احتضنت العيون المغربية ملتقى دولي لأدب الرحلة شارك فيه مجموعة من الباحثين يمثلون دولا عربية الى جانب مشاركة شعراء، في ثمان جلسات متواصلة توزعت أشغال المؤتمر الذي شهد مداخلات حول أدب الرحلة من زوايا متعددة تم رصد خلالها أهم الرحلات التي شكلت حدثا تاريخيا كان له تأثيره العميق على تشكل وتمثل وعينا التاريخي لبعض المراحل والحقب المهمة.

أدب الرحلة بعيون متعددة

وليد المسعودي

شهدت مدينة العيون المغربية من 18 إلى 21 ماي 2017، ملتقى دوليا حول أدب الرحلة، دورة الشيخ الرمز حمو سعيد من تنظيم جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية وقد شارك فيها نخبة من الباحثين من المغرب ومن والجزائر وتونس وسوريا وموريتانيا واليمن والسينغال. وقد توزعت أشغال الملتقى بين مدينتي العيون وطرفاية، ضمن ثماني جلسات شارك فيها كل من الباحثين والباحثات: إسماعيل هموني ـ شعيب حليفي ـ أحمد بلحاج آية ورهام ـ مليكة الزاهدي ـ رابعة سوساني ـ مصطفى بوخبزة ـ عز المغرب معنينو ـ مصطفى عبد الله الغاشي ـ ناصرة كزناي ـ بوشعيب الساوري ـ نادية شفيق ـ أنس الصنهاجي ـ قاسم الحادك ـ لارباس حيمدها ـ البشير أبرزاق ـ يحيى لطف عبد الله العبالي ـ شعيب كيبي ـ أحمد صانع ـ أصيل الشابي ـ أحمد الكمون ـ خالد التوزاني ـ محمد بوعزة.

كما عرف هذه الملتقى قراءات شعرية شارلك فيها كل من عبد الكريم الطبال ومحمد علي الرباوي وجعفر حيدر وماجدة الصالح ومنير الرقي والمصطفى المعطاوي وأحمد بلحا جابت وارهام ويوسف الطويل. مثلما تم تكريم عدد من الشخصيات : المرحوم بريكا الزروالي ود/ خليل النحوي من موريتانيا ومنير الرقي من تونس.

من أهم المتدخلين في الجلسة الأولى، التي تولى رئاستها الأستاذ محمد علي الرباوي، شعيب حليفي بورقة موسومة بأسفار الحج المغربي، افتتحها بالتحولات التي عرفتها الرحلة الحجية المغربية منذ ظهورها، وصولا إلى القرن العشرين حيث تحولت الرحلة من الفقه والتاريخ لتصل إلى الإبداع والفكر الحديثين، لتتحول إلى نص يجمع بين العلم والتخييل عند عبد الله حمودي، وصارت الرحلة تكتب بنفس روائي كما تجلى ذلك عند أحمد المديني، اللذين ساهما في تحويل الرحلة الحجية من شكلها الكلاسيكي إلى شكلها المعاصر.

وتلاه الأستاذ أحمد بلحاج آيت ورهام بورقة بعنوان تجليات المغرب العميق في الرحلة الورزازية الكبرى لمولاي المهدي الوزاني أبرز فيها سعي الرحالة إلى الكشف عن المغرب العميق والمنسي والمعتم، عبر الانفتاح على الواقع اليومي المهمش في القرى.

وجاءت ورقة الأستاذة مليكة الزاهدي الموسومة بـ الرحلات السفارية المغربية ودورها في رصد التواصل الحضاري في الفضاء المتوسطي انطلقت فيها من سؤال إلى أي حد كان هناك تواصل حضاري. راصدة مجالات وحدود هذا التواصل الذي كان آلية من آليات الرحلة السفارية، وأكدت أن هذا التواصل كان محدودا رغم انبهار الرحالين بحضارة أوربا.

كما تناولت الأستاذة رابعة سوساني الآخر في الرحلات السوسية خلال القرن الهجري الرابع عشر، مبرزة عدة صور منها صورة المغربي وقد طغى عليها الجانب السلبي مع ندرة ما هو إيجابي، وتميزت صورة العربي بما هو سلبي وما هو إيجابي، في حين تراوحت صورة الأوربي بين الإعجاب والنفور، أما صورة الزنجي فقد تميزت فتنازعها الاعجاب والاستغراب والرفض الكلي.

وكان من أهم المتدخلين في الجلسة الثانية، التي تولت رئاستها الأستاذة مليكة الزاهدي، الأستاذ عز المغرب معنينو الذي توقف عند قضايا الاجتهاد أو الحداثة في رحلة محمد بنسعيد السلوي الى فرنسا، التي اعتبرها خلخلة للأفكار التقليدية للجهاز المخزني من خلال تحمس الرحالة للتحديث الأوربي وكان من تمراته ميلاد فكرة جديدة وهي ارسال الطلبة الى اوربا.

وتلاه الأستاذ مصطفى الغاشي بورقة عن رحلة الهشتوكي إلى فرنسا(1926) بين فيها سياق الرحلة، مشيرا إلى أن هذا النص لم يسلم إلى السلطان وظل عند صاحبه، كما ألمح إلى تميز الرحلة بدقة في الوصف لا يفوت لا صغيرة ولا كبيرة، كما أنه لاحظ غياب ما هو قدحي تجاه الفرنسيين، أي أن وصفه للآخر كان موضوعيا مما جعله يختلف كثيرا عن باقي النصوص الرحلية التي تمت في نفس الفترة.

