رسالة أخرى إلى أمي حنان باكير*

فرّاس حج محمد

تحية معطرة بفلسطين، بدماء شهدائها، ورحيق جراحها النازفات، أما بعد،،

بادئ ذي بدء يا أمي لا أريد لك البكاءَ، لأنني لستُ عاقا أو قاسي القلب، ولن أستدر لك دموعا غير تلك الدموع التي تفيض بنا جميعا كل حين، فكلنا في الهم قتلى، بانتظار الدور في طريق المقصلة!

بي مثل ما بك يا أمي من سورة الغضب المقيت، أرواحنا هنا، والأمة الخرساء تلهو بجبنها، وتنام بين أغشية الحرير، لم تعرف محمد أبو خضير، ولا غيره من الشهداء، كل ما عليها هو ما تتابعه من أمر العالم في مساءات "كروية" في "باب حارتها" المخلع، طلبا للراحة من هم ثقيل كأنها في "سرايا عابدين" تستمتع بالحديث مع "صاحب السعادة" والوقار!!

كيف لا تغضبين ولا يغضب الحجر، وأنت ترين ما تراكم من عفن الساسة المستصغرين، الباهتين السائمين أنعاما تجتر علكتها بين فكين تسوست من كثرة الفساد ونواخر السوس الوطنية! كيف لا تغضبين وأغضبُ ويغضب الحجرُ القتيل!

كيف لا تغضبين، وتضج فينا حالة من نارنا، فلعلنا إن كتبنا ما بنا رأينا أكثر عرينا وشقاءنا، فلنغضب حينا وأحيانا نقاتلهم بما يتملكنا من سخرية قاسية، نرسمها على كل فضاء، فهذا هو حالنا منذ ما يزيد عن الستين والسيعين قهرا دمويا من سنين العمر!

عادة الأمهات يا أمي أن تربي الشباب للمحرقة، تزينهم بأبهى العطر، وتزفهم في موكب مسائي مهيب، وصباحيٍّ معدّ دون خوف، تعطي الحصة من دمائنا للوحش كي يشبع ولعله يرتوي، عليهن أقدار الحليم! شهيد تلو شهيد ولن يتوقف درب السماء عن الهطول أزهارا ورياحين!

من عادة هذه الأرض يا أمي أن تشرب، فلها ما أرادت، وعلينا السمع والطاعة، لذلك لا تغضبي، فالناس قتلى اليوم أو غدا، لم تتعب ولن تتعب، وستظل رائحة التراب تستهوي الدماء لتكون في عناقها.

ما يغضبني يا أمي أن لا يكون هناك دم جديد في أرض الأرجوان، قدرنا أن يصطبغ الأصيل بحمرة روحنا، وأن يسكر الليل بخمرة القلوب المفتتة!!

عليك من الله السلام في أرض السلام

ابنك وابن فلسطين

 

 

 

·        كاتبة فلسطينية تقيم في النرويج، لها عدة مؤلفات، وتكتب مقالة أسبوعية كل يوم أحد في صحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية.