تقدم (الكلمة) في هذا العدد ديوانا للشاعر اليمني ونيس المنتصر، يرتكز في كليته على موضوعتي الحضور والغياب، ومن خلالهما يوزع الشاعر رؤاه على تلك التفاصيل الصغيرة ومفارقات اليومي، وفي المابين، يتلمس شيئا فشيئا كينونته الخاصة وهي تحب وتصرخ وترى لعلها تجد في مآلات هذا العالم الغريب شكلا وصدى لحضورها.

لا شيء أكثر ولا أقل (ديوان العدد)

ونيس المنتصر

 

1
أنصت إلى الأشجار
وأمشي بمحاذاة ظلالها
أزرع لسمائي غيوما من الدخان
ومن الدموع أرسم ضحكات باردة
تفقدني الذاكرة ولا أفقدها
دائما ما أفتح أبوابي للرياح
حين تكون أبواب حجراتنا مفتوحة

لا نرى أحد في الخارج
وحين نغلق الأبواب

نرى كثير في الداخل
دائما ما أشتاق إلى البعيد

أكثر مما يلزم
كنت قد حلمت به
ولم ينتهي الحلم بعد
بداية الحلم كانت احتمالاً
وأصبحت واقعا
بينما نهايته تبدو مختلفة تماماً عن الاحتمال
وكذلك الواقع.

 

2
الشمس
حينما تنظر اليها لأول مرة
لا ترى سوى شعاعها
تتكدس حرارتها في عيونك
وحينما تغيب
تشعر بالحرقة

 

3
حينما يكون كلما حولك فراغ
وما حوله جميع الأشياء كالقش
فإنه من الضروري عليك

أن تتمسك بذلك القش
لأن العراء يقول لك كذلك
يقول:
قف هنا قبل أن تنتهي الأشياء.

 

4
الحياة هنا مُتَأَرجحة
أحياناً تصعد الى الأعلى
وفي حين اخر تتدلى إلى الأسفل
النادر منا من يصعد اليها وينجو
وبعض ينحدر إلى القبر
وهناك من بقي في المنتصف.

 

5
أحبك
حتى تدرك أن الحب يمضي بخلسة دون أي تحكم
أحبك
وأشعر في حبك
يجري مرارا وتكرارا في الشرايين

أكثر من دمي،
أحبك
وأنا معك
وحتى وأنا وحيد
أحبك
وأحبك
حينما أتحدث
وحتى حينما أصمت
أحبك
وأحبك
وأنا سعيد
وحتى وأنا حزين
أحبك
وأحبك
حينما أضحك
وحتى حينما أبكي
أحبك.

 

6
عيناك اللتان لطختهما الشمس
ستغسلهما دموعي
وقبل أن أبكي سأنظر إلى الأمطار

وهي تنهمر
في وسعك القول أنني سأكون لأجلي
وحيدا
من يصر أن انساه
سأنساه قبل أن ينساني
سأمتنع عن المشي خلف الظلال
أصلي للطرقات
كي لا تقف خطواتي عند زمن معين
وأغني للموت
كي يدرجني في قائمة الموتى
وينساني
أبدو هش للغاية
رئتي مثقلة بالدخان
قدماي مثقلات بالغبار
شفتاي مثقلات بالبرد
حتى القبلة التي تمنيتها من امرأة
جاءت بها فراشة
كل الذين مضى ماضيهم
كلهم على غرار واحد
رحلوا ولم يسألوا عنه
وأنا لم ازل هناك
إلى الآن
لازلت أحبك  
ولا زلت تكرهني
لذلك سأنتظر
حتى يأتي يوما وأرد لك كراهيتك
حينها سنكون أوفياء.

 

7
كشجرة مثقلة بالجليد
خلعت ظلك في الشارع
حدقت كثيرا
خلفك في الأعلى تفاحة وغصنان
لا يمكنني سرقهما
قبل أن أتسلق سيقانك وأصعد اليك
أن الطريق صعبة للوصول
حتى أنني لم أتمكن الحصول على غصن
أو ما شابه ذلك
لا ابدأ بفعل شيء أرغب فيه ويمتلكه آخر
بل أنا من يبدأ بالتحدث كثيرا عنه
لهذا يجب ان تبدأ بفعل ذلك
دع رغبتي تتسرب إليك،
اترك رغبتك تتجه دون تحكم
ربما كان التشابه حقا
او لنقول:
انها مجرد محاولة لا أقل ولا أكثر.

