عن فكرة مستوحاة من مسرحية الصعلوك لعبد الكريم برشيد، يضع الفنان المغربي نورالدين العاشري اللمسات الأخيرة على مسرحية جديدة تساير مسار هذا الفنان الذي خبر المهن المهنية المسرحية تأطيرا وكتابة وممارسة، وهو ما يجعل من تجربة هذا الفنان محط متابعة ويؤشر على عرض مسرحي منفتح على العديد من القراءات.

ليلة ممطرة

المصطفى الصوفي

يضع الفنان المسرحي نور الدين العاشري هذه الأيام، اللمسات الأخيرة بلطف، على إبداع مسرحي جديد بعنوان" ليلة ممطرة"، من تأليفه وإخراجه، ومستوحى عن فكرة من مسرحية"الصعلوك" للمسرحي الكبير عبد الكريم برشيد.

ويشكل هذا العمل المسرحي الجديد للعاشري كمسرحي وسينمائي ومنشط تربوي وثقافي وفاعل جمعوي، أحد الإبداعات الجادة والخالصة، التي ستمنح للمتلقي والجمهور فرجة مسرحية راقية، من خلالها يتخلص من رزايا الروح، وهموم الدنيا، وذلك عبر تيمة جديدة ممسرحة فيها فيض إبداع وأحلام.

كما يعد هذا العمل الجديد، ثمرة تراكمات فنية وإبداعية للعاشري، وبخاصة على المستوى المسرحي، حيث تزهر تجربته الفنية، بعيون جارية من الأعمال المسرحية الشيقة والرائعة سواء في التشخيص أو التأليف أو السينوغرافيا أو الإخراج.

والعاشري، وهو ابن مدينة خريبكة، فنان عضوي، متمكن من أدواته الفنية، التي تجعل منه احد أعمدة الفن المسرحي على المستوى الوطني والإقليمي والجهوي، كما له إسهامات عدة في مجال تأطير الورشات المسرحية، ما أهله ليحضى بالكثير من الجوائز في مهرجانات عدة تقديرا لجهوده الكبيرة، والرائعة في نثر ورود الفرحة والفرجة، وتخصيب الحقل المسرحي، ومنح الخشبة، حياة فرجوية متجددة، يعيش معها الجمهور احلي اللحظات.

وتعود تجربة الفنان إلى سنة 1977، حيث  مشاركته الأولى في عمل مسرحي بعنوان"القوم الذي بكى عليه الرسول" لتتوالى أعماله، بحس إبداعي جميل، حتى السنة الجارية 2016، بعمل سينمائي قصير بعنوان"النمس" لمخرجه محمد شادي، بعد مشاركته الفاعلة والقوية في دور الكوميسير خلال الفيلم الطويل"السبت الأسود" لمخرجه عادل مستشار سنة 2015،  وأفلام أخرى سابقة من أبرزها تشخصيه لدور البهلول في الفيلم الطويل"بولنوار" لمخرجه حميد الزوغي، المقتبس، عن رواية عثمان اشقرا، والذي يحكي عن التاريخي النضالي لمنطقة ورديغة أيام اكتشاف الفوسفاط، فضلا عن الكثير من الأفلام الأخرى.

وعلى المستوى المسرحي، فإن الفنان نور الدين العاشري العاشق للمسرح بامتياز، تألق في العديد من المسرحيات منذ السبعينيات من القرن الماضي، من أبرزها مسرحية"سيدي بوزيتونة" لمخرجها الراحل محمد بصطاوي، و"محنة الأغنام" لعبد الحق كامل، و"اولاد الدوار" كعمل تلفزيوني للقناة الاولى، و"عز الخيل مرابطها"، و"ملحمة أمجاد البلاد"، وغيرها، كما قام بتأليف بعض النصوص المسرحية منها"زغرودة الغابة، و"لالة زهرة"،  و"سمفوينية الحياة"، تجربة أهلته للظفر بالعديد من الجوائز بعد مشاركة ناجحة في الكثير من المهرجانات، منها جائزة أحسن ممثل، عن دور "المشرد" في مسرحية"القوم الذي بكى عليه الرسول" ضمن الأيام الثقافية لجمعية التعاون المسرحية عام 1977، والجائزة الأولى ضمن مهرجان المسرح التربوي بخريبكة عام 2004 عن مسرحية"لوحة قاتمة"، والجائزة الأولى ضمن الملتقى المسرحي الأول المنظم من قبل المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة عام 1992 بوادي زم عن مسرحية"ارقام في الميزان"، وغيرها.

والعاشري، وهو متخصص في تأطير الورشات والمخيمات، وشارك ضمن عدد من لجان التحكيم في مهرجانات وطنية، حاصل على عدة شهادات استحقاق من أبرزها شهادة شخصية عامة 2004 صنف المسرح الممنوحة من طرف الجمعية المغربية للتضامن مع الأشخاص المعاقين، وشهادة نجم مدينة خريبكة للعام 2014 صنف المسرح خلال الدورة الأولى لتكريم نجوم المدينة الممنوحة من قبل نادي الصحافة.

بهذا يعد الفنان العاشري واحدا من الوجوه الفنية والمسرحية والسينمائية التي أثثت المشهد المسرحي على الصعيد الوطني، وذلك من خلال فيض أعمال راقية، بصم فيها على مشاركة متميزة، وأداء جيد. والمتأمل لبيبليوغرافيا هذا الكائن المسرحي المميز، يقفا متأملا لفيض الأعمال التي أزهرت في وجدان هذا الفنان النشيط، والمثقف المتعدد المواهب، وذلك بالنظر إلى الجود الفني والسخاء الإبداعي الذي يمنحه للمتلقي كثير من المناسبات والمحطات.

ريبيرتوار العاشري الذي يشتغل بلا زوابع وباحترافية عالية، بوأه مكانة محترمة في مجال المسرح والسينما، فكان ولا يزال قطعة سكر في كوب كثير من الأعمال بحلاوتها، فأضاف لها نكهة إبداعية وفنية راقت الجمهور والمتتبعين في كثير من المناسبات، ما يوضح موهبة هذا الفنان المتقدة، وتقصير الكثير من المخرجين في مثل هاته الإيقونات الفنية الموهوبة، والتي تبدي استعدادها التام والتلقائي للعمل والاجتهاد من اجل خدمة القطاع المسرح والسينمائي والثقافي بشكل عام.

ويستحضر العديد من المتتبعين بالمناسبة، الظهور اللافت للعاشري، كفنان ومنشط محترف خلال الدورة الأخيرة من ملتقى الثقافة العربية، الذي نظمه منتدى الأفاق، فضلا عن ظهوره المتزن والأنيق في أعمال عدة وخصبة، تضاف إلى مواقيته الفنية والمسرحية، لتكون ليلته المسرحية الممطرة الجديدة، شآبيب إبداعية تتقطر من عيون فنية يسقي بها العاشري حدائق أحلامه كل صباح، فتنعش الطير، وتمتع المتلقي في أبهى صورة  ركحية، ويطرز مناديلها بهدوء، ليوشح بمشاهدها المتلقي قريبا في صورة شاعرية لا تقاوم.