بلاغ بيت الشعر في المغرب

رحيل محمود درويش : بلاغ بيت الشعر في المغرب
المتوج بجائزة الأركانة العالمية للشعر هذه السنة، وأحد الساهرين على أسرار الشعر ورؤاه

ينعي بيت الشعر في المغرب رحيل الشاعر الكبير محمود درويش، و يعرب عن عميق الألم الذي خلفه هذا الرحيل،لا في نفوس محبيه و أصدقائه و قرائه و حسب، و إنما في روح الشعر ذاته، إذ يحق اليوم للشعر أن يكون في حداد بعد فقدان أحد الساهرين على أسراره و رؤاه.
نذر الشاعر الراحل محمود درويش حياته بكاملها لنبل الكلمة،و لإيقاعها المتوغل في قديم الثقافات و الأساطير استشرافا لحلم الإنسانية في التعايش و التسامح و المحبة ،وعيا منه بما يختزنه الشعر من طاقة على التغيير انطلاقا من مواقع خبيئة و باطنية.
ففي مسار كتابي يمتد أكثر من نصف قرن، ظل الشاعر محمود درويش وفيا لما يتطلبه الشعر من نفاذ إلى أقاصي الكلام و أعاليه، التي هي،في آن،أقاصي الإنسان. كما ظل وفيا لما يتطلبه هذا النفاذ من معرفة و جرأة و شجاعة.و لم يكن الجمالي فيما كتبه إلا الوجه الأسمى للإنساني.
في شعره شهد التحديث مسلكا خاصا هو عينه ما ميز رؤية محمود درويش للإبداع و الذات و الآخر و الوجود.
تحديث يصل ارتقاء اللغة إلى الأعالي بحق الإنسان في الحب و الحلم و بحريته في مكان يسعد بالتعايش والسلم. وفي هذا التحديث، كانت العربية، التي بها شيد درويش عوالمه الإبداعية ،تنتسب إلى زمنها و تنتسب إلى ثقافة الحوار واستضافة الأخر.
عبر القضية الفلسطينية التي توغل شعر درويش بمعانيها بعيدا، كان هذا الشعر ينفذ إلى الإنساني و الكوني.وفي هذا النفاذ نزل الشاعر عميقا إلى معنى الحياة كما إلى معنى الموت، و تقوى هذا النزول بانفتاح قلب درويش على بياض الموت و ملامسته عن قرب.
ملامسة خص تجربتها بجدارية كتبها لنفسه شعرا بعد عودته من إقامة برزخية بين الحياة و الموت.و بعد الجدارية عاد الموت بقوة في العمل الموسوم-في حضرة الغياب-فالألفة التي أقامها درويش بين الشعر و الموت هي ما يقهر الغياب و يجعله حضرة ،أي حضورا متجذرا. لذلك ستظل قصائده شاهدة لا على الممانعة و المقاومة جماليا و إنما على الحلم أيضا بقهر الموت.
لكم كانت فرحة شاعرنا الفقيد كبيرة لما أخبره بيت الشعر في المغرب، نهاية شهر مايو الماضي بفوزه بجائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها الثالثة، ولم يتردد في تأكيد حضوره لتسلمها يوم الجمعة 24 أكتوبر 2008. غير أن للموت موعده الخاص.
برحيل الشاعر محمود درويش، يفقد الشعر أحد حماته و يفقد الشعراء المغاربة، والأدباء، صديقا كبيرا، أنصت لنبض الثقافة المغربية، و ظل وفيا لندائها في اللقاءات الحميمة التي جمعته بجمهوره المغربي.
نداء لن ينقطع بالموت، و إنما سيتجدد بالسفر في الشعاب التي حفرها شعره للكلمة والمعنى والذات.

9غشت2008