الصورة التي يشكلها الشاعر والمترجم المصري المرموق للوطن تسمو الى أبعد مدى، حيث يعرج الصوت من المنفى ليقفل عائدا الى تراب مرغ فيه الكثير من الأماني. ولأنه كثلة أحلام، وأيضا خيبات، يرسم الشاعر من متخيله الشعري الخصب جزء من هذه الصورة السديمية والتي تأبى عن الانمحاء.

الصفر... في العظم!

محمد عيد إبراهيم

كزهرة الفلّ حين تموتُ، أكتبُ: بلادي،

بحنانِ إوَزَّةٍ من دونِ ثديٍ،     

كأني عنصرٌ جَزّه المِقَصُّ إلى سَجنٍ رهيبٍ،

ليهاجمَ بعضي بعضي،

وقد صِرتُ مَجنوناً من الغيظِ ـ

 

أُنيرُ ليلاً في طريقي إلى المذبحِ، وإن

يكُن بمرارةٍ، إلا أني أتعذّبُ

وهي تصرخُ، تقفزُ على بطني، وأنا

"قوِيَ الضعفُ فيّ"، بلادي: مِهمازكِ نُشّابٌ

في روحي العجيبةِ، من أناشيدكِ...

 

عِجلُكِ الذهبيُّ على كِتفي، كخُفّاشٍ نَهِم،

بينَ ساقَيهِ المُقَوّستَين رغباتٌ

يضرب بها عنقي، كرُبّانٍ خَشِنٍ، ووحيدٍ

إزاءَ سماءٍ مُخلَّعةٍ، لا ترمِشُ بالأخيلةِ،  

ورائحةِ بُرازٍ، جنبَ أعينِ مُحتَضَرين؛

 

لا يومَ ينسَخُ ماضيهِ، لا أنا موجودٌ

ولا أنتِ، يا بلادي، لا يشردُ الموتُ عن

حِقوَيكِ، لا يُحرقُ قلبَكِ عشبٌ ظَمَأ، لا

يتَسكّعُ الضِّحكُ من جُثثٍ يغطّيها

قطنٌ تَنَدّى بأحلامٍ كزوارقَ مهزومةٍ؛

 

تعلو الأسوارُ، تزهو وتموتُ، كلّ خطوةٍ

طَمْثٌ، كلّ صيادٍ أريبٍ ضاعَ في جبلٍ،

وشاركتُ في اللّهبِ بإرثي المخنوقِ،  

ناديتُ: يا بلادي؛ فاختفى الطيرُ من وَسَخٍ:   

تلعبين في فَرْجِكِ المُسوَدّ... أمامَ الله!

 

وقَلّمتِ براثني، يا بلادي، من الغازِ والخوفِ

نحو هلاككِ، كهيكلٍ عظميٍّ يرفرفُ ساعةَ

النصرِ، لتلطيفِ حُمّى، حولكِ الشجرُ حريقٌ

أن أردّ عليكِ ثوبَكِ، بينما أنتِ، دونَ توقّفٍ،

بعدَ مِرانٍ طويلٍ، بطلٌ خرافيٌّ بألعوبةٍ.  

 

طيلةَ الدقائقِ الأخيرةِ، كَومةٌ من عرائسَ

في جِنازٍ، إلى حقولِ مُلكِكِ، وهي تنبو 

عن المتعةِ، كلّما رتّبَ رَسّامٌ أن يصطفيكِ،

ويحملَ الشعلةَ، تكشفينَ درعكِ الساخنَ

الهاربَ، وازدادَ ثُقلاً مَسِيرُكِ، في زَبَدٍ...  

 

(*) شاعر ومترجم مصري