تحاول الشاعرة العراقية في هذا النص، لملمة بعض من التشظي الذي تعيشه والذي يدفعها الى نقد المخيال الشعبي المتحكم في مصيرها وصولا الى تلك الخطابات التي تلجم حريتها واستقلالية قرارها في تحديد مصيرها، هو نص جديد ينفلت من معيار التجنيس محكوم بهاجس صوت جرئ وحر يعيد الانتصار لقيم الحرية..

غوانتانامو إبليس..

ماجـدة غضـبان

إهداء: "الى غربة المؤمنين بالحق بين أقوامهم.. والى عشيرة حكمت علي برفع لقبها من اسمي خوفا على شبع بطونهم بعد جوع و حصار..."

 

أود الخروج من هذا المكان..

لعلي حين أركض في الوادي أجد مخرجا ما من ضيق صدر الجبل بي..

الكهوف المظلمة تختبيء خلف فوضى الأشجار..،

والشمس تجلس على رأس الجبل في غير تعال منها..،

ولغط القرية ينطح السماء دون منائر..، دون رغبة من الرب في صلاة قومه..

ليس جديدا عليّ تبرمهم من توغلي في الغابة..،

ولا موافقتهم لفتوى جوان مخترع العابنا الذي لا يضاهيه أحد في ذلك:

ـــ هذا لا يقع ضمن إتفاقنا على قوانين ألعاب ألفناها كل يوم..، كما أننا نعرف جيدا أن السعلاة والوحوش تتربص بنا هناك..

حكاياتي عن السهل الممتد في أراض لا تستوطنها الأشجار أضيفت الى أطنان الكذب التي رصدوها تطن في رأسي طنين الذباب، وأصبح لديهم يقين بجنوني عندما أعلنت سورة البحر و الصدف، وامتداده حتى خط غريب يرافق الشمس أينما ذهبت، لا ترى بعده العين شيئا..

أما سورة النهر و عذوبة مائه، وإتصاله بنبع قريتنا، فقد كانت محض نكتة، تندروا بها علي طويلا، و صرت ـ وفقا لغرابتها ـ خاسرا بينهم في كل لعبة، وإن فزت فيها حقا، أو تفوقت على جوان أيضا..

اشتكى بعضهم لأبي بسبب إفسادي لسباقاتهم وألعابهم بسوري العابثة بيقينهم الخالص..

ـ لا تقصي كل كابوس حلمت به على رفاقك في اللعب..

هكذا نصحني أبي موبخا إياي..

لم يجد نفعا قسمي له أنني قد سبحت حقا في البحر،

وفي النهر مرارا،

لم يفهم أصلا معنى كلمة سبحت، ولم يعرف معنى كلمتي نهر وبحر، فجميع ما قلته من غريب الألفاظ، تمخضت عنها لغتي الأنثوية اللقيطة..بلا شك أسَرَتني الوحدة..،

وأضحيت أرتقي الجبل كل يوم قاصدة كهف إمرأة عجوز، أتهمت قبل أن أخلق أنا بالجنون..

عظمت فرحتي..

حين صدقتني تلك المجنونة،

و وافقتني مؤمنة بوجود كل ما أنكره الآخرون علي.. ، غير أنني سرعان ما شرعت ببكاء مرير، وأنا أصغي لنصائحها الهادئة..

في الليل،

وأنا أرتجف تحت دثاري مغتالة بحمى الاغتراب، تذكرت ما قالت، وعيناي تطاردان النجوم في تظاهرتها التي لا تنتهي الا عند قمة الجبل..

ترفّل صوتها أمام الصمت كما لو ان وحي جبريل قد تداخل معه..

ـ لعلك عند مفترق سبيلين لا ثالث لهما، إن شئت استمري في ثرثرتك حول ما لا يرونه حتى تصادفي يوما ما طفلا جريئا يتناوشك بالحجارة، لينضم بعدها أقرانه اليه.. يتبع ذلك إستحسان الكبار لما يردده الصغار، لتمر الأعوام، و تشيخي في كهف مشابه لكهفي..

وسيان إن هربت بجلدك عند أهل النهر والبحر، فهناك أيضا لن يصدقوا حكاياتك عن الجبل والوادي، والناس التي لم تر نهرا أو بحرا أبدا، ولن يطول الوقت حتى يتجمع حولك الصغار بحجارتهم، و الكبار بتندرهم..

استطالت الكلمات كعتمة ليل لا ينتهي،

وشق علي أن أحتمل صدى صوتها بين رؤوس الجبال،

و قعر الوديان لولا تمرد فكرة في رأسي المضطرب..،

قمت بتنفيذها على الفور على ورق المدرسة الرخيص

دونت ما علق بذهني مما رأيت،

كما تدون قصص الخيال و الروايات..

ـ أتندهشين مما أفعل يا جدة؟

أظن ان لكل شيء هيئته الاسطورية بين منحنى الادعاء المضطرب، واستقامة الصدق العجول، وبلاهة الايمان...

ربما سأحشر كتاباتي يا جدة في قوارير زجاجية مغلقة لتسير مع مجرى النهر والبحر.. وصولا الى منتهى إلتقاء السماء بالأرض.. لعل مجنون آخر يعثر عليها، فتغتنمه سعادة وجود من يشاركه جنونه ، وقد تكتنفه شجاعة الرسل بما يكفي لوضع قصته بقارورة تبلغني مع ريح الشتاء الثلجية.. ربما يا جدتي المنفية في كهف، سنتفق بعدها أنا والمجنون المفترض على موعد لقاء..  وقد تتكاثر القوارير كتكاثر الأنبياء في العصور الغابرة.. وتصبح أكثر من السمك، وما تحمله الريح من بذور لقاح، فلا يحصي صياد سمكة الا مع قارورة أو ثلاث.. ولا تهب عاصفة الا ومعها قوارير المجانين..قد نغدو شعبا من صناع القوارير، نقيم في كل مكان مهرجانات تتناثر كأوراق خريف، وتتناغم مع الفصول.. قد نتجمع في جزيرة غوانتانامو دون حراسة مشددة، و برغبتنا المحض..وقد يعدو هذا محض هلوسة مني يا جدة..، أو نضوج مبكر لجنوني، قبل أن يكتشفه رفاقي الصغار، و كبار القرية..،

قبل موعد رجمي بحجارة كإبليس في كعبة الحجيج..

 

ملاحظة لجدتي قبل اقتراف المعصية: "أنا في طريقي الآن الى البحر كي أرمي فيه أول قارورة جنون..."

 

كاتبة من العراق