية). وربما ينهض بها تلك المجموعات الشعبية تحت قيادة مفكر سياسي (غاندي- مانديلا).

أما الثورة المصرية، فقد حملت بعض الخصائص المميزة لها: تقدمها مجموعة/ مجموعات من الشباب (في العقد الثاني والثالث من العمر). سلمية. لا تحمل برنامج أو أهداف (إيديولوجية) بالمعنى السياسي، هذا لا ينفى الشعارات التي رفعت، أو الأهداف التي أعلنت. إن تحمل العبء الحقيقي والأكبر لها هم الشباب، إلا أن جموع الشعب سرعان ما وجدت الفرصة الذهبية للتعبير عن رغبتها في الخلاص من نظام فاسد. وأضيف بكل موضوعية أن دور الجيش المصري جاء معضداً، ومعبراً عن رغبة الشعب. أعنى أن ثورتنا لم تكن من الجيش، ولا هي تحت راية قائد فرد ما، ولم تتبناها في البداية قوة فئوية ما. ومن هنا كانت خصوصيتها. الرهان الآن على جموع الناس، بكل أطيافهم. ولأننا أطياف مختلفة، ظهرت تلك الفقاعات، والتي تبدو على قدر من الارتباك، وهذا طبيعي، وسمة جدلية، محصلتها للصالح العام، لأننا شعب واع وله حضارة، وهذه المقولة ليست من باب الإنشاء الثقافي، بل هي الحقيقة التي أراها دوماً. لقد عشنا عدة شهور بلا رجال أمن تقريباً، ولا حتى عسكري مرور، ومع ذلك ذهب الناس إلى أعمالهم، وهو ما علق عليه أحد الأمريكان بقوله: "إن حدث هذا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتعرضت المحال للنهب، والسلب، وتوقفت الحياة الاقتصادية تماماً، وربما تسقط الإمبراطورية الأمريكية!". ولم تسقط مصر، ولم تفرغ الأسواق من المأكل والمشرب. عمار يا مصر.

 س: الثورة المصرية قلبت مفهوم السياسة العالمية، وقلبت نظرية الهرم، المعمول به، وأصبحت القاعدة العريضة (الشعب)، وميدان التحرير، وسلمية الثورة، مصدر السلطات، ومصدر التغيير. من هذا المنطق المتفائل، هل يمكن أن تحقق الثورة المصرية، مفهوماً مغايراً في الأدب المصري بعد هذه الثورة؟ وهل توجد بدايات مبشرة لهذا المفهوم؟
ج: دعني أقول بحقيقة لا جدال حولها، ألا وهى أن الآداب والفنون تعد تعبيراً عما يبدو خفياً، أو ظاهراً في أي مجتمع. وعندما نقول أن الثورة كشفت عن حيوية المجتمع، وتمثل ذلك في الملايين المشاركين في أكثر من عملية انتخابية، وفى الكشف عن ترهل أحزاب سياسية قديمة، ونزوع إلى تشكيل قوى سياسية جديدة، متمثلة في أحزاب جديدة، جاوزت أكثر من العشرين حزباً، ومازالت. كما كشفت عن رغبة دفينة لجموع الناس بالبحث عن الجديد، وهو ما أعطى قوى تسييس الدين هذا الزخم اللافت (بصرف النظر عن رفضي الشخصي له). وحتى الوقفات الفئوية (على اعتراضي على أكثرها) لها معنى الانتباه والمطالبة بعد صمت، وصل إلى حد الكبت.

