تكتب الناقدة المصرية أن الوطن القاسم المشترك لأغلب عناوين قصص المجموعة، يشغل عقل القاصة لذلك جاءت المجموعة القصصية بمثابة العدسة اللاقطة لأحداث المجتمع تسجلها وتعرضها للمتلقي بأسلوب مباشر، اعتمدت فيه على منهج الواقعية التسجيلية.

الواقعية التسجيلية في «حذاء سيلفانا» لهدى توفيق

نجـلاء نصيـر

جاءت مجموعة "حذاء سيلفانا" في أربع وعشرين قصة. ومن الغلاف الذي يعد بمثابة عتبة النص التي من خلالها نلج لعالم الكاتبة الذي جاء بدرجة من درجات البينك وعلى الغلاف حذاء فتاة أسود اللون وفي الدفة الثانية من الغلاف وقع اختيار الكاتبة على جزء من القصة الأخيرة "حذاء الصغيرة التي لم تأتِ بعد " وهي القصة التي ورد فيها ذكر اسم سيلفانا والحذاء .

وأول ما يطالع المتلقي بعد الغلاف الاهداء الذي جمع ثلاثة ألوان هي الأزرق الفاتح والأزرق الغامق والأصفر فالاهداء مقطع تخيرته من "حكاية بلدي لحلمي التوني " يقول :"كان وطني عبارة عن ثلاثة ألوان ...سماء وبحر وصحراء فالكاتبة ترسل للمتلقي بإشارة واضحة فالوطن هو ما يشغلها بقضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فمن الوهلة الأولى تصحب المتلقي حيث الوطن وذلك في قصة :"ملامح الوطن واحدة تقول ص:8 "كانت الفرحة والأمل تغمران الجميع بسبب الحدث التاريخي .... فهذه المرة الاولى التي أحظى فيها بالذهاب إلى الانتخابات ....ص: 9" ورغم الاعاقة التي تعاني منها البطلة التي سردت لنا بتقنية الرواي العليم مأساتها ومعاناتها مع سائقي الميكروباص ص:10 تقول :" فذهبت إلى آخر ،ثم إلى ثالث وكانوا يرفضون طلبي بلا مبالاة ...." ثم تنقلنا إلى ليبيا من خلال ديالو ج دار بينها وبين السائق الذي نكأ جرح الشتات والمعاناة اللذان أورثتهما له ثورات الربيع العربي فالعنوان هو المعادل الموضوعي لمصائب عالمنا العربي بعد ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي فمحمد الليبي مثل حي على الشتات فهو بمصر ويعتصر قلبه الألم على أخيه المحتجز بليبيا النص مغلق.

وفي القصة الثانية "أيوب المصري"

تسرد لنا بتقنية الراوي العليم قصة معلمة من بني سويف تدخل مع معهلمها في ديالوج من خلال الهاتف يشرح نبوغها في مادة الحغرافيا وسبب تحولها لداراسة اللغة الانجليزية ومن خلال الديالوج تعرض لأزمة المعلم والطالب وكيف انتهى موسم الاحترام بين الطالب والمعلم ويعلل أستاذها سرما آل إليه الحال بالدروس الخصوصية ثم يتطرق الحوار إلى التناص الديني لقصة صيام العذرا . النص مغلق

وفي القصة الثالثة "رحلة إلى مسقط رأسي " تسرد لنا بلسان الراوي العليم قصة سيدة انتقلت للعيش مع زوجها إلى القاهرة وبعد انفصالها ترفع لها إمها الدعوى القضائية ببني سويف وفي خضم الأحداث تسرد لنا على لسان السائق أن المحمكة احترقت في أحداث رابعة ومن ثم اصبح مقر المحكمة بالمدرسة ،كما تسرد لنا شوقها وحنينها لأمها فالعنوان " رحلة إلى مسقط رأسي هي المعادل الموضوعي للحنين للأم .

وفي القصة الرابعة "وطن كان " تسرد بلسان الرواي العليم قصة موظفة بشئون الطلبة بمدرسة بمدينة السادس من أكتوبر يلفتها الاحداث الجارية وأخبار داعش ثم تتطرق لقضية هامة وهي انتشار التحرش الجنسي بالمدارس فهي تُسقط غياب القيم والأخلاق على كراسات السلوك والغياب للطلاب فالغياب هنا هو المعادل الموضوعي لغياب الوطن وسط خضم الأحداث الجارية من قتل وتشريد. النص مغلق .

وهكذا نجد أن الوطن يشغل عقل الكاتبة لذلك جاءت المجموعة القصصية بمثابة العدسة اللاقطة لأحداث المجتمع تسجلها وتعرضها للمتلقي بأسلوب مباشر .

