المقومات النوعية للترسل الصوفي

رسائل الشيخ العربي الدرقاوي

 

نوقشت يوم الاثنين 29 أبريل 2019، ابتداء من الساعة التاسعة والنصف صباحا إلى حدود الواحدة والنصف زوالا، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، قاعة عبد الواحد خيري، رسالة دكتوراه في الآداب، تكوين تحليل الخطاب السردي (مختبر السرديات والخطابات الثقافية)، تقدم بها الطالب ايونس لشهب فـي مـوضوع: "المقومات النوعية للترسل الصوفي، رسائل الشيخ العربي الدرقاوي (ت 1823م) نموذجا"، بإشراف الأستاذ حكيم الفضيل الإدريسي.

وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: الأستاذة نور الهدى الكتاني رئيسا، والأستاذ حكيم الفضيل الإدريسي مشرفا ومقررا، والأستاذ فيصل الشرايبي ممتحنا ومقررا، والأستاذ شعيب حليفي ممتحنا ومقررا، والأستاذ عبد الرحمان غانمي ممتحنا ومقررا. وبعد مناقشة دامت حوالي أربع ساعات، واختلاء اللجنة للمداولة، منحت الطالب يونس لشهب، درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا.

وقد ابتدأت المناقشة بتقرير الطالب الذي عرض فيه إشكالية البحث، منطلقا من واقعين: التفاعل بين الصوفي والأدبي، وتغييب الأدب الصوفي من الدراسات النقدية والأدبية، إلى حدود القرن الماضي. هذا، مع الالتفات إلى جملة من القضايا، في مقدمتها: مسوغات هيمنة الترسل الصوفي في زمن العربي الدرقاوي، وخصوصية التصوف المغربي، والتباس الحكاية الكرامية بالحكاية العجائبية. وبعد تحديده للمنهج النقدي المتبع وأسسه، عرض خطة البحث التي تتكون من بابين، خصص الباب الأول للمداخل النظرية، ويقع في ثلاثة فصول: الفصل الأول تعريف الرسالة،  والثاني خصص للرسالة الصوفية وتصنيفاتها، أما الفصل الثالث فقد تناول التعريف بالشيخ العربي الدرقاوي ورسائله.

واهتم الباب الثاني بإبراز مقومات الأدبية في رسائل الشيخ العربي الدرقاوي، باعتماد دراسة نصية تحليلية، اتجه الفصل الأول للدراسة المعجمية والموضوعاتية، والتفت الفصل الثاني للمقصدية وميثاق الترسل الصوفي، وأكب الفصل الثالث لدراسة بلاغة الترسل الصوفي، أو الترسلية الصوفية، من خلال أربعة مداخل: بنائي وسردي وأسلوبي وحجاجي.

وانتهت الرسالة إلى خاتمة عنيت بالتحقق من الافتراضات التي انطلق منها البحث وسعى للتدليل عليها، وبعرض نتائج الدراسة واستشراف آفاقها.

افتتح المناقشة الأستاذ المشرف الدكتور حكيم الفضيل الإدريسي الذي أثنى على الطالب الباحث على المستوى الشخصي وعلى المستوى العلمي، حيث جمع بحثه بين سؤال المعرفة وسؤال الأخلاق. وأبرز أن أهمية الموضوع تنبع من ارتياد الباحث لحدود لازالت عائمة وبكرا بين الخطاب الصوفي والخطاب الأدبي، وإخضاع الخطاب الصوفي للدراسات الحديثة ومناهجها النقدية، مما يسهم في انفتح الخطاب الصوفي. كما تنبع أهمية البحث، أيضا، من منزلة صاحب الرسائل الشيخ العربي الدرقاوي، بوصفه علما من أعلام الطريقة الشاذلية. ودعا في نهاية تقريره إلى تخصيص كل علم من أعلام الصوفية، ذوي الإبداعات في سائر الأجناس الأدبية، ببحث نقدي خاص، وذلك لأن كل واحد منهم يستمد من مصدر معين، ويرى العالم بعين مخصوصة.

