السوسيون العصاميون بالدار البيضاء

يواصل د/ عمر أمرير مشروعه الثقافي  التنقيبي في ذاكرة وهوية المجتمع المغربي ضمن رؤية أركيولوجية وسوسيولوجية  تنبني على منهجية واضحة وأدوات إجرائية ميدانية اكتسبها الباحث من خلال ممارسته الجامعية – الأكاديمية والإعلامية في التلفزة المغربية .

فبعد تآليفه في الشعر المغربي الأمازيغي ورموزه في الجغرافيا المغربية ثم في الدارالبيضاء ، وحديثه عن تجربة الديمقراطية في قبيلة آيت عبد الله  خلال النصف الأول من القرن الماضي ، يجتهد في تأليف كتاب تراجمي طريف يضم بين دفتيه 33 شخصية متنوعة ومختلفة من السوسيين الذي قَدِموا من الجنوب المغربي  منذ سنة 1910 ،وتحديدا من مجال جغرافي واحد تنتشر فيه الأمازيغية السوسية، المشترك بينهم هو الطموح والحس التجاري والاقتصادي المبكر  والأخلاق المؤسسة لتقاليد ما زالت مرتبطة بمسارهم  الذي ترك آثارا اقتصادية واجتماعية بالدار البيضاء ومجموع المغرب لاحقا .

إن هذا الرصد الذي يقدمه د/ أمرير يستدعي معاودة قراءة تاريخ المغرب الاجتماعي  بشكل جديد ، ليس في الدار البيضاء وإنما في كل  مدينة من مدن المغرب ، خصوصا خلال المائة سنة الأخيرة والدور الذي قام به أهل سوس أو أهل فاس والريف والوسط والشرق في بناء الحضارة المغربية من خلال نماذج  حاضرة  بمشاريعها وذكائها وعصاميتها  التي تصلح لأن تكون دروسا  شامخة في الجد والاجتهاد والأخلاق الرفيعة والتكافل والعدالة الاجتماعية ، وأكثر من هذا في النجاح والوطنية .

ولعل قارئ كتاب "العصاميون السوسيون في الدار البيضاء '' لعمر أمرير الصادر مؤخرا   سيشعر بفخر كبير ، سواء كان سوسيا أو من أية جهة من جهات المغرب  ، لأنه يرى مغاربة بسطاء كافحوا من أجل إعطاء النجاح قيمة ثقافية كبرى  من خلال نماذج الحاج عابد العيسي  وآل بوفتاس وآل أخنوش والمانوزي وأبو أيوب ولحسن التونسي وابنه الأب جيكو وموعمامة وعمر نص بلاصة ..... أسماء وحكايات تستحق أن تكون قصصا  عن العصامية في تراثنا الحديث .

فكل شخصية من هذه الشخصيات – وهي فقط نماذج عن الآلاف من الشخصيات في مجموع المغرب ، سواء ممن استقروا في مدنه أو من المهاجرين في أوربا وأمريكا – تتفرد بخصائص فريدة في شق طريق الكفاح من أجل النجاح المشروع  والانخراط في الأعمال الاجتماعية التكافلية .

قبل ذلك مهد د/ أمرير لمؤلفه بالحديث عن الجيل الأول من السوسيين الذي وصلوا الدار البيضاء في الفترة ما بين 1784 و1910  حينما استقدمهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله إلى أنفا. لما جبلوا عليه من طبيعة الجد والحزم والأنفة ؛ ومن هذه الأسماء: اجضاهيم ، الكنداوي ، براد ، الصنهاجي ، بو الضربات ، بو الزرع ، الكابوس ، أناكوف ، أبلاط ، الغزواني ...