وفي القصة الخامسة " وطن صغير "

تسرد لنا بتقنية الراوي العليم قصة أرملة تقع تحت سندان تحكم أهل الزوج ومطرقة تحكم الأهل وهي قصية اجتماعية شائعة في مجتمعنا الشرقي فحين رفضت أن تعيش تحت سيطرة أهل زوجها رفع عم ابنها قضية يسلبها حقها فالمحاكم وطرقها أصبح طوق النجاة والملاذ الأخير لها ولابنها ، فالكاتبة ترصد لنا مشهد القطط التي تجمعت حول الطعام حين شعرت بالأمان وفرار قطتها مع قطط الشوارع بعدما فقدت الشعور بالأمان فهذا المشهد يسقط عدم شعور البطلة بالأمان وسط القيود الاجتماعية التي تفرض على الأرملة .نص مغلق

وفي القصة السادسة " كذبة سمكة نيسان إبريل "

تبدأ القصة بتناص تاريخي ص: 48" عندما سقطت الأندلس وخرج الصليبيون ونادوا بالناس ....." ثم تسرد لنا أن مصدر المعلومة الفيسبوك وتتناوب هي وزميلاتها الأقوال حول كذبة إبريل "نص مغلق "

فالكاتبة مهمومة بقضايا اجتماعية متعددة ومنها العنوسة قفد أدلت بدلوها في قضية العنوسة من خلال "شامة" بطلة قصة حذاء لم يأت بعد وهي القصة الأخيرة حيث رصدت لنا مشاعر العانس بتقنية الراوي العليم التي تبدل ملابس الصيف بملابس الشتاء فالشتاء هنا رمزأً لبرودة الحياة التي تحياها وحيدة _فألم الوحدة يشبه ألم فصل الشتاء القارس _ فتلمس يديها فستان سيلفانا والحذاء الأسود الفرنسي وتتورع إلى الله أن يرزقها ولا يحرمها من نعمة الأطفال لكنها سرعان ما يتلاعب بها الوعي ويخرجها من بؤرة اللاوعي فتعترف بعنوستها واستحالة وجود سيلفانا فهي المعادل الموضوعي للعنوان فالعنوسة تقف حجر عثر للحيلولة دون تحقيق حلم الامومة .

فالقاصة استخدمت لغة سهلة مباشرة بعيدة عن التقعير والتعقيد فتصدر الوطن اسم أغلب قصص المجموعة "ملامح الوطن واحدة ،وطن كان ، وطن صغير ،خيال عن وطن مغاير،أين وطني ،مصر هي أمي ، والقصص التي لا تحمل اسم الوطن كنى فيها عن الوطن مثل :رحلة إلى مسقط رأسي ، التدريب على الانتماء ، كما حملت قصة أنا لاجيء ألام وأحزان اللجوء كما رسمت لنا معالم آثار الحروب والشتات في قصة عائشة من دارفور وكيف عانت عائشة السودانية من شطف العيش والروتين في مصر

، ومن الشخصيات التي تكررت في المجموعة المعلمة أو ما يمت للتعليم بصلة كالموجهه أو الأدارية أو الإدارة

المكان :

كان المكان حاضراً في المجموعة بصورة واضحة مثل 6 أكتوبر ،حدائق القبة ، القاهرة ، بني سويف وغيرها من الأماكن التي تطرقت إليها القاصة

الزمان جاء عنصر الزمان في القصة جليا في الزمن المباشر بتحديد تاريخ بعينه تدور فيه الأحداث أو فصلا من فصول السنة .

استخدمت القاصة تقنية التناص الديني كما جاء في قصة أيوب المصري والتاريخي كما في قصة "كذبة نيسان إبريل " وغيرها من قصص المجموعة

فالكاتبة اعتمدت منهج الواقعية التسجيلية فنحن أمام مجموعة ترصد لنا الأحداث مباشرة فجاءت قصص المجموعة مغلقة لا تفتح الأفق أمام المتلقي للتأويل والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل وفقت الكاتبة في اختيار ألوان الغلاف الذي جاء بإحدى درجات البينك الذي يرمز للأنوثة أو للمرأة أرى أن الكاتبة حالفها الحظ في اختيار الغلاف فأقدام الصغيرة التي لم تأت بعد شكلت المعادل الموضوعي لقضايا الوطن المتجذرة في وعي الكاتبة فهي تبحث عن الجمال ولما لا وهي تأخذنا معها في قصة خيال عن وطن مغاير مع الطفل يوسف الذي يحلم بالعيش فوق القمر وتلتقم منه أمه الحلم ويداعب اللاوعي عندها فترفض الواقع المرير وتجتر حلم يوسف ، فالخيال يعني المستحيل والمستحيل يتطابق مع الحيلولة دون حمل العانس التي تتنظر في اللاوعي سيلفانا فضلا عن ذلك فالاهداء حصر لوحة الوطن في "سماء وبحر وصحراء " فالصحراء ترمز لتصحر الانتماء وغياب الوعي في المجتمع وكأن الكاتبة تدق ناقوس الخطر الذي يلتهم دعائم المجتمع من خلال مجموعتها القصصية .

 

اسم المجموعة /حذاء سيلفانا

الكاتبة : هدى توفيق ـ مصر

دار نشر كتبي عام 2017