وتناولت الأستاذة ناصرة كزناي اكتشاف الذات والآخر في رحلة الغساني مبرزة صورتين مركزيتين لدى الغساني وهما صورة الاعتزاز بالأنا، مقابل صورة الانتقاص من قيمة الآخر(على مستوى المعتقد وبعض السلوكات) مع الإعجاب بتقدمه(نظام البريد، المستشفيات، الصحافة، جمال النساء.)

وافتتح الأستاذ بوشعيب الساوري الحديث عن الرحلات الأوربية بورقة عن محكي الأسير بيار رايمون دو بريسون أكد فيها على تعالى الباتوس على حساب تواري اللوغوس، في تشكيل صورة الآخر وصورة الأنا، خصوصاً وأن الدافع المحرض على سرْد الاستعباد كان، بالدرجة الأولى، نوعاً من إعادة الاعتبار للذات، من خلال سعيها إلى إبراز تأثّرها بمُعاناتها، ونقلها إلى القارئ بغية التأثير فيه وجعله يتعاطف معها من أجل تحقيق نوع من المواساة لما تكبدته.

وتلته الأستاذة نادية شفيق بورقة حملت عنوان «تحولات الوعي والجغرافيا في كتاب إدموند دوتي مراكش قبائل الشاوية ودكالة والرحامنة سنتي 1901-1902، الذي اعتبرته استكشافا استعماريا للقبيلة وعاداتها والمخزن والمعتقدات والطقوس والموروث الثقافي في المغرب والانسان والمجال يقدم دراسة وصفية دقيقة اعتمدت السوسيولوجيا والنتربولوجيا.

ودرس الأستاذ أنس الصنهاجي المغرب في استيهامات رحلة بيير لوتي إلى المغرب من خلال الكشف عن النوازع التي تحكمت في بنائها السردي أولها نزعته الدينية (نشأته الدينية وانتصاره للمسيحية) وثانيها المشاهدات الرومانتيكية المتمثلة في الانبهار بالقصور والأطعمة وجمال النسوة مقابل رسم صورة مأساوية عن المغاربة وثالثها وصف حالة المغرب العسكرية مؤكدا على الطابع الاستخباراتي للرحلة.

واختتمت الجلسة بورقة الأستاذ قاسم الحادك عن الرحلات الاستكشافية الفرنسية على المغرب خلال القرن 19، تساءل فيها عن حدود العلمي والايديولوجي في هذه الرحلات، مؤكدا على تزايد هذا النوع من الرحلات بعد معركة ايسلي والذي ساهم في مراكمة معرفة ميدانية عن المغرب بتشجيع من السلطات الفرنسية التي كانت تزودها بمعطيات قائمة على تنائيات ضدية عن المغرب والمغاربة.

وكان من أهم مداخلات الجلسة التي ترأسها شعيب حليفي ورقة الأستاذ البشير أبرزاق اعتبر فيها أن رحلة ابن زاكور الفاسي باعتبارها نموذجا للرحلة الفهرسية التي تعكس التلاقح العلمي والثقافي كشكل من أشكال التواصل بين المغرب والجزائر خلال القرن السابع عشر باعتبار النص شكلا من أشكال التثاقف آنذاك بين العلماء المغاربة والجزائريين.

وتناول الباحث لاراباس حميداها جوانب من سيرة الشيخ القائد حمو سعيد حاول فيها تسليط الضوء على هذه الشخصية الهامة التي كان له دور كبير في مغرب القرن الثامن عشر ودعا إلى إعادة بناء الصورة الواضحة عن دور هذه الشخصية التي عانت من التهميش لدى المؤرخين المغاربة.

واختتمت الجلسة بورقة للباحث السنغالي شعيب كيبي حول أدب الرحلة في الطريقة المريدية من خلال رحلة انطلقت من السنغال إلى الكابون وكانت تجربة ترحال جسدي وروحي، دون فيها صاحبها مشاهداته بدقة رغم مضايقات الاستعمار الفرنسي، مما جعل رحلته حافلة بالمعلومات.

وترأست الجلسة الختامية، بمدينة طرفاية، الأستاذة رابعة سوساني وتدخل فيها الباحث الجزائري أحمد صانع بورقة اعتبر فيه الرحلة نصا يجمع بين الادب والاتنوغرافيا، فيتقارب فيها المركب الثقافي الاجتماعي مع مركب السرد والوصف مع بروز ذات الرحالة وشخصيته الجامعة بين مباني الأدباء ومعاني الباحثين.

كما قدم الباحث التونسي أصيل الشابي مداخلة بين فيها مسالة حضور الإحالة والمرجع عند العبدري الذي تأثر بالتحول إلى وجاهة الأدبي من خلال التدوير الأجناسي، إذ يركب المتكلم في رحلة العبدري خطابه من خطابات عدة أهمها الشعر والمثل والسجع، وقد أنتج ذلك الظهور المتكلم الذي لا يخبر بقدرما يتفنن في القول معبرا عن رؤية ذاتية لها امتدادها التاريخي والديني والجمالي والاجتماعي. وأبرز الأستاذ محمد بوعزة علاقة النص الرحلي بالمؤرخ والاشكلات الابستمولوجية التي تطرحها الرحلة بالنسبة للمؤرخ، وكذا نقط التقاطع بين المؤرخ والرحالة وكذا أشكال التمايز بينهما.