للشاعر الفلسطيني ديوانان (دم الغريب) و(مذكرات فارس في زمن السقوط) وها هو يقدم في هذه القصيدة تناوله لزمن السقوط الفلسطيني الجديد.

العشاء مابعد الأخير

أحمد أبوسليم

إلى ناجي العلي بعد موتنا الأخير  

 

 

 

 

 

             لأَجلِكَ أَحفَظُ الصَّلواتِ في كَأسٍ
             عَلى أَشلاءِ مائِدَتي
             اُعَتِّقُها
             نَبيذاً في شَراييني الَّتي اهتَرَأَتْ
             لِتَغسِلَ آخِرَ الأَفياءِ
             ظِلَّ وُرَيقَةٍ لَبِسَتْ
             بَياضَ اللَّيلِ وَارتَعَشَتْ
             عَلى عُكّازِ شَيخٍ نامَ كالمِفتاحِ
             مُنذُ تَقَمُّصِ الأَرواحِ
             شَكلَ البابِ
             وَالمَمشى
             غَريباً تَقطَعُ الأَحزانَ فَوقَ الماءِ
             تَحتَرِقُ الفَراشاتُ الَّتي حَطَّتْ
             عَلى أَوراقِكَ البَيضاءِ
             تَنكَمِشُ المَسافَةُ بَينَ شاهِدَتينِ
             في المَنفى....
             وَتَنتَصِرُ الجَنازَةُ
             مَن أَنا لأَقولَ إنّي قَد أَضأتُ المَوتَ 
             خَلفي في الطَّريق ِ ؟؟
             رَصاصَةُ الصَيّادِ
             مُفرَدَةُ البِدايَةِ قَبلَ لاءٍ
             كُلُّ جوعِ البَحرِ جوعي
             كُلُّ روحٍ تَقبَلُ التأجيلَ مِثلي
             وَالصُّعودَ مَعَ الصَّلاةِ
             إلى الجَليلِ
             إلى نِهاياتِ المَآذِنِ
             وَالنَّخيلِ
             وَكَرمَةٍ خَضراءَ
             أسموزيَّةٌ روحي
             وَخَيطٌ صاعِدٌ

ماءٌ
لُهاثٌ
وَالمَدى يَمتَدُّ فَوقَ رَصاصَةٍ عَمياءَ أُنثى
أرتَقي دَرَجَ الجَنازَةِ
أَعجِنُ الحِبرَ المُعَتَّقَ مُنذُ طُوفانٍ
وَأَملأُ حِكمَتي مِلحاً
أُوَسِّدُ قَلبيَ المَفجوعَ حَنظَلَةَ الشَّعيرَ المُرَّ
أَنساني وَراءَ القَلبِ
أَنساني
لأَنساني
بِلا عُكّازِ هَمزَتِنا
لأُخرِجَ مِن رَمادِ هَزيمَتي كَفّاً
بِخَمسِ سَنابِلٍ حُبلى
وَمائِدَةً
بِعَرضِ البَحرِ تَكفي في زَمانِ الجوعِ
أَوَّلَنا
وَآخِرَنا
غَريباً تَقطَعُ الأَحزانَ فَوقَ الماءِ
تَحتَرِقُ الفَراشاتُ الَّتي حَطَّتْ
عَلى أَوراقِكَ البَيضاءِ
تَنكَمِشُ المَسافَةُ بَينَ شاهِدَتينِ
في المَنفى....
أُلَملِمُ ما تَبَقّى مِن فُتاتِ الخُبزِ
خَلفَ عَشاءِكَ المَفقودِ
أَملأُ كَأسيَ المَثقوبَ بالأَحلامِ
أَقطَعُ حِصَّتي مِن لَيلِكَ المَوعودِ
أَبكي
كَم سَأَبكي تاجَكَ الوَرَقَ المُحَنَّطَ !
كَم سَأَبكي في المَسافَةِ بَينَ صَمتي وَالهَشاشَةِ !
في الجَنازَةِ
حينَ تَصعَدُ دَربَ حَيفا
حينَ أَخلَعُ عَن ثِيابي
بُردَةَ المَوتِ الحَزينِ
وَحينَ أَخلَعُ عَن عِظامي
ما نَسَجتُ مِنَ الأَنينِ
وَحينَ أَخلَعُ خاتَمي عَنّي
وَأَسبَحُ في المَرايا عارِياً مِنّي
وَأَحرُسُ في غَياهِبِ فِتنَتي صَمتي

 

 

دِثاري!
كَم يَهوذا أَرتَدي تَحتَ العِظامِ
لِيَعتَلي في عيدِ مَوتِكَ مِنبَري !
لِتَموتَ
ثُمَّ تَموتَ
ثُمَّ تَموتَ
ثُمَّ تَموتَ
كَي أَحيا
وَكي
أَحيا