يصور القاص المغربي وضعا من القاع المسحوق في المجتمع متابعاً محاولة عاهرة جائعة الحصول على ما يقيم أودها في حانة رخيصة فتقع على سكير أكثر بؤسا وإفلاساً منها لتكتمل صورة البؤس والبشر المسحوقين.

إفلاس

حسـن يـارتــي

تتدلى السيجارة من شفتيها، ورواد الحانة كلهم إما منتشون أو منقِبون عن مثيلاتها. عدّلت من وضع فستانها الشفاف، ونفثت دخان السيجارة في الهواء وهي تتأمل أركان المكان بعين ذابلة.

نفس الشخصيات بنفس الملامح المبتعدة من الواقع إلى كوكب الثمالة...

أشباه رجال يبحثون عن إحدى عشرة دقيقة متعة ونسيان. هكذا هي تظن:

سُكارى يحكون عن إنجازاتهم وبطولاتهم، ويتقيئون بين كل فصل من فصول قصتهم حساءهم.

لن تجد أفضل من السكير ليكون ضحيتها.

توجهت إلى أقربهم إليها ساخطة وأوجدت لنفسها مكاناً بجواره. نظر إليها وهو لا يعيها، واسترسل في حكايته البطولية عن إنقاذه لعشرة أشخاص من الغرق.

أنصتت لبطولاته في صبر، وهي تأمل أن تحظى بعشاء وأجرة جيدة مقابل تقربها منه.

طال سرده لبطولاته وهمّت الحانة بلفظ روادها. لم يتبق سواها وإياه. دفنت عقب سيجارتها في المطفأة وحدقت في عينيه وقالت ما لا تطيق قوله: "لنذهب إلى بيتك".

حرك رأسه يميناً وشمالاً ثم نظر إليها بغباء، فما كان منها إلا أن بادرت تسبقه، فتبعها مترنحاً. كاد يتهاوى على الأرض مرات عديدة، فأسندته على كتفها وهي تلعن اليوم الذي حُكم عليها فيه بهذا الجحيم.

ألقى بما في جوفه على مكشوف صدرها.

أفسد فستانها خليط من المواد الخضراء، تفوح منه رائحة الحموضة. بينما هو في كوكبه الخاص، يغني لحناً من وحي الثمالة.

سألته بصبر شديد: "أين سيارتك؟"

فأجابها بغباء مجدداً: "عن أي سيارة تتحدثين ؟"

لوّحت بيدها لسيارة أجرة، لكنه منعها بنبرة مترددة: "لا أملك نقوداً لأدفع لسيارة الأجرة، لقد أنفقت كل المال الذي أملكه على كؤوس الخمر. "

حررت جسده المسنود على كتفها، فكاد يهوي أرضاً. سمحت له بالترنح وعادت أدراجها تأمل الاختباء من خيبتها خلف جدران الحانة المتآكلة.

التفتت إليه فوجدته واقفاً في مكانه يغني ذات الأغنية القديمة ثم انتبهت لنفسها فوجدت ذاتها مندمجة في أداء نفس اللحن الثمل الذي يُوَحِّدُ أَلسُن كل المفلسين.