هنا تقرير آخر يرصد تفاعلات الانتخابات القادمة والتي تجرى في الأراضي المحتلة، ويتناول خلالها كاتب المقال اللائحة العربية في مقابل التجربة الرائدة لفرع الناصرة للحزب الشيوعي والتي يقابلها اليوم هذه الإرادة المشتركة لاستصدار لائحة متآلفة لجميع القوى، وبين هذا وذاك يتتبع المقال بالدرس والتحليل فكرة القوائم وأفاقها.

العرب في إسرائيل: قائمة مشتركة للعشائر العربية؟

نبيل عودة

يبدو أن لا أحد يتعلم من أخطاء السابقين ومن مفاهيم شخصانية ثابتة مثل جبل الجرمق بأن  قياداتنا العربية لا بديل لها. الرئيس آو القائد بات يتوهم أنه هبة إلهبة لا تحدث إلا مرة كل نصف قرن على الأقل. هذا ما تعلمناه من تجربتنا. هل بالصدفة إذن الأزمة السياسية التي تعصف بمجتمعنا؟ هل بالصدفة ان سياسة الأحزاب لم تعد تجذب الجمهور العربي، وتبدو كبضاعة فسدت ولم تعد تشد المستهلكين حتى لو خفضوا سعرها للحضيض؟

مجتمعنا العربي عبر على تجربة سياسية مثيرة عندما نجح فرع الحزب الشيوعي في الناصرة، بقيادة المرحوم غسان حبيب بإقامة تحالف واسع من اجل التغيير في بلدية الناصرة التي عانت المدينة من سياسة إدارتها الحمقاء  وفشلها في تطوير المدينة العربية الأساسية، إدارة عجزت في وقته عن تخطيط مستقبل المدينة التي باتت تعاني من عجز في جميع المرافق، خاصة في بناء المدارس، وشق الشوارع ، وتطوير البنى التحتية، وفوضى البناء وغير ذلك مما لا أجد ضرورة لاستعراضه في هذه العجالة..

قاد غسان حبيب شخصيا فرع الحزب الشيوعي في الناصرة نحو مواجهة سياسية ضد وزارة الداخلية التي حلت بلدية الناصرة في خطوة أولى لامتصاص الغضب الشعبي،  وأوكلت إدارة المدينة للجنة معينة.. التي لم تقم إلا بزيادة الضرائب البلدية وتوفير معاشات الموظفين.. عمليا، إبقاء المدينة العربية الأهم في قاع سلم التطور البلدي والاجتماعي، شن الحزب في الناصرة حملة سياسية ضد اللجنة المعينة وضد وزارة الداخلية التي أجبرت على إقرار إجراء انتخابات جديدة لبلدية الناصرة. بنفس الفترة كانت تتشكل مركبات الجبهة بفضل النشاط والتخطيط الدقيق والقيادة الواعية التي ميزت فرع الناصرة للحزب الشيوعي في وقته.

تعالوا نستعرض أهم مميزات تلك التجربة بعد أن نجحت جهود الحزب الشيوعي في الناصرة بقيادة الشيوعي العريق غسان حبيب،  بإنشاء ائتلاف واسع تحت اسم جبهة الناصرة الديمقراطية، وقد شمل هذا التحالف الشرائح الآتية:

الحزب الشيوعي، رابطة الجامعيين ومعلمي المدارس الثانوية، لجنة التجار والحرفيين وأصحاب المصالح الخاصة، لجنة الطلاب الجامعيين أبناء الناصرة. للأسف يجري تجاهل تلك التجربة اليوم، والقفز من فوق القاعدة الفكرية والتنظيمية  التي كانت حجر الأساس في بناء التحالفات السياسية في الناصرة أولا ثم، انتشرت في سائر المدن والقرى العربية،  وكانت القاعدة المادية والفكرية لإقامة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على قاعدة الانتصارات في انتخابات السلطات المحلية في الثمانينات من القرن الماضي.

تلك التجربة لم تستمر لأسباب لا أود طرحها الآن لحساسيتها الكبيرة لدى البعض. المعروف ان هيئات الجبهة جرى تفكيكها بعد عزل غسان حبيب وإقصائه من مسؤولياته الحزبية والبلدية. بعد اقل من عقد على الانتصار الأول في انتخابات بلدية الناصرة.

اليوم يجري الحديث عن إقامة قائمة عربية مشتركة. أقول بوضوح كبير وثقة كاملة، ان تفكيك الجبهات الديمقراطية التي سادت مجتمعنا، خاصة جبهة الناصرة، كانت هدفا  ذاتيا أعادنا سياسيا واجتماعيا نصف قرن إلى الوراء. تفككت رابطة الجامعيين التي ضمت أكثر من 700 عضو في الناصرة وقامت بنشاطات ثقافية وشعبية واسعة جدا، حلت لجنة التجار والحرفيين التي ضمت مئات الأعضاء، تفككت لجنة الطلاب الجامعيين أبناء الناصرة بمئات أعضائها أيضا. تحولت جبهة الناصرة إلى شبه حزب الانتماء إليه شخصي. أي لم تعد جبهة، بل عادت لتكون الحزب الشيوعي وغير الحزبيين تحت اسم جبهة... أي فقدت روحها الجبهوية التحالفية الموحدة المتماسكة، وأقام بعض أعضاء تنظيم رابطة الجامعيين وأعضاء من الهيئات الجبهوية السابقة ، بما فيهم أعضاء انشقوا عن الحزب الشيوعي،  قائمة خاضت انتخابات البلدية، ثم تحولت إلى قائمة قطرية خاضت انتخابات الكنيست أيضا تحت اسم "القائمة التقدمية".

