تعتمد كتابة هذه القاصة التي تصف نفسها بأنها «أصغر كاتبة فلسطينية» على المفارقات المرّة الموحية التي أنضجتها مأساة شعبيها مبكرا، وصقلتها قراءاتها التي تشف عنها كتابتها هنا.

مشاهد: شاهد على شاهد

ياسمين شملاوي

الحمار
أم بلال تملك بيتا فوق قمة عيبال ورثته عن زوجها المرحوم مع بعض أطفال وعفش وحمار قبرصي ابيض يقضي حوائجهم ويفرج كربتهم ترسله إلى السوق يحمل بالسرج طلباتها على وريقة صغيرة يتنقل بها ما بين اللحام والسمان والعطار، ويعود سعيدا مهرولا ممتلئ السرج بالخيرات.

وبدون هرج أو مرج يصدر الصوت المعتاد ليفرغ الحمل ويحصل على بعض من علف وماء، وهو على هذا المنوال منذ شهور وسنوات لا يمنعه برد أو قيظ أو شتاء والأرملة ما فتئت تدعو له بالسلامة وطول العمر وتجنب الأخطار.

وعلى غير موعد أو حساب يصرخ عليه جند الاحتلال للتوقف بالحال ورفع الرجلين واليدين وبيان ما في السرج وخلف الأذنين لكنه مضى بحاله ظنا منه أنهم يقصدون صديقه الحصان. ولم يدرك هول فعلته وغفلته إلا بعد دوي الرصاص ووخزة بالقلب والرئتين وصوت الجند في هدير وصراخ.

ـ قتلنا المخرب
ـ قتلنا من يحمل حزام الموت والخراب لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يردد.

ويحكم ويحكم أنا حمار أنا مجرد حمار
فتشوه فما وجدوا غير بعض الخيار والخضار والأسفار. 

أصنام
منذ سبعة قرون وفي أسبال وادي عُبقر السحيق بعيداً عن الشمس قريباً من هيكل سفينة نوح ولدت سبعة أصنام بيضاء عجاف بكثير من الشَعرِ والأسنان تغَّنى بها عنترة والطائي والخنساء واليوم وبنفس الأرض الضادية يُحدث الناس في كل مكان عن نفس الأصنام السوداء سبعة وسبعون صنما بعد السبعة آلاف.

وكبيرهم الذي يلبس عباءة أمريكية تعلو رأسه قبعة بريطانية يتأبط محفظة يابانية وربطة عنق فرنسية أما اللهجة بعض عربية وكثير من عبرية والثقافة كلها غربية يحمل فوق جبينه عدسة مقعرة من تصميم بلفور ومن صنع آينشتاين «سارق النظريات» يمر من خلالها داحسٌ والغبراء فالونتان شِعر أبي النواس وستار آكادمي وبكاء الصغير أبي عبد الله وشارون يصول ويجول في باحات أولى القبلتين.

كل شيء من الممكن ان يمر برشوة هنا أو كرسي هناك أو غانية ذات جمال ودلال كل شيء إلا ما يمس أبناء شلومو ويوشع ورحاب(1)

ضمير الجمع الغائب
أراد مدرسو العربية والرياضيات والفيزياء ان يتحدوا بعد طول خصام وقرروا إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا بلغة جديدة بلون واحد وقلم احد. استحضروا كل الأرقام المعروفة وغير المعروفة اعتمروا الخوذ ووضعوا النظارات السينية وارتدوا المعاطف المقاومة للنيران والحسد. استجمعوا ما تيسر لهم من قواميس ومعاجم البلاغة وما كتبه سيبويه والفراهيدي وما خلفه ابن الهيثم وابن حيان والرازي وابن خلدون وابن بطوطة.

وبدأت الفكرة اللماعة البراقة آملين ان يجدوا لديهم بمعادلات الجبر والفيزياء والفلك وأصول العمران ما من شانه ان يخرج بألوان طيف جديد عتيد فريد. ابتدأت التجارب ومزجت المواد وتفاعلت العناصر وكل يحمل مذكرته الخاصة وقلمه يسجل مشاهداته ويستنبط استنتاجاته.

فكانت النتائج مذهلة مدهشة!!

ـ قلم قلمان أقلام
ـ فلسطيني دويلتان مخيمات
ـ عرب عرب عرب
ـ صهيوني هيكلان ولايات
ـ أمريكي عراق ستان رامبو بوشات
ـ كرامة إحتلالان و وا وااا معتصماه؟؟!!! 

أضغاث أحلام
قرص الحياة مفقود من الأسواق... يحتكر بيعه وشراءه على جنسيات وحكومات... يمنع على الفقراء والسود وذوي العمائم وأصحاب المسابح وكل ما يوصم بالإرهاب...

أبو السعيد.. باع مصاغ زوجته وبيته وغنمه وكاد أن يبيع احد الأبناء..

حصل على واحد من السوق السوداء.. حمله وأدفأه وأخذه إلى البيت بكل عناية ودلال.

ـ الزوجة مهللة مرحبة: أهلا بسيد الرجال اليوم ذهبت متاعبنا لعالم النسيان.
ـ الزوج بصوت أجش: اخفضي صوتك لا نريد أن يسمعنا الجيران!

يخرج الديسك الذهبي من حافظته... يطفئ مصابيح النور يخفض كل الأصوات...

ويبدأ الحاسوب بعرض المجلدات.. ويشرع كرسيه بالموج والاهتزاز مع تسارع نبضات القلب والهذيان... يفتح مجلدا جديدا ويطلق عليه (السندباد) وتبدأ عمليات نسخ ولصق.. بعض الشيء أو كل الشيء من مجلد هنا ومجلد هناك (أمنيات وأحلام بحجم الحرمان والقهر والفقدان.)... زوال الحواجز والمستوطنات وحتى الجدار... طرق معبدة بالزهور والأشجار من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.

العرب عقدوا القمة وشحذوا الهمة وأعلنوا الحرب على إسرائيل وأمريكا.. وكل الاستعمار..

فتح وحماس وهنية وعباس قرروا التنازل عن الحكم ووأد الفتنة... وأعلنوا وحدة الحال والأحوال وأمسى الشعب موحدا بالهم والغم... ضد الاحتلال..

لم ينس أن يحصل له على زوجتين.. وسيارتين.. وبيتين.. وبعض الذهب والدولارات.. ومن فرط سرعته أراد أن يحصل مراده بالتو والحال حفظ المجلد وأعطاه الكود السري وأرسله لحسابه الخاص.

فجأة ومثل ضرب صاعقة خرجت إشارة (إكس) حمراء تحمل رسالة اعتذار...

المشترك الكريم لدينا فتوى من كبير الحاخامات.. يحظر على الفلسطينيين الأحلام.. 

ياسمين شملاوي: أصغر كاتبة فلسطينية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رحاب: شخصية يهودية تاريخية ظهرت في عهد (يشوع بن نون) القائد العسكري في عهد سيدنا موسى وقد كانت امراة زانية ساعدت جنود يشوع في دخول مدينة اريحا واحتلالها ومنذ ذلك الحين واليهود يقدسونها ويعتبرونها رمزاً للتضحية وتقديم الخير لليهود واليوم يضعون صورها بالاماكن العامة وعلى جوانب الحافلات وفوق علب الكبريت.