تتعدد الرؤى والقراءات منذ العنوان نفسه في هذه القصيدة بحركاتها المتصادية الأربع، وبقاموسها الشعري الفريد الذي يناوش الفكر دون التخلي عن التعبير بالصورة والاعتناء بتشكلاتها، والاهتمام بالتراكيب الشعرية المغوية في حوارها مع المشاعر والمشاهد وتطلعها للاقتراب من عوالم الفلسفة والميتافيزيقا في آن.

من انعكاسات الحمل

عبداللطيف الإدريسي

 

1. رَفْوٌ وَرَفِوٌ آخَر     

أَكْبُرُ في الحَنين              

وَأُصْغي لِلطّفْل الهارِبِ مِنْ ذاتي

تَفُكُّني العُقَدُ         

وَيَحُلُّ ذَلِكَ الطِّفْلُ الَّذي كُنْتُهُ

في الحَنين

نابِعاً عَنْ بُعْدِ المَسافَةِ المُتَطاوِلَة

مُسْرِعاً بِالتَّواري

في عُمْقِ

        كَأْسي

                ذاتي

المُلَطَّخَتَيْنِ بِعارِ خَطيئَتَيْنِ لَمْ أَقْتَرِفْهُما

                     

 

2. أَمْشي إلى الخَلْف

أَمْشي إلى الخَلْف                         

وَعَيْنَيَّ لا تَريانِ ما تَريانِ                  

بَصيرَتي لَطَّخَها مِدادٌ آسِنٌ

مِدادٌ خَطَّ لَعَناتي القَديمَةَ وَالمُتَواري مِنْ ذاكِرَةٍ مَلَّتِ الصَّدَأَ ..

                                                وَمَلَّ منها الصدأُ

 

أَمْشي إلى الخَلْف

بِعَيْنَيْنِ كَحَّلَ السَّوادُ بَياضَهُما

عَيْنان تُماذِقانِ تَرَسُّبات الأَحاسيس المُنْفَلِتَة مِنْ وَراء مُقْلَتَيْهِما

 

أَمْشي إلى الخَلْف

بِرِجْلَيْنِ شَلَّتْهُما سُبُلٌ تَشُقُّ الوُعورَةَ

ناخِرَةٌ آخِرَ عَرَقٍ يَنْبض في مَكانٍ ما مِنْهُما

وَمَتاهَةٌ مِنْ أَوْعاسٍ راكِدَةٌ تَحْتَ رِمالٍ

تَنْتَظِرُ عُبورَهُما ..

 

أَمْشي إلى الخَلْف

لا التّيه يُغريني

وَلا الاسْتِقامَةُ تَرُدُّني عَنْ اعوِجاجي

دُمْيَةٌ مِنْ خَشَبٍ

بِلا ظِلٍّ

أضْحَيْتُ

دُمْيَةٌ يَعْفُسُها شُعاعُ الضُّحى

هُناك

عَلى أَكْوامٍ مِنْ رِمالٍ

قيلَ كانَتْ لي في بِدايَة شَأْني سيرَةً

 

أمشي وأمشي ...

ولا العين تَقُرُّ

لا الرِّجْل، مِنْ قَيْضِ الضّحى، تَسْري

أنا أَمْشي إلى الخَلْف

وأنت... لماذا تجري ؟

 

 

3. ذُبول

تَنْطَحُني السُّحُبُ

أَنْتَضِحُ

حَباتُ مَطَرِ أَقْطرُ

تَعْصِرُني الرّياحُ  

تَحْملُني بَعيداً

أجِفُّ...

 

تَشْحُبُ الوَرْدَةُ التي لَمْ أُخَضِّلْها.

 

 

4.ديجور حامل

ضَبابٌ كَثيفٌ يَرْتَسِمُ مِنْ وَراءِ النافِذَة

سِياجٌ خَفِيٌّ يَحْجُبُ انْدِحاراتٍ مُتَتالِيَة

تَنْعَكِسُ خَفاياها عَلى قَسَماتِ وَجْهي المُدَجَّلِ وَعِبْء المَشيئَة

       

أَشْباحُ أَشْجارٍ أَكَلَها الخَريفُ تَمْتَزِجُ بِالضَّبابِ المُتَصاعِدِ

فُتورٌ نَزَلَ بِقَلْبٍ نَخَرَهُ الوَجَعُ

بَيْنَما الصَّدْرُ وَالفُؤادُ وَاللُّبُّ

جَميعُها تَبْحَثُ في تُخومِ اليَبابِ عَنْ وَميضٍ انْفَجَرَ أَزلاً

وَتَلاشى في أَحْشائي راسِماً عَتْمَةً أَبَداً

 

أيُّها الضَّباب...

ها أنتَ قَدِ امْتَلكْتَ ذاتي

مَلأتَها

أَذَبْتَها فيك

وَقَدْ أَصْلَيْتَها دُجْنَةً.

فَكَيْف للشَّمس أَنْ تبْهرَني وَهِيَ تُشِعُّ مِنْ وَسطِها

 

                      شاعر من المغرب مقيم في فرنسا

                      بيزوس المحروسة، ما بين 1 و 25 أكتوبر 2012