تبحث القاصة المصرية في نصها المكثف في أحلام الصبايا في المجتمعات المغلقة ممن تولهن بالكتب والحكايا فتجسد أحلامهن في الحب والرجل –الحبيب- من خلال حلم يقظة طويل يشكل بنية النص الحكاية مستفيديا من ليالي ألف ليلة، بلغة عذبة مشوبة بالحس والعاطفة.

الرجال لا يحبون الحكايات

شــيماء عبد الناصر

 

تشعر أن ساعة الزمن قد تراجعت بها إلي زمان بعيد، تقف أمام مرآتها، تجد امرأة جميلة، ترتدي فستانًا واسعًا مطرزًا، تزدحم به الألوان لكن بتناسق شديد وكأن نسبة كل لون محسوبة بميزان دقيق، تجلس علي أريكة وثيرة، وتسند ساعدها برفق، وبهدوء علي جانب الأريكة، تنظر إلي الرجل الماثل أمامها، ينظر لها بترقب، وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد، وتجد نفسها فجأة تبدأه بالحديث، بينما يستمع لها بتركيز وبتأمل وكأنه قد سمعها من قبل، هي أيضًا تشعر بألفة شديدة للمكان، كأنها زارته من قبل، ربما في حكايا ابنة خالتها التي تزوجت الآن وأنجبت ثلاث بنات لازلن صغيرات، يزرنها في البيت كي تحكي لهن الحكايات، تنظر للرجل، تجده مألوفًا أيضًا ربما رأته في عالم آخر، أو في حلم لذيذ من أحلام المراهقة، وخيالاتها الناعمة، أنصت لها كل شيء، فبدأت الحديث:

- "بلغني أيها الملك السعيد، ذو العقل الرشيد، أن رجلا يحب امرأة عظيمة، يقف كل يوم أمام شرفتها، يتغزل في عيون القمري حولها ولا يري عيونها هي، يصف أهداب الستائر ولا يجد سبيلا ليري أهدابها، ينشر عبير روحها فوق قلبه كل ليلة قبل أن ينام، ولا يشم لها عبيرًا أبدًا، وفي يوم لم يكن ينتظره، أو يتوقع مجيئه أبدًا، لأنه كان قد يأس من مجيئه، خرجت تلك المرأة ونظرت من الشرفة، لم تعره اهتمامًا لكنه ما إن رآها حتي أخذته رجفة عظيمة، أفقدته الوعي، ثم أفاق على صوت إحدي القمريات تخبره بأن عيون حبيبته أحلي بكثير من عينها، وقد أسدلت الساتر مرة أخرىة، ونادت عليه من بعيد كي تخبره أن أهداب حبيبته كفيلة برشق أوهام فسفورية في فؤاده، قد تقضي عليه.

وبدون سابق إنذار أو توقع، قطع صمت المكان الذي ينثر صوتها به موسيقي الأنس، صاح ديك غريب لم تره في المكان، فظنت أنه قادم من الخيال، فكل ما حولها خيال، وإذا لم يكن خيالاً ربما أتي من شرفة بيتهم، حينما كانت تقف ساعة ليلا تنتظر الشرفة المقابلة تنفتح ويخرج منها الفتي الذي تنتظره، كي يودعها ويسافر بدون رجعة، قبل أن تكمل حكاياها له، فيصرخ الديك مبشرًا إياها بحبيب جديد، ربما استمع إليها، لكن عليها أن تنتظر.

بدا الرجل هادئا كعادته منذ أن رأته، لم ينادِ على أحد، أحالها صمته ونظرته إلى ترقب لما بعد، أتكمل حديثها، أم تستعير جملة من كتاب قرأته، في عالمها الذي أتت منها "وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح"، لم يناد الرجل مسروره السياف إذن فلتكمل الحديث.

عاد هذا الحبيب إلي بيته، ورسم حبيبته علي حوائطه جميعًا وعاش به بقية عمره القصير، ولم يفارقه قط، وبهذا تنتهي حكايته التي كتبها أهل قريته فوق أحد الجبال العالية، وبمرور الوقت أصبح هذا الجبل، أهم وأقدس مكان في البلدة، حيث به مغارة صغيرة، كانت بيت هذا الرجل المحب، يزوره العشاق، كي يتعلموا كيف الهوى يكون.

للمرة الأولي تحرك الرجل من مجلسه، اتجه ناحية البركة الصغيرة، قال وهو ينظر بداخلها، ويسوي شعيرات رأسه الكثيفة الناعمة: إذن انتهت الحكاية، ومات المحب يا عزيزتي، فأجابته،نعم ولم تعلم هذه الحبيبة عنه شيئًا لأنها غادرت البلاد إلي بلاد بعيدة، وتزوجت ممن طلبها للزواج.

إذن فكيف كانت عظيمة هذه المرأة المجهولة؟

هو الذي صنع عظمتها بحبه يا موالي.

انفتح باب القاعة الكبيرة، ودخلت امرأة جميلة، يحيط بها نسوة جميلات كأنهن البدور، ما أن ظهرت حتي تبسم الرجل للمرة الأولي منذ أن رأته، أحاطها بنظراته الولهى منذ ظهورها وحتى اقتربها منه وعلى فمها ابتسامة مشرقة، أشار الرجل إلي النسوة بالذهاب، وجلس تحت أقدام المرأة الجميلة الصامتة، وقبّل يديها برفق وكأنه يراها بلورًا يخاف عليه من التهشم، وعاد إليها، أخبرها أن حكايتها كانت جميلة بالفعل، وأنها تستطيع الذهاب، لكن قبل أن تذهب عليها أن تلقي التحية على تلك المرأة الجميلة الخرساء، حبيبته.

 

sabdannaser@yahoo.com