لوجع الحياة ما يبرره في قصيدة الشاعر السوري المثخنة بجراح الواقع الرهيب، بصوره الفظيعة، عبر زاوية نظر طفل نازح داء شاهدا على الفجيعة والتي قد لا تحتاج لتوصيف مادامت هي نفسها ناطقة بكل صورها حيث الموت هو اللحظة الراهنة ولا أفق للغد.

زنزانة نازح حزين

طالب همّاش

 

بنيَّ انتبه يا بنيْ !

إذا عدتَ يوماً من ( ... ) (الموت)

لاتقصدِ الدارَ

إنّا رحلنا عن الدارِ أغربةً مكرهينَ ،

وصارَ لنا منزلٌ ضائعٌ خلفَ تلك الرجومْ !

 

ولا تسألِ الجارَ في أيّ دربٍ رحلنا

ولا الذئبَ حين تصادفُ ذؤبانه

يلعبونَ مع الموتِ بين الكرومْ .

 

رحلنا عن الأرضِ كالغرباءِ ،

مشينا على طرقاتِ المغاربِ مثل الجنازاتِ ..

أمّي ورائي تغزُّ السكاكينَ في الأرضِ

من حزنها يا بنيْ !

وقدّامَ قلبي أبي

باكياً كالغريبِ يجرُّ كهولته في السهولِ

وخمسُ بنات ٍصغار يسرنَ على الدربِ

في مشهدٍ يكسرُ القلبَ

لكنْ أبي بغتةً يابنيْ

بكى جاثياً قربَ قبرٍ غريبٍ

وغابَ عن الوعي بين يديّْ !

 

فماذا سأفعلُ من أجلِ ضعفكَ يا أبي

وماذا سأفعلُ من أجل فقدكَ يا بنيْ ؟

أأحفرُ قبراً ضريراً بجانبِ قبرٍ غريبٍ

وأدفنُ روحي الرضيعةَ ما بينَ

ميتينِ منفردينِ

وأنفضُ منها يديّْ ؟

 

بنيّ انتبه يا بنيْ !

تلكَ نافذةُ الحزنِ أوّلها الريحُ

والليلُ آخرها

والبيوتُ التي سكنَ الصمتُ ساعاتها في المساءِ

ترينُ كصمت ٍجريحٍ على الغرفِ الخاليه .

 

فليتكَ كنتَ قريباً

تغنّي لتلكَ الصغيرةِ في باحةِ الدارِ

كلَّ أغاني الأسى الباكيه !

 

وليتكَ كنتَ قريباً

لتؤنسَ زغلولةَ الحبِّ في الأمسياتِ

فبعدكَ نامَ الأسى فوق مصطبةِ الحزنِ

وانحلّتْ مع الدمعِ مائيّةُ الساقيه !

 

بنيّ تمهّلْ قليلاً فقد عشّشَ الحزنُ في والديكَ

فحينَ سقطتَ وما كانَ من أحدٍ ترتجيهِ

سوى ضعفنا

سقطت دمعةٌ مرّةٌ أحرقت روحنا

يا بنيّ عليكْ ...

ضممناكَ حتى رأينا الزهورَ الجريحةَ

تنبتُ من ناظريكَ

ضممناكَ حتى اعتصرنا ثلوجَ الجبالِ

الصغيرة َمن ماءِ صدركَ

والآنَ أنتَ صغيرٌ

ووجهكَ أبيضُ

تملأ ُكلُّ الحماماتِ بالماءِ أفواهها من شفاهكَ

ثم تنامُ إليكْ !

 

سترجعُ يوماً وتسألنا عن أخيكَ

وأختكَ

لا تسألِ الآنَ

فالوقتُ قلبٌ ضريرٌ

أخوكَ تسلّقَ تلك السطوحَ البعيدةَ

مثل هلالٍ رضيعٍ

يفتّشُ عن ثديهِ

في الفضاءِ الأخيرِ

وأختكَ راحت لتلعبَ مع جرّةِ الماءِ

في النهرِ

لكنها سمعت رجعَ نايٍ بعيدٍ

فسارت كألعوبةِ الريحِ

فوق السهوبِ الجريحةِ

قالَ لها عاشقٌ :

هل تجبينَ في النهرِ

ضوءَ الغروبِ

فقالت له : النايُ أجمل ُوقتَ الغروب ِ

وغابت مخلّفةً جرّةَ الماءِ مكسورةً في الغديرْ !

بنيَّ ، أخي ، يا أبي ،

يا حفيدي الصغيرْ !

 

talebhammash@gmail.com

سوريا –حمص