 وعندما نقول أن الثورة سوف تكشف أكثر كثيراً عن نفسها في المستقبل القريب والبعيد: عندما تتحول المفاهيم الديمقراطية إلى سلوك داخل الأسرة، وفى العمل، وفى الشارع، وفى التجمعات. وعندما يجد الجميع قوت يومه، ويطمئن على غده. وعندما يقول ما يريده، ويفعل ما يعتقد أنه الصحيح والحق في حرية. هنا نقطة البداية، ماذا نحن فاعلون: أن ننتقل سريعاً مما هو آني، ومؤقت، وانفعالي. ونضع الخطط والرؤى المستقبلية. أن نبدأ بأنفسنا وكلنا ثقة، لن يستطيع أحد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، مهما حاولت قوى الظلام. إن التساؤل لا يخص الثقافة والأدب وحدهما، والتساؤل: "ماذا عن المستقبل؟ وليس في الثقافة والأدب فقط، ومع ذلك لا نعرف إجابة محددة فكرياً على السؤال كيف؟ وبالتالي هل يمكن أن نستنتج أنه قد سقطت الإيديولوجيات إلى الأبد، كما قال الشاعر الشيلي بابلو نيرودا، وبات على المثقف الثوري أن يكون نفسه، رافعاً شعارات القيم، ومدافعاً عنها؟! لا أدرى على الأقل حتى الآن، ولكنى أعلم تماماً أن الطفل هو المستقبل، وكم من بلدان مثلنا، بل لعلها يوم أن بدأت نهضتها كانت أقل درجات منا، وبالاهتمام بالطفل أصبحت من نمور آسيا الآن (ماليزيا)، وأعلم أن البحث العلمي، بداية من تحديد مجالاته، وتوافقه مع خطط التنمية، ثم بالإنفاق عليه، تقدمت أشباه بلدان لم يكن لها وجود منذ ستين سنة (إسرائيل)! وأعلم أنه بإعلاء قيم العمل والمثابرة والإخلاص، اعتلت بلدان نال منها الهلاك، وقهرتها الهزيمة، لكنها نهضت، وتصدرت العالم (اليابان). كما أعلم أن الرؤية الثقافية اليوم هي: مجموعة من الأفكار الطموحة، التي تتمثل في أن تنهض الحكومة بعمل الصناعات الثقيلة في مجال الثقافة والأدب، وذلك بتبني الإنتاج الجاد في فنون السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، وفى توفير الكتاب الرخيص، ودخول عصر الثقافة الرقمية في النشر، وبناء المكتبات، ورعاية المواهب، ومكافأة الراسخين من الأدباء والفنانين، وإعطاء "الترجمة" الزخم الواجب، وغيره كثير. وأخيراً -وهو أولهم-تبني القضايا المفصلية، التي تعلّي من شأن الوطن والمواطن، والتي تتبنى الحق العادل لنا، وللشعوب من حولنا. وهنا أذكّر الجميع بتوجه الولايات المتحدة الأميركية أن جعلت الجندي الياباني هو العدو الواجب الانتصار عليه في كل ألعاب الطفل حتى اليوم! وإن أضافوا إليه مؤخراً العدو الغامض القادم من الفضاء البعيد.

س:هل تعتقد أن الأدب، والفن كان له دور في هذه الثورة المصرية، قبل، وبعد الثورة؟
ج: أنت تعلم-وأنت من أصدقائي- أنني أعطى لأدب المقاومة الكثير من اهتماماتي، حتى نشرت خمس كتب حول هذا الموضوع. كما أن الكثير من النقاد انتبهوا إلى أن رواياتي، والكثير من قصصي، حتى بعض قصص الأطفال تحمل هذا الملمح. مع العلم أن أدب المقاومة، كما قدمت تعريفا له هو: (أدب الجماعة الواعية بهويتها، الساعية إلى حريتها، في مواجهة الآخر العدواني، من أجل الخلاص الجمعي). وليس هو أدب المعارك فقط أو أدب الحرب، بل الأخير يعد ضمن أقسام أدب المقاومة. وهذا المدخل لا يعنى أنني أعتقد أن من يقرأ قصيدة أو رواية ما، سرعان ما يرمى بها ويمسك بالسلاح، أو حتى يصرخ في الشارع. بل جوهر أدب المقاومة هو تعضيد مميزات وخصائص الذات الجمعية، والعمل على كشف وعلاج جوانب الضعف فيها. وعلى النقيض مع العدو: كشف عناصر القوة عنده لمواجهتها، وعناصر الضعف لأخذه بها. وبالتالي أدب المقاومة يسعى إلى تربية الوعي بالقيم العليا، وتزكية الهوية والانتماء.
نعم للأدب والفن دوره، كان هذا الدور منذ قديم الزمان، وسوف يظل مستقبلاً. وإلا، بماذا تبرر ما أنتجه العقل البشرى من ملاحم وأساطير، التي هي-وفى جوهرها-تعضيد لذات الجماعة في مواجهة جماعة أخرى، أو حتى قوى خفية لا يراها البشر. فقط دعني أحدد ما يمكن أن يعتبر من السلبيات الفنية، التي قد يقع فيها المبدع دون وعى، أو انفعالاً زاعقاً، أو حتى بسبب هيمنة نظام سياسي ما. ألا وهى: أن يقع المبدع في التسجيلية المباشرة، دون إعمال تقنيات الفن الذي ينسج منه عمله، فيبدو عملاً مدرسياً، أو دعائياً. وكذلك قد يقع المبدع في براثن"الأيديولوجي"، بمعنى أن يغلب فكر سياسي حزبي، أو غير حزبي، أو حتى حكومي على تعبيرات المبدع (تذكرت قصة قصيرة عراقية –كتبت أثناء الحرب العراقية الإيرانية- صور فيها الكاتب لحظة الاستشهاد. وكانت في مجملها أنه يرى الملائكة على هيئة عروس جميلة تحمل علم البعث!)
وأظن قبل، وبعد ثورتنا، عمل الأدب والفن، ورسخ لمفهوم المقاومة الشامل، ولكن تأثير الفنون والآداب تبدو عميقة وغائرة، وفاعلة بكل تأكيد. وهذا هو الفارق الجوهري بين الخطبة العصماء القادرة على تحريك الجماهير للحظة أو لموقف، بينما الفن والأدب يتعامل مع الوجدان، والباقي.

