ترسم القاصة العراقية الشابة العالم الداخلي لبنت مريضة مرضاً عضالاً بأمانيه وأحلامه في الحياة مركزةً على قيمة الحياة الجوهرية المفقودة الحب الذي يدفع الإنسان صوب الحياة والأمل في أقسى الظروف واللحظات في بنية قصة سلسلة تذكرك بالقصص الرومانسية الحارة في طفولة القصة القصيرة لحظة نشأتها.

حلم

مريـم جـلال

الحبُ كالموتِ يأتي فجأةً!.

هكذا بدأت قصتي حينما كنت على فراش الموت أصارع المرض، والمنية تدنو مني . دخل الطبيب إبراهيم الغرفة، كان يشرف على علاجي، صغيراً في العمرِ، بعينين بنيتين واسعتين. حنطي البشرة. طويل القامة، وشعره أسود.

أقترب من سريري قائلا:

- صباح الخير أنسة نور، كيف حالك اليوم؟ لماذا يبدو عليك الحزن؟. فما بكَ من مرض هو من تدبير الرب ولا بد من علاج..

فأجبته بلسان لاذع و قاسي:

- أن هذا الامر لا يعنيك! أنت لست سوى طبيب تشرف على علاجي، هل تراني اخاف من الموت ؟؟ انا احتقر الموت!. سرق أمي أغلى الناس. أنا مستعدة لمواجته. أنا لا اخاف منه!.

تبسم وكرر السلام والسؤال:

- صباح الخير كيف حالك اليوم؟!.
- الألم بدأ يزداد!.
- أنت فتاة شجاعة رغم ما بك من الألم،

وناولني وردة كانت بين أصابعه قائلا:

- هذه لشجاعتك؟!.

كاد الفضول أن يقتلني لمعرفة سرّ أهتمامه بيَّ إلى هذه الدرجة.

سألتهُ بغتةً:
- دكتور لِمَ أنتَ مهتم بي الى هذه الدرجة!.

- أتسمحين لي بالجلوس؟!.
- تفضل!.

- أنتِ يا انسة نور فتاة شجاعة تصارعين المرض ولا تهابين الموت اعجبتني
شخصيتك فقررت أن أكلمك، استعدي يبدوا أنك بحاجة الى جرعةٍ جديدةٍ.
عبثَ في شعره مجدداً، فشعرتُ بالغضبِ:
- دكتور إبراهيم هل يمكنك التوقف عن العبث بشعركَ!.

أجابَ مندهشاً:

- لماذا؟!.
- أنت تثير غضبي!.

- لماذا؟!.

كرر السؤال فأوضحت:

- أجل.. أعلم أن شعركَ جميل وأنا فتاة صلعاء والآن أريد أن
أنام.. اشعر بتعب!.

فغادرَ الغرفة.
كان الألم يشتد عليَّ. استدعيت الممرضة، فأعطتني مسكنات جعلتني أخلد الى النوم، وبعد بضع ساعات أفقتُ من النوم، تناولت القليل من الطعام.

عاد د. إبراهيم وهو يحمل نتائج أخر التحاليل. جلس على الكرسي الذي بجانب السرير، وقال:
- إسمعي يا نور أنت فتاة قوية!.
نور بدون أنسة، تعجبت ورفعت رأسي فرأيته أصلعاً

- حلق شعره إذن

قلت مع نفسي متائلةً:

- ماذا جرى؟!.

تابع حديثه:
- أنت بحاجة إلى جرعةٍ جديدةٍ، حالتك بدأت تدهور قليلاً
أبتسمت قائلة:

- شعرتُ بهذا فالألم بدأ يشتد، لكن الجديد هو أنت!.
- أنا كيف؟!.

- لماذا حلقت شعر رأسك؟!.
ضحك ضحكة خفيفة وقال بصوتٍ خافت:

- تعرفين وحدك لماذا؟!.
أصررت:

- لماذا؟!.

هزذ رأسه ووسع أبتسامته ورمشت عيناه، فسألت بحرارة:
- لِمَ أنت مهتم بي الى هذه الدرجة؟!.
- حقاً تريدين أن تعرفي!.
- أجل!.
- لم أرَ فتاة أجمل منك ولا أقوى منك!.

صمت للحظات وأردف بصوتٍ خافت:

- منذ اللحظة التي رأيتك.