 

8
عند إحدى ضحكاتي
ستكتشف أنك مخطئا
بالنسبة لي ليس كذلك
كان الصوت عالياً

أو لم يكن
ستسمعه ولو بفم أحد العصافير
التي تحمل الرسائل
للأشجار والنوافذ.

 

9
بالأمس،

تزاحم العبير بداخلي
والأنفاس متسارعة للخروج
إلى الأثير الذي يحيط بك
حتى الآن
لا أدري ما يدفعني دون قصد
لتعلم انني أبدو كذلك
أبدو كطائر فقد جناحه الأخير.

 

10
أنا كصورة قديمة
حينما كان يلونها طيفك،
صارت كقوس قزح
أنت كشامة في عيني،
دمعتي التي حملتها يدك
صارت نجمة،
بينما دمعتك
كان قد التهمها قلبي

قبل أن تسقط
كانت أشياء...
صارت

مجرد

ذكريات
للندم
أو ربما للنسيان.

 

11
عصافير تغادر الاشجار،
قبل مجيء الرياح..
حينها تركت رائحة عطري للمطر،
قبل أن تأتي  الشمس..
ها انا الآن أمر من هنا،
أهدي أغنية قديمة للذكرى
أيام الأنتظار العميقة بالأمل

التي قضيتها هنا
لم تنساها الذاكرة بعد
اليوم أيضاً أمر من هنا وحيدا
ويرافقني ظلي..
وحدي الحاضر دونك
ووحدك الحاضر مع الحاضرين جميعا دوني،
وحدك الغائب المفرد،
ووحدي غريبا دونك،،
أنا الدفتر الممتلئ بالفراغات،
أنا الدموع التي انهمرت نحو اللاشيء،
أنا الحقيبة السوداء الوحيدة التي لم تسافر،
وأنا الكلمة التي لم يقولها أحد بعد
لهذا لن أحن إلى شيء
حتى يصحو حلمي ويراني
حتى يمر الزمان من هنا
ويحن إلي
حينها سيذكر المكان أنني كنت هنا
كنت الذاهب الى هنا
كنت القاعد هنا
كنت الواقف هنا
كنت العائد من هنا
ويحن إلي
ثم حين أعود إلى هنا
سأقول لكم:
أنني مازلت أحن إلى هنا.

 

12
الحقيقة لا تخفى بل الشتائم
كانت المسافة أقرب إلي من الزمن
وكأني كنت متشبثا في الفراغ
لأجل الحب تخليت عن أشياء كثيرة
منها العثرات
لست حبيبا لأحد، حتى يحبني
لكنني لست قاسيا
ولن أخفي عنكم شيء
لا أجيد التعامل السلبي
أبغض ذلك كثيرا
لقد حاولت من ترميم ذاكرتي

التي اتسعت شروخها
حاولت إنكار المكان من الذاكرة
لقد نسيت الأمل
وحتى لو نسيت الحزن يوما
لن ينساني
أجلب للساني مرا
أجلب لعيوني ما يأتي بالسهاد
وحينَ أمضي إلى آخر الليل
لا شيء سوى الظلام
جسدي المنهك
بالي المرهق
قلبي المتعب
مجرد مقابر للموتى لا أكثر.

 

13
لست محترما بقدر احترامك لأصدقائك
لهذا تكرهيني
لست محترما بقدر احترام اصدقائك لك
لهذا تحبيهم
اما أنا فمتمرد وعلاقاتي ابنيها لأجل مصلحة،،
هي العلاقة ذاتها
لم أعد أرغب في المرور من هذا الباب
الباب الذي خرجتي منه
لم أعد أتذكر الحدث بقدر موقعه
ولا موقعه بقدر فاعله
حيث أنني اتذكرك جيدا
أتذكر كل الذين أحبهم
ولو نسيني احد منهم
فإنني سأفتح له قبر ضيق
ولا أعرف ما اذا سيتسع

للجنة
أو للنار.