س: من الملاحظ أن الثورة المصرية، أفرزت ما يسمى بالنقد الذاتي، والنقد الموضوعي، ونقد الآخر، لتعديل المسار الذي يحقق المصلحة العامة. هل يمكن أن نعتبر ذلك مقدمة لنظرية نقد عربية جديدة؟وهل استطاع النقد الأدبي مواكبة الإنتاج الأدبي، وغربلته؟ ورأيك الشخصي في الحالة النقدية عموماً، عربياً، ومصرياً؟
ج: جميل أن نقرأ محاولات تنظيرية للواقع المعاش، لعله ما يبقى بعد أن يهدأ الصراخ. وأظن أن كل ما ذكرته هو توصيف الحالة العامة التي عليها الجميع، من المثقفين ورجل الشارع، وتعبر عن الحراك الاجتماعي والفكري الذي نعيشه الآن، لكنه لا يعبر عن نظرية ما بالمعنى العلمي. فتاريخ النظريات الأدبية يسجل ارتباط النظرية بالمعطيات المجتمعية، تلك التي تتضمن المنجز العلمي والاقتصادي والسياسي، كما أنها تتشكل بتراكم منجزات جزئية وملامح، إلى أن يجيء من يقوم على استنتاج ما هو أهم وأشمل في نظرية، تفسر ما هو كائن أصلاً، لتضيف دلالات جديدة لم ننتبه لها من قبل. وكما هو معروف عن النظرية البنيوية
أنها نشأت في فرنسا، في الستينيات من القرن الماضي عندما تم ترجمة أعمال الشكليين الروس، تلك الأعمال التي ارتكنت داخل النص، وليس انعكاساً للواقع. وهو ما دعمه النقد الأمريكي بمقولة أن الشعر يقوم على علاقات رياضية، أي تغليب الشكل على المضمون. وبالتالي تعد البنيوية تعبيرا عن معطيات متنوعة وفاعلة في المجتمع.
أما عن مواكبة النقد للإبداع، فهي قضية تساءلنا حولها منذ الستينيات. وأتذكر أننا أرجعنا قصور المتابعة النقدية إلى أسباب اجتماعية منها: أن الناقد في حاجة إلى دخل يتيح له المعيشة الكريمة، وملاحقة كل جديد في الإبداع (تماما مثل المبدع) وكثيراً ما يتجه الناقد إلى السهل المتاح لإضافة مصدر للرزق. كما أن القصور الشديد في مجال الترجمة لعب دوره في عزل الناقد عما هو شائع أو جديد خارج الدائرة العربية.. حتى الرسائل الجامعية التي تبدو مبشرة بناقد متخصص في اتجاه أو رؤية ما، سرعان ما يتفرغ لكتابات توفر لقمة العيش كما الناقد التقليدي (أضرب بذلك المثال في الرسائل الجامعية التي تناولت "أدب المقاومة". لم يتابع باحث منهم أو منهن تعميق ما قدمه في رسالته، بينما أظن أنه من المناحي التي نحتاج إلى المزيد من البحث فيها. ودعني أشير هنا أنني بعد أن كتبت أربعة كتب في أدب المقاومة، تتناول تنظير المقاومة في الأدب العربي، وجدت أنه يلزم دراسة الآخر العدواني وهو الجانب المكمل لأدب المقاومة ونشرت كتاب "الطفل والحرب في الأدب العبري". ومع ذلك يثار بين الحين والحين أنه يجب عدم دراسة أو ترجمة الأدب العبري، بينما هم يخصصون الدراسات العلمية لأدبنا حتى المعاصر جداً منها!.
أما عن الحالة النقدية الآن، فأتساءل هل ما كنا نردده في الستينيات والسبعينات حول المشكلة النقدية. تغير؟! أرجو مع الثورة أن تتغير!.

