يترجم تقرير الباحث الفلسطيني حالة الغضب التي استشعرها كثيرون لتصاعد حالات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويتوقف هنا عند دلالة زيارة مسؤول الكيان لأحد الدول العربية، والاستقبال الذي حظي به، نفس المسؤول الذي لازالت أياديه تحمل أثار الدم الفلسطيني من جراء القتل والتهجير والاعتقال والتهويد ومواصلة لسياسة الترهيب، ليخلص الباحث الى حالة الأسى والغضب والتي تترجم بعضا من الصورة القاتمة للوضع العربي اليوم.

هنيئاً لنتنياهو اختراقاته وتعساً للنظام العربي انهياراته!

 

إنها أيامٌ بئيسةٌ حزينةٌ، غريبةٌ عجيبةٌ، مؤلمةٌ مقلقة، صادمةٌ موجعةٌ، تثير الأسى وتبعث على الغثيان والغضب، وتنغص القلب وتنكد على النفس، أيامٌ لم نعتد عليها ولم نكن نتمنى ما يحدث فيها، أيامٌ كنا نخشاها ونخاف منها، ونتحسب من آثارها، وإن كنا نتوقعها ونشعر بها، ونعرف أنها تنسج بليلٍ وتجري في الخفاء، وتدور أحداثها في كواليس الظلام بعيداً عن عيون المراقبين ووسائل الإعلام، ولكنها كانت أيامٌ مستبعدة، وأحداثها محرمة، إذ ما كانت الشعوب العربية تتخيل أن يأتي يومٌ فيه يتجول الإسرائيليون وهم أعداؤنا في شوارعنا، ويدخلون مدننا وبلداتنا، وترفع أعلام كيانهم في سمائنا، وتعزف الفرق الموسيقية نشيدهم الوطني، وتطرق أسماعنا كلماته المؤذية ومعانيه المستفزة.

كما لم تكن الأنظمة العربية المتخاذلة قديماً وقحةٌ لا تتردد، وسمجةٌ لا تستحي، وجريئةٌ لا تخاف، بل كانت تخاف شعوبها، وتخشى أن تغضب منها وتثور ضدها وتنقلب عليها، إذ أن شعوبنا العربية ما زالت تحافظ على ثوابت الصراع، وتلتزم حقوق الأمة، وتحفظ العهد والأمانة، وتصون فلسطين والقدس، ولا تفرط في الحقوق والمقدسات، ولا تؤمن بالتطبيع والاعتراف، ولا تفكر أن تضع يوماً يدها في يد الصهاينة، تصالحهم وتعترف بهم، وتسامحهم وتنسى جرائمهم، وما زالت شعوبنا العربية تقدس المقاومة وتتبناها، وتساندها وتدعمها، وتعتبرها الخيار الأفضل لمواجهة الكياني الصهيوني والتصدي له.

لكن ما حدث بالأمس في سلطنة عُمان التي استقبلت رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وزوجته ورئيس جهاز مخابراته والوفد المرافق لهم، وقيام محطات التلفزة الرسمية للسلطنة بتغطية الزيارة وتبريرها والدفاع عنها، وحالة الفخر والزهو التي بدا بها نتنياهو ومرافقوه، إذ بدا سعيداً بتلبية رغبته بالزيارة، وجذلاً باستعراض علية رجالات القصر السلطاني بصحبة مستضيفه، الذين كانوا يبشون في وجهه، وينحنون احتراماً لقدره، ويبتسمون ترحيباً بمقدمه.

كأنه والحال هذه كان يقول بينه وبين نفسه، مخاطباً بقية القصور العربية القريبة والبعيدة، التي تبدو قصية أو موصدة أمامه، تهيأي لاستقبالنا، وافتحي أبوابك لقدومنا، وتزيني احتفاءً بنا، فلم تعد العلاقة معنا معرة، ولا الاتصال بنا شبهة، ولا التعامل معنا جريمة، ولا استقبالنا خيانة، بل نحن وإياكم شركاء، تربطنا وشائجٌ قديمة وتجمعنا مصالحٌ جديدةٌ، وتوطد علاقاتنا منافعٌ كثيرة ومخاطرٌ عديدة، ولنا معاً أهدافٌ مشتركة.

وفي الوقت نفسه تشارك فرقٌ رياضيةٌ إسرائيلية مختلفة في مهرجاناتٍ رياضية تعقد في دولة الإمارات العربية وقطر، وكثير من الرياضيين المشاركين هم جنودٌ في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم ما زال في الخدمة العسكرية، وللتو قد جاء من الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث يمارس قناصة جيش العدو لعبة القنص والقتل، ولا يفرقون برصاصهم القاتل بين طفلٍ وشابٍ، أو رجلٍ وامرأة، أو مسعفٍ ومصور، أو طبيبٍ وصحافي.