 

14
في النظرة الأولى

لم أكن أقصد حبك
لكنني منذ انهمرتُ الدمعة الأولى

وأنا أحبك
إلى ان اتت الدمعة الأخيرة واخبرتني:
ان انهياري يواسي العُشاق

الذين ضاعت امنياتهم

في فضاءاتٍ مجهولة
لهذا أطمر هيكلي في غيوم بعيدة
ليصبح السماء الوحيدة

التي تحتضن الوحيدين
ما الموت

إلا مرض مزمن
ولا يزال الموتى يعانون من الوجع
لا أحياء في هذه الحياة
ولا أحياء في ذلك الموت
أحدقُ الى القريب
وأفكر في البعيد
ماذا لو أن الدموع تتذكرني يوميا
هل سأعود لأحبك؟!.

 

15
انتظرت أقدامك لتتجه نحوي
لكنك لم تأتي،
علي أن أضع يدي على خدي
واحسرتاه
حتى اقدامي لم تعد لتتحرك،
المسافة الطويلة للوصول اليك عبرتها
والقصيرة
مثل يدك،

حينما بخلت بالسلام وتجاهلتها،
الظلال تغادر
حتى التي تحت الأشجار،
"هل نسيت العهد أم حجبت عيناك سحب عن نظري؟!"
تمردت حتى عن أحلامي
ولأن لا حلم تحقق فعلا
الأنفاس الثقيلة،،

عميقة وكثيفة،
ولم نتمكن من طردها،،

كالدخان،
ولم نستنشقها عميقا،،

كرائحة عطر "dunhell
فقط "لو هو صحيح مخلص"
ترتدي القفازات والاغطية
بالصدفة أدرك دونما أي تدقيق
أنك قد سقطت اكثر من مرة
أعتقد أنني أحبك
لهذا أحاول من انقاذك
لكنك لا تستجيب لذلك
كأنك تخطو
كدمية متحركة
اختفت
أنا الطفل الذي لم يعد يبحث عن موضعها.

 

16
أحتاج إلى الرائحة التي تفوح من أنفاسك
ولا شيء سوى دخان سجائري
"أخاف ان تمطر الدنيا ولست معي"
وها قد أمطرت
لهذا أحب المطر

ولن أندم
لا عن غيوم توارت

قبل ان يهطل
ولا ﻋ
سحاب غادرت

قبل أن تودع الارض
وقبل ان تقبل السماء
أحب المطر ولن أندم
لا عن بحر نفدت الأسماك منه
ولا ﻋ
أغنية سمعتها بعيدا عن الشمس،
أمد يدي
وحده المطر يصافحني
اغتسل برغوته
حينما يهطل علي
أرقص
منذ ولادتي

وأنا أعشق الرقص على ايقاع المطر
اتفرقع كهواء
كلما زادت الأمطار غزارة
ازدادت الشهقات
ارتجف
إلى اخر رعشة

ولا زال يحدث ضجيجا في ذاكرتي
وانفاسي تكاد تنقطع من حدة البرد
أبلل الوقت

وأمضي مع المطر

حتى اخر قطرة
كل ما كان متوقع في البال
أعتقد انه سيكون من المستحيل حدوثه
المطر وحده الامنية التي تمر حقا،
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧ
الأحلام والذكريات

ربما ﻻ‌ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ
فالحقيقة اكثر من كل ذلك.

 

17
لفلسطين أحلام تتحقق خلف الجدران
لفلسطين شالات ترفرف في الأعناق بدلا من المشانق
لفلسطين مقابر يرقص فيها الموتى
لفلسطين شهوة الفلاح للأرض
لفلسطين اغاني لا تفارق الذاكرة
لفلسطين حب الأم لطفلها
لفلسطين شبق العاشق لحبيبته
لفلسطين ما يهذب الانسان ويصقله
لفلسطين عطر تحمله الرياح ويعانق السماء
ينشب في عروقنا ويقطر من مسامات اجسادنا
لفلسطين ليل يسابق الظلام إلى الشمس
ونهار يسابق الضوء إلى القمر
سأحكي لكم عن فلسطين الان وبعد الان،
لفلسطين كف يحمل الصبر
يمتد إلى اخر لحظة من عمر الأرض.