س: لقد قامت الثورة علي أكتاف الطاقات المعطلة من الشباب، وكان الشباب بلا آباء، أو أوصياء، وكان رافدهم الأساسي هو العالم الافتراضي، في التعلم، والتواصل، والاحتجاج، هل لديك تفسير لذلك، وما هو الحد الفاصل بين العالم الافتراضي، والعالم الحقيقي؟
ج: منذ الأيام الأولى للثورة، كنت أطلق عليها "الثورة الثقافية"، وكنت أبرر ذلك بسببين، الأول أن الثورة لم تنطلق من معطف الفقر والعوز الاجتماعي، وكل الشعارات والدعوات الأولى، التي رفعت ورددت بين أرجاء ميدان التحرير، لم تتعلق بالجوع أو الفقر بالمعنى المباشر. وان تضمنت إحدى الشعارات (العيش)، إلا أنه جاء في سياق اكتمال البناء الإنساني، ومتابعة للحرية والكرامة. كما جاءت شعارات التعبير عن الطعام في مجال المقارنة باللصوص والمفسدين، ولبيان درجة الفساد.
أما الجانب الآخر الذي جعلني ألقبها بالثورة الثقافية، هو ما شاهدته حتى سقوط "مبارك"من نماذج شبابية، بنين وبنات، وعلى درجات عالية من المستوى الاجتماعي والتعليمي، وقد كانوا ينهضون بتنظيف الشوارع والميدان (والبنات ترتدي القفازات). وهؤلاء هم من كانوا على تواصل معاً من خلال الشبكة العنكبوتية، وهى ظاهرة ثقافية أيضاً. دعني هنا أشير إلى أن مقولات الغربيين حول "العالم الافتراضي" انه منفصل عن العالم الواقعي، بل وكانت الدراسات الإكلينيكية والنفسية حول التأثير السلبي لهذا العالم الافتراضي. وكانت دعوات رجال علم الاجتماع كلها حول المواءمة بين العالم الافتراضي والواقعي. كما أن الصين افتتحت أكبر دار في العالم لعلاج مرض "إدمان الانترنت". وجاء الشباب المصري الوثاب ليحول كل سلبيات هذا العالم الافتراضي إلى وجود حقيقي مكمل للعالم الواقعي، ويحول الشبكة العنكبوتية في بعض سلبيات إلى تزكية الملامح الايجابية فيها ومنها.. وتصبح كل تقنيات التكنولوجيا الرقمية إلى (وسيلة) وليست غاية، ولا وسيلة للترفيه فحسب. ولا يوجد إلا تفسيراً واحداً: أن هذا الجيل من شباب مصر، أكثر نضجاً، وتفاعلاً، وقدرة على الانجاز من كل الأجيال السابقة. ألم أقل لك أننا نحمل بذور حضارة عريقة، ولا أفتعل أسلوباً إنشائياً حماسياً.
أما التساؤل حول الحد الفاصل بين العالم الافتراضي والواقعي؛ دعني أقول لك أنه عندما أطلق "لارين جاردين" هذا المصطلح للتعبير عما عليه حجم المعطيات التي يمكن انجازها مما هو خلف الشاشة الزرقاء، وهو هائل وكبير بحجم يماثل ما نحن عليه في عالمنا الواعي(حيث يتضمن الأدب والفن والعلم واللهو والسياسة والاقتصادية، وغيره) لم يجد سوى تشبيهه أنه يماثل العالم الواقعي، لكنه (افتراضي). أما عن الحد الفاصل بينهما، أظن أنه كان السؤال الذي يردده المهتمين بالثقافة الرقمية منذ سنوات، أما الآن لم يعد مطروحاً، فلا فاصل في الحقيقة.. ألم تثبت ثورة 25يناير ذلك!

س: من الملاحظ في الفترة الأخيرة، ظهور مصطلح البست سيلر، أو الأكثر مبيعاً، رغم قلّة القراءة في مصر، والوطن. هل توافق علي هذا المصطلح؟ وما هي أسباب انتشاره؟ وهل الإعلام الأدبي، ودور النشر الخاصة، والعلاقات، لهم دور في تلك اللعبة؟
ج: لا مشاكل، طالما وجد، فهناك أسباب لتواجده، حتى وإن لم تقنعنا. هي ظاهرة اقتصادية، وبها تسعى دور النشر للترويج التجاري والمكسب، وهذا حقهم. المشكلة ليست في تلك الظاهرة، المشكلة في سؤال النقد الجاد، القادر على العرض والإضافة وتوعية القارئ بما هو غث، وما هو ثمين. وأظن انك أشرت إلى بعض أسباب تلك الظاهرة.. الإعلام التجاري تغلب على الإعلام الأدبي. دور السينما والتليفزيون حيث أن جموع الناس يرون فيمن تنتج أعماله في السينما أو التليفزيون، هو المبدع الحق. وهذا مرتبط بعدم الوعي أن الميديا أو الوسيط مختلف، وبلا شك السينما والتليفزيون أكثر جماهيرية وجاذبية عن الكتاب. لا يبقى إلا أن تقوم وزارة الثقافة (ممثلة الدولة/الثورة) في تبنى المشروعات الكبرى الثقافية دون النظر إلى المكسب أو الخسارة.. سواء في النشر، أو الإنتاج الفني المختلف، أو الترجمة. والمثال القدوة في ذلك ما فعله د. ثروت عكاشة ود. عبد القادر حاتم. وأثق أن وزارة الثقافة قادرة على الانجاز. فقط يتوافر القرار السياسي، والتمويل المناسب.