وآخرون من جنودهم ما زالت أيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين التي تقطر من بين أصابعهم ولم تجف بعد، وقد كانوا يؤدون الخدمة العسكرية في مدن وبلدات القدس والضفة الغربية، أو على حدود قطاع غزة، حيث يرتكبون بكل فخرٍ وتيهٍ جرائم فظيعة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ثم ينزعون بزتهم العسكرية، ويلقون بندقيتهم التي كانوا يحملونها، ويتخلصون من أحذية القتال والميدان، ويلبسون ملابس رياضية بيضاء نظيفة، ناصعة لا سواد فيها، وينزلون في مطارات الدوحة وأبي ظبي، وهم يحملون أعلام كيانهم وصور قادتهم، ويمنون أنفسهم بنصرٍ يحققونه، وسبقٍ يسجلونه، وميدالياتٍ يكسبونها، وبرفع اسم وعلم كيانهم في عواصم العرب التي كانت محرمة عليهم.

إنه لأمرٌ مخزي حقاً ومؤلمٌ كثيراً، ولا مكان فيه لحسن النية، أو الرغبة في التخفيف عن الفلسطينيين، أو الوساطة بينهم وبين الإسرائيليين، لتبرير اللقاءات وتشريع الزيارات وتطبيع العلاقات، ففي يوم الجمعة الحادية والثلاثين لمسيرات العودة الفلسطينية، جمعة "غزة صامدة ولن تركع"، المسيرة التي أثبت فيها الفلسطينيون شموخهم وكبرياءهم، وأظهروا فيها صمودهم وثباتهم، وبالغوا في تضحياتهم وعطاءاتهم، تهمل وسائل إعلامٍ عربية ما يتعرض له الفلسطينيون الآمنون المسالمون، الساعون إلى حريتهم والمطالبون برفع الحصار عنهم، وتنشغل بفعاليات مشاركة جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين دخلوا بلادنا بملابس رياضية لا تطهرها من الجريمة، ولا تبرؤهم من عدوانهم بشاشة الاستقبال وحسن الوفادة.

باتت مصافحة الإسرائيليين اليوم واستضافتهم، والترحيب بهم والبشاشة لهم، والإعلان عن زيارتهم والتقاط الصور معهم، ونشر أخبارهم وتغطية فعالياتهم، تجري في بلادنا العربية أمام عيوننا وفي وضح النهار، وأمام الكاميرات وعلى شاشات المحطات، تحت سمع الدنيا وبصرها، وبرعاية الأنظمة ومباركة الحكومات، ولم تعد هناك خفايا وأسرارٌ، ولا ظنون وتوقعات، إذ لا يوجد من يخاف أن ينكشف أمره أو يفتضح سره، خاصةً عندما باتت الأكثرية شركاء في الجريمة، ومتماثلون في الفعل، وبهذا فرح الإسرائيليون وسعدوا، إذ نجحوا في نقب الجدار وخرق الحصار، وقد ينجحون قريباً والحال هذا في تقويض الجدران وهدمها، وإزالة الأسوار ورفعها، ليصبحوا جزءً طبيعياً من الجغرافيا السياسية للمنطقة، وبعضاً من نسيجها الشعبي والقومي والديني.

أيها القادة العرب، أيها المتربعون على كراسي الحكم، أيها الخائفون على مناصبكم، القلقون على مستقبلكم، الباحثون عمن يثبتكم، الساعون نحو من يحفظكم، أيها الجاثمون على صدور شعوبكم، المصادرون لحريتهم، والمتآمرون على مستقبلهم، والمزيفون لقيمهم، والمبدلون لثقافتهم، المعبرون عن غير حقيقتهم، كفوا عن محاولة حرف الأمة عن أصولها، وجرفها بعيداً عن قيمها، واعلموا أن شعوبكم لا تقبل بتطبيعكم، ولا ترحب بأفعالكم، ولا يعجبها مساركم، فهي تري في الكيان الصهيوني عدواً أبداً حتى يزول عن فلسطين ويرحل، ويعود الفلسطينيون إلى أرضهم ويقيمون فيها دولتهم، هذه هي عقيدة شعوبكم إن كنتم لا تعلمون، وفكر آبائكم إن كنتم تعقلون، ووصايا أجدادكم إن كنتم لهم تحبون وبهم تبرون.