كان قلبي معلقاً بشفتيه وهو ينطق:
- أحببتك فيها.. أنا مغرمٌ بكَ يا نور!.
صدمت مما سمعت، لم أتوقع هذا الرد أبداً. أنا لست جميلة، شكلي عادي، ولست
قويه كما أبدو عليه.
- أنت تكذب كيف لك ان تحب جثه بروح!. أن تحب فتاة لم ترها سوى بضع مرات!.
- نور أنا مغرم بك حقا.. لستُ كاذباً فالاعمار بيد الله من يعلم ربما اموت قبلك!.
أمسك بيدي كانت يداه دافئتين ويداي باردتتن كقطعه ثلج. نظر في عيني وقال:

- ساكون معك طوال يوم غدا!. لا أرك يديك لا أريد سماع شيء إلا بعد الانتهاء من العلاج!.

ضغط بحنان على يدي وغادر الغرفة ضاحكاً.

في تلك الليلة لم استطع النوم وهذه المرة ليس من شدة الألم بل من الدهشة. لم أتوقع أن يحصل مثل هذا الشي معي إلا أنني كنتُ فرحةً.
وأخيراً أتى الصباح. دخل ابراهيم غرفتي:
- صباح الخير يا نور كل شيء سوف يكون على ما يرام لا تقلقي!.

أخذوني الى غرفة العلاج وطول تلك المدة كان يمسك بيدي ويحدق في عيني وهو يبتسم. أنتهت
الجلسة هذه المرة أسرع من كل مرة. أعادوني الى غرفتي، وخلدت الى النوم بسرعة دون تفكير في

اي شيء سواه. لم اعلم كم من الوقت نمت الا انني اعلم اني نمت وقت طويل بفعل العلاج وعندما فتحت عيني وجدتُ الغرفةَ مليئةً بالزهور وضوعها، وإبراهيم جالساً بجانبي
وممسكاً بيدي. وكأنني في حلمٍ سرحت مدهوشةً والسعادة أحتلت قلبي الصغير.
- كيف تشعرين الان؟!.
- أفضل بكثير.
- هل لي أن اطلب منك شيئاً!.

كنت أحلم وانا أقول:

- تفضل!.
- لأول مره تجيبيني هذا المهم!. نور هل تقبلين الزواج بي؟!.
كانت صدمةً لم استوعبها!.
- لا لا د. إبراهيم أنت شاب لطيف وما زلت في مقتبل العمر. الحياة أمامك
أبحث عن فتاة غيري تسعدك. أنا أنتظر !.

قلتها والحزن يغمر قلبي!. لأني ادركت حينها اني فعلا قد احببته
- أنت لا تفهمين الأعمار بيد الله، أن جبت الدنيا كلها لا اجد فتاة أفضل
منك أنا متيم في حبك!.
أخذ قلبي ينبض بسرعة كبيره. كان لمعان عينيه ساحرا وهو يسأل:

- أتقبلين بي؟!.

أبتسمت إبتسامه لم أبتسمها منذ زمن بعيد، وشعرت بقلبي يتكلم:
- نعم أقبل.
أمسك يديَّ وقبّلها قائلاً:

- أنا أسعد إنسان في العالم!.
ألبسني خاتماً جميلاً وقدم لي قطعةً من الشكولاتة سألته:
- كيف عرفت أني أحبُ الشوكولاتة؟!.
- خمنت!.
هكذا بدأت قصة حبي الفريد التي ختمت في يومٍ كنت اتجول في الحديقة
استرجع ذكرياتي القليلة مع د. إبراهيم. أتخيل كيف سأبدو بفستان الزفاف. شعرت أني شفيت وأقبلتُ على قيد الحياة من جديد، أحلم ببيت دافئ أنتظره فيه بفارغ الشوق واللهفة حينما تلقيت نبأ موته بحادث سير.

* * *

على سرير أبيض نظيف أستيقظت المريضة "نور" باكيةً بحرقة ولوعة للمرة الأخيرة ونظرت بعينين مضببتين من زجاج غرفة الإنعاش إلى الدكتور إبراهيم وهو يفتح الباب ويقترب منها متسائلاً :

- ليش تبكين "عمو" ليش؟!.

كانت غير قادرة على الإجابة.

كانت تحتضر!.