وقد أشاد الدكتور فيصل الشرايبي بالمجهود البحثي الذي بذله الطالب الباحث، الأمر الذي يبرهن، في نظره، على أن الجامعة المغربية لازالت  قادرة على إعداد طلبة جادين، يمكنهم تقديم أبحاث وأعمال في المستوى. ونبه إلى أهمية البحث وجودته، ثم لفت انتباه الباحث إلى إغفاله الإشارة إلى السياق التاريخي والاجتماعي، فحثه على ضرورة تأطير الزاوية الدرقاوية تاريخيا وجغرافيا وبشريا، وكذلك فحص مقولة تواطؤ الطريقة مع الاستعمار الفرنسي، مع ضرورة لاحتفاء بالرمز والتناص عند مقاربة النص الأدبي الصوفي.  كما وجه الباحث إلى الاستغناء عن المداخل النظرية وتلخيصها، وتخصيص مباحث للإجابة على السؤال المركزي: هل استطاعت الرسائل أن تصلح المجتمع المغربي إبانئذ، وأن تحقق أهدافها في تخليق الإنسان المغربي؟ ثم ما الأدوار والوظائف التي قامت بها في سياق تاريخي واجتماعي معلوم، خاصة وأن العربي الدرقاوي، كان شخصا مؤثرا، وليس مجرد شخص عادي؟

واستهل الدكتور عبد الرحمان غانمي مناقشته بالإشارة إلى خصائص الباحث والقيم التي ينبغي أن يؤمن بها، وهو ما يحضر في الطالب الباحث يونس لشهب. ثم عرج على قضية علاقة الذات بالموضوع، حيث إن الباحث اندمج في موضوع بحثه لغة ورؤية، وهو ما فوت عليه رؤية نقدية تضع مسافة منهجية مطلوبة بين الذات والموضوع، ومن مظاهر الاندماج المذكور استعمال الباحث لغة صوفية شعرية تتعارض مع اللغة الأكاديمية.

ونبه، فوق ذلك، إلى ضرورة الابتعاد على الأحكام التعميمية والإطلاقية، لتعارضها مع منطق البحث العلمي وحقائقه النسبية. وفي الأخير لفت المناقش انتباه الباحث إلى ضرورة انسجام النتائج أن مع الاختيارات المنهجية.

وأعرب الدكتور شعيب حليفي عن سعادته بمناقشة هذا البحث إلى جانب ثلة من الأساتذة المتخصصين، وبمناقشة بحث جاد لطالب جاد عرف بأخلاقه الحميدة وجديته في البحث العلمي، وقد تحقق في بحثه السلاسة والمتعة والمعرفة، بما يفتح آفاقا للبحث في مرحلة القرن الثامن عشر والتاسع عشر من تاريخنا المغربي، خاصة وأن المكتبة المغربية لا توفر على دراسة أو دراسات جادة تحيط بالثقافة المغربية في هذه المرحلة التي تميزت باضطراب شديد.

واقترح الأستاذ شعيب حليفي على الطالب الباحث منظورا جديدا كان بالإمكان، لو اعتمده، أن يغني البحث ويسمه بالتفرد، يتعلق الأمر بتتبع مفهوم الرسالة وما طرأ عليه من تحول وإبدال مفهوميين، ابتداء من القرن الثامن إلى حدود القرن الثالث عشر الميلادي، وهو ما لا يمكن البتة الوقوف عليه في المعاجم اللغوية أو الاصطلاحية، التي استعان بها الباحث. وأشار إلى أن تغييب السياق الثقافي والتاريخي للقرن الثامن عشر والتاسع عشر، أضر بالبحث على مستوى التأويل والتعامل مع  نص الرسائل في حركيتها وآثارها على مستوى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي. وفي السياق نفسه دلل على أهمية بل ضرورة الإفادة من النقد الثقافي والتاريخانية الجديدة والدراسات الثقافية، مما من شأنه إلغاء انفصال النص عن السياق الثقافي والاجتماعي الذي أنتج فيه.

واختتمت المناقشة  بتقرير الدكتورة نور الهدي الكتاني، رئيسة الجلسة، أشارت إلى الجهد الطيب والكبير الذي بذله الباحث، وشاطرت أعضاء اللجنة خلاصاتهم ورؤاهم، ولذلك أعلنت أنها لن تكرر في تقريرها ما سبق أن تم التطرق إليه بتفصيل، واكتفت بالإشارة إلى ملاحظات تتصل بجوانب أخرى، انصرف بعضها إلى توثيق الإحالات والتعريف بالأعلام ومنهجيتهما، واهتم البعض الآخر بأخطاء متعلقة بعلامات الترقيم والصياغة والشكل، وجاء البعض الثالث تصحيحا، معززا بالمصادر والمراجع، لتصورات مغلوطة، من مثل ذهاب بعض الدارسين، ممن سايرهم الباحث، إلى أن الطريقة الكتانية مستوحاة من الطريقة الدرقاوية والهداوية. وإلى ذلك، اقترحت الأساتذة على الطالب الباحث إضافة فهرس للأشعار، خاصة وأن مجموع الأشعار المستشهد بها في المجموع الترسلي لا يستهان به.