س:كان، ومازال الكُتاب، والفنانين في برجهم العاجي، والدليل علي ذلك، استمرارهم في عمل تيارات، أو جماعات تخصهم وحدهم، متى يصبح الكاتب والمثقف عضو فاعل في المجتمع، بجانب الكتابة؟
ج: يجيء هذا السؤال وقد شاع بعد الثورة، وكأنه دليلاً على إدانة الكاتب والفنان. وواقع الحال أن المبدع منذ ثورة 23يوليو على حالين، إما موظفاً حكومياً في مؤسسة ثقافية، أو حتى غير ثقافية، أو يقتات من بعض ما ينشره بفضل أصدقاء المقهى(حيث راجت المقاهي التي تجمع الفنانين والأدباء). وفى كل الأحوال لم يكن هناك التنظيم السياسي أو النشاط السياسي الذي يمارس فيه المبدع تواجده مع الناس. حتى بعد إنشاء الأحزاب (على ضعفها) لم تكن الثقافة ضمن برامجها الحزبية بشكل مؤسسي، اللهم إدارة ندوة كل شهر، أو إصدار مجلة قليلة الحيلة لضعف التمويل. المشكلة إذن في المناخ السياسي العام؛ لذلك فأنا متفائل بظاهرة التجمعات الثقافية الآن وبمسميات متعددة، بل وفاعلة كما الحال مع مجموعة "نحن هنا" لصديقنا قاسم مسعد عليوة، وغيرها من المجموعات التي لا أتذكر اسمها الآن، ولكنها متواجدة في الشارع، وهذا هو المهم وما نبحث عنه، وإجابة سؤالك أيضاً.

س: الثورة المصرية جعلت المصريين، يتعاطون السياسة في كل وقت، هل يمكن لنا أن نحلم بثورة في الأدب، والفن، والثقافة، مثل السياسة الآن؟وهل ستنتشر الترجمات الأدبية للأدب المصري، والعربي، بعد الربيع العربي؟
ج: تعاطي الآداب والفنون ظاهرة حضارية، وغالباً مرتبطة باستقرار اجتماعي، وبتوافر مؤسسات جادة ومؤمنه بدورها، وهو ما كانت عليه أحوال الثقافة في الاتحاد السوفيتي القديم (وان كان الفن موجها) أو هو واجهة النشاط الثقافي بشكل واضح مع "مؤسسة تشبه هيئة قصور الثقافة عندنا" مؤسسة الثقافة الجماهيرية الفرنسية مثلاً. أعنى أن أياً ما يكون شكل النظام السياسي، لا رواج وتعاطي حضاري للأدب والفن إلا بتوافر هيئة أو مؤسسه تقوم عليه بإخلاص. ومن هنا كلنا أمل أن تبدأ الثورة الثقافية بشكلها الجماهيري والمتفاعل مع ما نراه الآن من تغييرات ايجابية في هيئة قصور الثقافة. تلك الهيئة القادرة على الوصول إلى أبعد الكفور والنجوع. ودعني أذكر لك أنه لولا هيئة قصور الثقافة في مجال المسرح خلال العقد الأخير، لشكونا الآن من انهيار كامل للمسرح في مصر، بعد توقف مسرح الدولة (تقريبا) وتقهقر المسرح الخاص. ومع ذلك ما زلنا نرجو الكثير من تلك الهيئة الثقافية التي أراهن على فاعلية وأهمية دورها.

س:إن الثورة المصرية، هي مقاومة لكل أشكال الاستبداد التي كانت قائمة من قبل، وما تزال، والسيد نجم له باع طويل في أدب المقاومة، وأدب الحرب، والثورة المصرية الآن أذابت مفهوم أدب المقاومة، وأدب الحرب، وجعلته رافداً بسيطاً جداً من مفهومها الأشمل، كيف نستطيع أن نقيّم كتاباتك الآن في أدب المقاومة بعد هذه الثورة، وهل هناك ضرورة الآن لهذه النوعية من الكتابة؟
ج: الصراع أبدي، وأزلي على هذه الأرض التي نعيش عليها، أشير هنا أن التاريخ البشرى لم يشهد إلا 75سنة من السلم، وطوال التاريخ البشرى سجل الصراع هنا أو هناك. حقيقة، السؤال فاجأني أو لعله جعلني أشعر بالصدمة!ومع ذلك هل تريد أن تقول أن الصراع بين (الخير) و(الشر) انتهى من مصر بقيام الثورة. هذا الرد من منطق الأدب. أما منطق السياسة، هل تظن الساحة السياسية وتأثيراتها على الفرد العادي في الشارع سوف تكون في صالحه دوماً!.
وأخيراً، هل حلت كل مشاكلنا مع الواقع العالمي وتأثيراته مثل العولمة: حيث الخصخصة، والشركات عابرة القارات، والخوف على ذوبان الهوية القومية. وفى المقابل، رواج فكرة تعدد القوميات، والأعراق داخل المجتمع الواحد، مع الدعوة إلى إبرازها إلى حد المطالبة بالاستقلال، كما في حالة (الأكراد) بالعراق. وقبل هذا وبعده: هل حلت المشكلة الفلسطينية؟ الصراع باق، والمقاومة وسيلتنا، أياً من يكون المعتدى، سواء العدو الخارجي، أو الداخلي الذي قد يتمثل في الجماعات الإرهابية، أو الجاسوسية، وحتى فيما بيننا. انتظر لنرى.