 

18
معرفتك لشيء ما
إدراك لحقيقة كل الأشياء
معرفتك لما يضر الاخر
ادراك لما يضرك.

 

19
حينما أموت سأكون وحيدا
ولا يهمني التابوت
الذي سيحمل جثتي إلى القبر
القدر احمق
لا يستحق الاهتمام
قدماي تعثرا في الرصيف

الذي مشيا عليه كثيرا
ونسيا خطواتهما في مكان اخر
طواني الماضي كصفحة

لم يعد لها شأن في المستقبل
لأن الاوراق لم تضمني
انمحيت
السحاب اعتادت الغياب دونما أي مبرّر
ودونما مطر
لكن لأن القلب لازال ينزف
ستتذكر رائحته
وتدرك جيدا عذوبته
أليسَ من الذل أن احتاج إلى من لا يحتاجني
بل وأكثر تفاهة حينما تكون الطريق ملتفّة ومعتمة
وانا مازلت واقفا عند يافطة تقول لي:
"
dont stop here"
حيث لا أتمكن من العودة

ولا الإستمرار في المشي حتى النهاية!!.

 

20
كثيرا ما خبأت لك الفرح
ففجأتيني بالحزن
كدت ان أكون حلما للياليك التعيسة
المزدحمة بالكوابيس المزعجة
هذا الحلم كأنه مثلي
ينام وليس لديه وقت محدد ليصحى فيه
مثل ظلي يرافقني
ككوكب لا ينفد منه الضوء
ربما تحنين إليه ولو للحظة
"- اقتربي إلي فأنا مجرد طفل"
حتى الحجارة لا تستمع إليه
أكتفي ان أنظر إلى الوردة
أكتفي برحيقها
وأنتظر حتى تقطفني هي
أكتفي  بالأمطار
أكتفي برائحتها
وحين الصحو أعود لأنتظرها
لأنها تقرب المسافة كثيرا
ألعن الكثيرين من الذين لازالوا على قيد الحياة
لأنهم لم يتركوا للموتى شيء
سوى الذكريات التي تجلب الإحباط
وتحرض على استمراية الموت.

 

21
ما تعلمته من العلم
أنه ذاته سيء للغاية
حيث انه افتراض
لغياب الإختلاف،
لحتمية موت الأشياء الجميلة،
لتتحول الحياة إلى مجرد نظرية
مع انها تتغير كل لحظة
انني انجذب سريعا إلى الموسيقى
ولا أحتاج إلى نظرية للجاذبية
أدور حول نفسي
ولا أحتاج إلى نظرية للدوران
افكر بما أرغب
ولا أحتاج إلى نظرية النظم
النظريات تتراكم على السرير
لا يزول القلق إلا حينما نفر منها إلى النوم.

 

22
الموسيقى تنتهي دائما بالشهقات
تردد الريح اغنية الرحيل
تتفتح الأبواب
وتصدر ضجيجا
تبكي الأشجار استجابة لذلك
وتنهمر الازهار
الزرقة التي يشترك فيها هذا البحر
وتلك السماء
لم يتمكن احد من محوها
بينما الغائب
محا الحاضر، ومضى
تحن العيون إلى الدموع
كما يحن العشب إلى الرطوبة
ننتظر حتى يأتي المطر
ويصمت الجميع
عندما نشعر بالتجمد كالجليد،
حينها كل سيبحث له عن مدفأة.

 

23
الكثير مما تركه الموتى
تركوا قطع القماش البيضاء
التي زادت على حجم جثثهم،
رحلوا وتركوا لنا ما لم يتحقق من أحلامهم البسيطة
وما لم يعد من الذكريات
لقد ابتلعوا الماضي مثل السم
ماتوا ولا يزال
مثل دمهم الذي نزفوه قبل الرحيل
مثل دموعنا

التي أهديناها للرياح
اورثونا الحزن
لم يعد لنا الفرح

الذي كانوا يبحثون عنه.


شاعر وكاتب من اليمن