يصيغ القاص العراقي أشكالية العلاقة بالسلطة أو الراعي من خلال حكاية تلخص سوء ظروف حياة الناس وتفاصيلها بفعل واحد هو "الأختناق" وهي فعل رمزي مهم يجعل الحياة على وشك الخفوت والتلاشي، فيجعلهم يجهرون صارخين في الشوارع والبيوت.

عندما لاينام الملك!

تناص مع كالفينو

زهير كريم

 

صاح رجل من قلب السكون

: أنا اختنق.

فتردد صوته في الأزقة والساحات الصغيرة. وكان الظلام أثناء ذلك يغمر الحيّ كلّه. ظلام ، وهواء السموم ، والحرّ الذي يصفونه على سبيل المجاز، بأنه نار جهنم،.

ثم أقترب شيخ تبدو عليه سمات الهزيمة، همس في أذن الرجل الذي صاح. قال له

: وأنا كذلك، منذ زمن طويل، طويل جدا، وأنا اختنق، ماذا سنفعل ؟. قال له

: نصيح.

فصاحا

: نحن نختنق، نحن نختنق، نحن نختنق .

ثم انفتح باب، وصاحت إمرأة لخمسة أيتام قتل أبوهم في الحرب الأخيرة، بدت وكأنها خرجت للتو من صف المتفرجين على حياة مخزية: ونحن مثلكم، أنا وأطفالي نختنق. ولم تمض سوى لحظات حتى انفتحت أبواب كثيرة ونوافذ.

ثم جاءت كتيبة شبان من جهة الجنوب وقالوا

: نحن كذلك ايها السادة، مارأيكم، ليصل صوتنا أن نصيح معا، وبصوت منظم، نطلق جملتنا التي تخلو من الاستعارات والكنايات والرموز، فلم نجد في الحقيقة أفضل من هذه الجملة إثارة ، ولا أعظم منها صدقا، هل نفعلها؟.

واحد

اثنين

ثلاثة

: نحن نختننننننننق.

صعد الصوت الى السماء باعتبارها راعيا للنفوس المخنوقة، لكنه عاد اليهم، ولم يحدث شيء، أخذته الريح شرقا وغربا، ولم يسمعوا ردّا . لكن الناس خرجوا أثناء ذلك من الأحياء المجاورة، والمدن البعيدة. وكانوا جميعهم يبحثون عن حلّ يسكّن أرواحهم القلقة

: ماهو الحل؟.

قيل لهم أن تصيحوا وحسب نحن نختنق

واحد

أثنين

ثلاثة

: نحن نختننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننق..

سمع الملك وهو في قصره صراخهم. قال

: ماهذا ؟.

ولم تكن قريحته أفضل من أيّ ملك آخر. قالوا له.

: انهم يختنقون ياجلالة الملك، يختنقون ويبحثون عن حل.

ثم جاء رجال الملك، لوّحوا بالهراوات، أطلقوا الرصاص، ثم ضحكوا كثيرا، وكانوا في الحقيقة قد تخيّلوا بعد هذه العملية الرادعة نهاية مريحة لهذه الضوضاء.

لكن الريح لم تتوقف عن حمل الصراخ الى قصر الملك، فصوت المختنقين على الأغلب، أعلى من صوت الرصاص والضحك. ولم يعد الملك قادرا على النوم. ظلّ يفكر بطريقة للتخلص من هذا الخلل البايلوجي الذي اضطربت بسببه حياته الهانئة، تمنى أن يغفو حتى ولو لساعة واحدة، ولم يجد حلا، لا بالإدوية، لا بالمواساة، ولا بالتطمينات.

حدث كل ذلك، وكان الملك التعيس قد قرر أن يفتح أفواه الوزراء واحدا واحدا، والقادة والمسؤولين بحثا عن حلّ لمشكلته، لم يجد شيئا نظيفا سوى بعض الاسنان التي إمتلات فجواتها بطعام متخمر، سألهم بإلحاح ونفاذ صبر، لكن لا أحد منهم قال له

: ان الأمر بسيط ايها الملك، بسيط جدا، انهم يختنفون، وسوف تنام عندما نجد لهم الحل.