س:من مفردات الثورة، الاعتماد علي الشباب، والنشء، وكما تعرف أن حسن البنا، اهتم بالنشء لتغيير الواقع، وأيضاً السلفيين، هل يجب علينا الاهتمام بالنشء، والكتابة للأطفال، وتوجيههم، وتعبئتهم للحظة قادمة، مثل السلفيين، والأخوان المسلمين، والدولة العبرية، وما هي نوعية هذه الكتابة؟
ج: لقد أثبتت التجارب الدولية أن نهضة الأمم تقوم على الاعتناء بالطفل. دعني أذكر لك ملخص الندوة، التي استمعت إليها من نائب رئيس ماليزيا (بهاتير محمد) منذ حوالي ست أو سبع سنوات بجامعة الإسكندرية.
قال الرجل أن الدولة وضعت خطة للطفل لمدة 15سنة، لرعايته صحياً، واجتماعياً، وتعليمياً بالكامل. وتم تحديد 21 ونصف % من الميزانية العامة للدولة لتحقيق هذا الهدف سنوياً. وقد كان، وتحقق لماليزيا ما أرادته.
أما تجربة كوريا الجنوبية، فهي اعتمدت على (التعليم) بكل عناصره البشرية والمادية والتدريبية، وخلافه، حتى بلغ عدد العاملين في المؤسسات ذات العلاقة بالتعليم 5مليون مواطن. مع العلم أن عدد السكان 30مليونا!
أما التجربة العبرية فيطول الحديث فيها، وقد كتبت حولها كتاب "الطفل والحرب في الأدب العبري". أرجو أن تتاح فرصة أطول لتناولها تفصيليا لأهميتها.
ولتحقيق هذا الهدف القومي للطفل المصري، لا تكفى الإجابة بأن الكتابة للطفل تكون كذا، وكذا. بل الإجابة أن يكون الطفل في عين وزارة الصحة والتعليم والثقافة والشئون الاجتماعية والإعلام، وغيرها. خطة قومية تقوم عليها كل الجهات الرسمية وغير الرسمية في الدولة، أن يكون الطفل هو المشروع القومي في البلاد.

س:حتى هذه اللحظة، لا يوجد مشروع كتابة للطفل بشكل جيد، علي مستوي الوطن العربي، مثل الكتابة للكبار، ما سبب ذلك في رأيكم؟
ج: دعني أقول لك أن مصر بدأت هذا التوجه في الستينيات وحتى نكسة 67، ثم تضاءلت المحاولة، ثم جاءت العراق حتى عام 1990، حيث هاجم صدام حسين الكويت، وبدأ الحصار والمعاناة وبالتالي تأثر البرنامج. كما أن لسوريا محاولات محلية جادة والى فترة قريبة. ولن أبالغ إن قلت لك أن دول المجلس الخليجي بدأت هذا التوجه منذ سنوات، وعلى مستوى العالم العربي، ورصدت مبالغ كبيرة لجوائز المسابقات، والمؤتمرات، والمشروعات الثقافية للطفل مثل "كتابي" في دولة الإمارات. ما أعنيه هو ضرورة الاستمرارية، مع دعم الدولة، بالإضافة إلى توجه عام لبناء هوية وانتماء الطفل العربي، وهذا هو الأساس، والمنطلق.
أما عن الأسباب في عدم الاستمرارية فأضرب لك مثلا بمصر، أين الآن "جمعية الخدمات المتكاملة" التي كانت تعنى بشئون الطفل، لماذا نغلقها لأنها ولدت في العهد البائد؟!نحن دولة مؤسسات، والمؤسسة أبقى من الأفراد، ويجب أن يكون هذا توجهنا، سواء في مجال الطفل، أو غيره.