 بدأت مرحلة التراجع وصولا إلى الفشل المهين في آخر انتخابات بلدية للناصرة، صرنا مجتمعا تسوده الطائفية السياسية ، بدل مجتمع يرتقي وعيا وثقافة وفهما لواقعه، تعمقت العائلية السياسية بدل مجتمع  تسوده الواقعية السياسية، عندما التقيت برفيق من أيام قيادتي للشبيبة الشيوعية في فرع الناصرة، وعضو حزب لسنوات عديدة، رد على سؤال لي "لمن ستصوت؟" بقوله "سأصوت لابن ديني" أيقنت أننا لم نعد مجتمعا واحدا بل عشائر لا تربطها علاقات اجتماعية أو سياسية وطنية. لم يعد يربط بيننا أي فكر متنور. لست ضد ان يصوت أي شخص لمن يراه مناسبا لرئاسة البلدية (علي سلام في حالتنا) هذا حقه الديمقراطي الذي أحترمه  ولا اعترض عليه. أما الجواب فكان تجاوزا لكل المنطق السياسي الذي زرعته الجبهة في الناصرة مع تأسيسها وانتصارها..

عن أي قائمة مشتركة يتحدث اليوم من يتوهمون أنهم قادة هذا الشعب؟ هل يمكن إقامة وحدة من حزب وضع على رأس نشاطه هزيمة الجبهة ونجح أخيرا في انجاز ذلك الهدف ، واعني التجمع الوطني لأيتام قطر؟! هل يمكن إقامة تحالف مع حركة طائفية وعلى شعاراتنا نقشنا محاربة الطائفية السياسية في مجتمعنا؟ حركة كان دورها السياسي أيضا تعميق الانتماء الطائفي على حساب الانتماء الوطني؟

أحترم احمد الطيبي ولا اقبل تحالفه مع الإسلامية. لا اقبل مبرراته أن الوصول إلى الكنيست هو الهدف الأسمى  حتى بقائمة لا يقبل فكرها الطائفي. التجمع الوطني يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد استقالة أكثرية  نشطائه  وتشكيلهم لحزب جديد  تحت اسم "حركة كفاح"،    ان تشدق قادة التجمع بحصولهم على 100 ألف صوت في الانتخابات الماضية هي من باب عودة الشيخ إلى صباه. اتركوا هذا الحزب التخريبي الكبير ليموت موتا طبيعيا، لا تعطوه أوكسجين لإطالة تخريبه الوطني... الحركة الإسلامية تدعي أنها خمسة أعضاء، متناسية أنها تجمع يشمل الطيبي، اقدر قوته بمقعد ونصف، الحزب الديمقراطي العربي، أيضا له قوة لا تقل عن مقعد ونصف، الحركة الإسلامية الجنوبية لا تملك أكثر من مقعد واحد أو واحد ونصف.. خاصة وان الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح تقاطع الانتخابات  ومقاطعتها تبرز بقوة كبيرة لا يمكن تجاهلها . طبعا هناك الحزب القومي الذي اشك بوجود تأثير هام له  ونسمع اسمه بالصدفة انه ضمن تشكيل القائمة العربية الموحدة.

التقديرات الواقعية أن الحركة الإسلامية ليست في صعود بل بانحسار متواصل في تأثيرها السياسي. الديمقراطي العربي شبه ضائع  وما تبقى منه هو الاسم فقط. من مصلحة مجتمعنا تقليص الطائفية السياسية، تقليص العائلية السياسية. في التلخيص الأخير أي تحالف في إطار قائمة مشتركة يتناقض تماما مع سياسية الجبهة الديمقراطية وحزبها الشيوعي.

كل ما فهمته من الضجة حول القائمة المشتركة إنها وحدة عشائرية عصبية تفتقد للقاعدة الفكرية أو حتى لمفاهيم سياسية تجمع بين القوائم. واقعنا كأقلية مميز ضدها  لن يتغير بقائمة مشتركة لا توصل أكثر  مما لها اليوم. الخطر ان تظهرنا هذه القائمة بوجه بشع في نضالنا السياسي والمطلبي. لا يمكن البناء على الحماسة التي نحملها للوحدة.. وحدة بدون تحضير قاعدة فكرية واستراتيجيات نشاط هي مجرد شعار بلا مضمون. المشددون على الوحدة يريدون إنقاذ مقاعدهم وهذه ليست وحدة بل حسابات تجارية.  هناك بون شاسع لا يمكن التجسير عليه إلا إذا كانت الحسابات مقاعد لبعض المنتفعين وهذا الأمر لا يشغلني كمواطن.. ويبدو ان الامتناع عن التصويت هو الحل لإسقاط العصبية العشائرية!

nabiloudeh@gmail.com