س:رواية أيام يوسف المنسي، صدرت من جماعة نصوص 90، وأنت أحد مؤسسي هذه الجماعة الأدبية، وقد تم السطو علي الرواية، وأصبحت فليماً لعادل إمام، حدثنا عن كواليس هذا القضية، وكيف تعاملت معها؟
ج: باختصار شديد (فقد نشر حول الموضوع في جرائد ومجلات مختلفة) أن روايتي "أيام يوسف المنسي" أخذها أحد الصحفيين في مجلة أكتوبر عام 91 تقريبا، ثم فاجأني أنه أعد "تريتمنت" أو معالجة سينمائية للرواية وعرضها (لم يقل باعها إلا فيما بعد عندما لم يحصل على المقابل المتفق عليه!). وقرأت في الصحف خبر إنتاج الفيلم (المنسي). وقد تم تقديم شكوى لنقابة السينمائيين وسلمت الرواية وفيلم فيديو له، وتشكلت لجنة ولم يصدر الحكم أو القرار على الشكوى حتى تاريخه، لكنني علمت أن احد المحكمين (شفيع شلبي) ترك أعمال اللجنة معترضاً على توجه اللجنة، حيث استفاد السيناريو بالثيمة والشخصية المحورية بل والاسم (يوسف المنسي).
أطرف وأهم من أدلى برأيه في هذا الموضوع، العظيم نجيب محفوظ،، وأشار أن سرقة الأسماء تتوقف على خصوصية الشخصية التي تحملها، وضرب مثلاً بـ(أحمد عبد الجواد) لا يسرق، بينما (عائشة) وهى من شخصيات الرواية نفسها ممكن سرقته بل لا يعد سرقة. وهذا اختصار ممل- لحكاية رواية المنسي-، وثقيل على نفسي لا أحب تذكره. (ما زلت أحتفظ بكل ما كتب حول هذا الموضوع).

س:علي ذكر جماعة نصوص 90، وعلي خلفية كثرة الجماعات الأدبية الآن، ورغم اختلاف الظروف، وسهولة النشر، في القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، هل تري ضرورة لذلك، وما هي دواعي انتشار هذه الجماعات، وما هي سبب اندثارها؟
ج: من حيث المبدأ لا اعتراض على تشكيل أية جماعة أدبية، فالأديب في حاجة إلى من يقرأ له ويقيم أعماله قبل القارئ العادي. كما أن التبادل الثقافي التلقائي بين أفراد جماعة ما مهما لتنمية المعارف. ربما الخفي وراء سؤالك هو توجهك من كون جماعة ما تتحول إلى (شلة) بكل ما تحمله الكلمة من معان. هنا لا أستطيع أن أجيب عليك، ومع ذلك فالجماعات الثقافية هامة!

س:لماذا تم حظر بيع روايتك: العتبات الضيقة؟
ج: لقد تم الانتهاء من طباعة روايتي "العتبات الضيقة" في عام 2001م وكانت أخر كتاب في سلسلة "كتابات جديدة" القديمة. وقد تم استلام نسخي منها، بل ووزعتها على الأصدقاء وبعض النقاد. فلما ذهبت لشراء نسخ منها من مكتبات الهيئة، أفادوا بعدم وصولها من المخازن. ذهبت إلى الهيئة، وسألت عنها، فكانت الإجابة على كمن يبحث عن مكان لبيع المخدرات. وعلمت أنها طبعت ومازالت بالمطبعة، ولم ترسل إلى المخازن. وبمقابلة مدير عام التوزيع في حينه، وأثناء عرض الموضوع فوجئت بأحد العمال-الذي تصادف وجوده بالمكتب- محتقن الوجه، يشير بسبابته نحو وجهي وعيني: "أنت كاتب الرواية؟ أنت السيد نجم؟ هذه رواية تحض على الفساد، كلها جنس".
وكان منى الرد المناسب، حتى تدخل المدير، وطلب منى معاودة المجيء إليه بعد أسبوع. وعلى الرغم أن عملي كان بالإسكندرية خلال تلك الفترة؛ ذهبت إليه، واخبرني انه لم يستطع (إقناع عمال الطباعة بضرورة الإفراج عن الرواية لتوزيعها). وكتبت شكوى للمرحوم د. سمير سرحان، والمرحوم د. ناصر الأنصاري من بعده، ولم يستطع احدهما الإفراج عن الرواية، حتى فوجئت في معرض الكتاب عام2010م بوجود نسخ منها، وقد تم تمزيق الصفحة الأولى في بعض النسخ! وحتى الآن لم أحصل على آية نسخ، ولا املك غير نسخة واحدة منها. الآن أتساءل: ماذا لو هيمن الإسلام السياسي على مقاليد البلاد بعد الثورة؟

س:دائماً البدايات، هي التي تقود شخص ما إلي مصير لا يعرفه، حدثنا عن بداياتك، وما هي المؤثرات التي دفعتك إلي الكتابة؟
ج: قد يبدو أنه من المدهش أن تكون البدايات (في الحادية عشرة من العمر) هي كتابة الشعر! ففي مناسبة الاحتفال بعيد النصر أو عيد بورسعيد أو الانتصار على العدوان الثلاثي (تعمد ذكر المسميات، حتى لا ننسى، وقد بدأنا النسيان فعلا!) المهم كتبت أقول:
"سد يا إيدن سد، وتعيط ونقول لك سد/ حا نبنى السد وأنت هناك/ وتعيط ونقول سد"
أما القراءة، فقد كانت كل السلاسل الرخيصة التي كانت تنشر في بداية الستينيات، من سلسلة "اختارنا للطالب"، حتى سلسلة "اقرأ"، ثم كان قراءة الجبرتي، وابن إياس، ومن لم يقرأ هذان الكتابان في زمننا لا يعد مثقفاً. أما وقد عثرت مصادفة على مجموعة قصص لمكسيم جوركي على سور الأزبكية، وأنا في المرحلة الثانوية، كانت الشعلة التي جعلتني أتوجه لكتابة القصة. كتبت، ولم أنشر إلا عام 1971، عندما تحمس الناقد "عبد الرحمن أبو عوف" لقصة قرأتها عليه، ونشرت في مجلة "روز اليوسف"، وقد كانت أهم مجلة على الساحة في ذلك الوقت. أما عن المؤثرات، فقد تستنتجها عندما تعلم فكرة القصة الأولى المنشورة لي "ليلة من ألف وخمسمائة ليلة". وهى تعرض لزوجة ترفض استلام ما يفيد أن زوجها يعتبر من المفقودين (بعد معارك67) وأنها في انتظاره، لأنه سوف يعود! وهى السنة نفسها التي تم فيها تجندي، ولمدة أربع سنوات؛ فكانت تجربة الحرب هي تجربتي الأولى الهامة، بل وتجربة جيلي. وهو ما انعكس على بالاهتمام بأدب الحرب ثم أدب المقاومة، وحتى الآن.

س: لماذا الكتابة، وهل الكتابة ضرورة؟
ج: ببساطة، لا بديل عن الكتابة عندي إلا الجنون. وقد حاولت الامتناع عن القراءة والكتابة ذات مرة؛ فمرضت، وقررت أن أكتب، وان لم يقرأني أحد!

س:أنت تتوزع ما بين كتابة الرواية، وبين كتابة القصة القصيرة، وبين كتابة الأطفال، وبين النقد، كيف تستطيع الفصل بين كل هذه الأنواع السردية، في لحظة الكتابة؟
ج: الكتابة حالة، ولكل جنس أدبي أو نوع حالته، ولا يمكنني الكتابة المزدوجة، لكنني دوما في حالة كتابة وهو المهم. أبسطها (نفسيا) الدراسات، وأصعبها كتابة الطفل. وبالمناسبة، ليس كل ما كتبته قد تم نشره. عندي الآن رواية، لم أجرؤ على نشرها، وأعمال أخرى.

س:أنت معروف عربياً بشكل أعلي من مصر، وتتجاهلك المؤسسات الثقافية الرسمية، ولم تحصل علي جائزة الدولة في أي مجال، لماذا هذا التجاهل المتعمد؟
ج: لن أدعى البطولة وأعتبر نفسي ممن أضطهدهم النظام السابق، فقط الذي على يقين منه، وما أعلمه حول تجربة ترشحي لجائزة الدولة، أن رفضي جاء تعبيراً عن فساد نظام، وان لم يكن بشكل مباشر، حتى أن الجائزة حجبت في هذا العام، ولم يعلن عن أحقية من يحصل عليها غيري!

س:أخيراً، لابد من السؤال التقليدي المعتاد في مثل هذه الحوارات، ماذا تكتب الآن، وما هي أمنياتك؟
ج: أكتب الإجابة على أسئلتك! وتوقفت لبعض الوقت عن دراسة حول السرد النسائي في مواجهة العدو. دراسة سوف أشترك بها في ملتقى الأديبات الدولي، ولعلك تلاحظ؛ أنه ضمن "أدب المقاومة". أما بعد الانتهاء منه؛ فلا أدرى ماذا سأفعل، ربما أتفرغ قليلاً للبحث عن دار لنشر كتابي، الذي انتهيت منه "ثورة 25يناير.. رؤية ثقافية".

---------------------------------------------------

**نشر هذا الحوار بمجلة الثقافة الجديدة المصرية، وتم سحب العدد من السوق، وإقالة رئيس التحرير، في أغسطس عام 2012