مهرجان سينمائي عريق، بخصوصية فرنسية بادية، وحضور نجوم السينما العالمية لتكريس وجودهم واللقاء من أجل فتح نوافذ وتجارب جديدة ضمن مشاريع تخرج من ردهات المهرجان، دورة كان الفرنسية تواصل الذهاب شرقا في اكتشاف سينماءات جديدة ناشئة قادرة دوما على صناعة الدهشة وخلق أساليب جمالية تستطيع أن تؤثر في قرارات لجن التحكيم، هنا تقرير عن الدورة الاخيرة التي توجت مخرج طفيل الكوري يونغ جون.

طفيل يونغ يقتنص سعفة كان وايليا يفكر في الهوية الفلسطينية

 

فيلم "طفيل" الكوري الجنوبي يقتنص السعفة الذهبية في كان

المخرج بونغ جون هو يصوّر في الفيلم الصراع الطبقي بأسلوب مشوق في إطار من الكوميديا السوداء. فاز فيلم "طفيل" (باراسايت) للمخرج الكوري الجنوبي بونج جون-هو بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي. ويتناول الفيلم الصراع الطبقي بأسلوب مشوق في إطار من الكوميديا السوداء.

وتضاف هذه الجائرة لسلسلة الجوائز التي حصلت عليها الأفلام الآسيوية في مهرجان كان بعد فوز فيلم للمخرج الياباني هيروكازو كوري-إيدا بالسعفة الذهبية العام الماضي.

وكان بونج وضع أولى بصماته في مهرجان كان عام 2017 بفيلمه (أوكجا)، وقد أصبح أول مخرج كوري جنوبي يفوز بالجائزة.

ويحكي فيلم (باراسايت) قصة أسرة سيئة الحظ مؤلفة من أربعة أفراد تتملق أسرة ثرية من أجل توظيفها. وتستطيع هذه الأسرة التسلل إلى حياة الأسرة الثرية وكسب ثقتها قبل أن تسوء الأمور. وقال بونج لرويترز إن فيلمه، الذي سخر من حماس الأم الثرية المفرط تجاه موهبة ابنها الفنية وأيضا من أسرة في شقة مزدحمة تحاول التقاط إشارة الإنترنت من الجيران، يعكس "واقع الحياة". وأضاف قائلا "احترم حقا الأفلام التي تتعامل بجدية مع المشكلات السياسية الكبرى لكنني أفضل كثيرا أن أخلط ذلك بالسخرية".

كما فاز فيلم (أتلانتيكس) الذي يتناول حياة المهاجرين للمخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب بالجائزة الكبرى في المهرجان. وكان هذا أول فيلم طويل على الإطلاق للمخرجة ديوب وقد اعتمد على فيلم وثائقي لها في 2009. وفاز الإسباني أنطونيو بانديراس بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "ألم ومجد" (بين آند جلوري) للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار والذي يحكي سيرته الذاتية وهو أحد الأفلام التي كانت مرشحة للفوز بالسفعة الذهبية. وأهدى بانديراس الجائزة للمخرج ألمودوفار الذي كان مرشحا بقوة للفوز لكن سجله لا يزال خاويا من السعفة الذهبية.

وقال بانديراس لرويترز "إنها جائزة مشتركة. ليس فقط لأنه المخرج وأنه ثامن فيلم لنا معا... بل لأنني ألعب (شخصيته)" مضيفا أن "99.9 بالمئة من الشخصية يستند على المخرج". وفازت البريطانية إميلي بيتشام بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم {ليتل جو}.

المخرج إيليا سليمان يطارد الأجوبة مسكونا بهويته الفلسطينية

سليمان يخوض المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية مع أحدث أفلامه "لا بد أن تكون الجنة".

يضع المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في فيلمه “لا بد أن تكون الجنة”، الذي عرض الجمعة ضمن فعاليات الدورة الـ72 من مهرجان كان، الهوية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي تحت المجهر، وسط أجواء يغلب عليها الصمت والاستعارات الشعرية.

ويخوض سليمان مجددا المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية مع أحدث أفلامه “لا بد أن تكون الجنة”، وهو قصة ملحمية مطعّمة بالفكاهة يسعى من خلالها إلى استكشاف قضايا الهوية والجنسية والمنفى.

ولد سليمان (58 عاما) في الناصرة، أكبر مدينة عربية في إسرائيل، وحصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 2002 عن فيلم “يد إلهية”.

وينحدر سليمان من فلسطينيين بقوا في أرضهم بينما فرّ مئات الآلاف أو طردوا من منازلهم بسبب القتال الذي رافق قيام دولة إسرائيل عام 1948.

في فيلمه يصوّر المخرج الفلسطيني العصامي التكوين، حيث علّم نفسه بنفسه، مجتمعا فلسطينيا ينهار تحت الاحتلال، وينجر نحو العبث. ويخيّم عليه شعور دائم بوجود عنف كامن قابل للانفجار، لكن دون إظهار ذلك بشكل واضح.

ويشكل العرب الإسرائيليون نحو 17.5 بالمئة من سكان إسرائيل، لكنهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، ومعظم أقاربهم يسكنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ عام 1967. وفي مقابلة له مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عام 2002، قال سليمان إن “هناك أنواعا مختلفة من الاحتلال”، مضيفا “أنا محتل بطريقة مختلفة عن الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

ومكنّه فيلمه الروائي الثاني “يد إلهية” من أن يكون أول فلسطيني ينافس في مهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية.

وتتمحور قصة هذا الفيلم الرومانسية حول رجل فلسطيني من القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل عام 1967 وامرأة من مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، المدينتين اللتين حال بينهما حاجز عسكري إسرائيلي، ما يجبرهما على الالتقاء في موقف للسيارات قريب.

أفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة وخيال جامح

وقال سليمان “أن تكون فلسطينيا فهذا تحدّ في حد ذاته”. وتابع “يجب أن تخرج عن هذا الخطاب القائم عن فلسطين، وأن تصنع فيلما له بعد عالمي”.

وأفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية، ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة يرافقها خيال جامح.

وقال المخرج أيضا “لقد وصلت في وقت لم تكن قبله أفلام كثيرة تعاملت مع مسألة فلسطين، وقد وضعت مسألة فلسطين مع فكاهة بخط عريض”.

ووجهت انتقادات كثيرة لسليمان في بداية حياته المهنية، وكان هدفا لفتوى مصرية تبيح دمه بعد أول فيلم روائي طويل له.

ويصف المخرج نفسه بأنه “مسالم وغير عنيف”. ويقول إنه مع مرور الوقت تحوّل من “متعاون” إلى “بطل” في عيون جزء من جمهوره، لكن كلا التصنيفين لا يعجبانه.

وبدأ سليمان المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، ينتج الأفلام في نيويورك حيث عاش بين العامين 1981 و1993.

وكان أول فيلمين قصيرين له “مقدمة لنهاية جدال” الذي ينتقد طريقة تقديم العرب في أفلام هوليوود وفي وسائل الإعلام، وفيلم “تكريم بالقتل” الذي يستحضر إحدى ليالي نيويورك خلال حرب الخليج.

وعاش المخرج إيليا سليمان لفترة من الوقت في القدس التي ظهرت مع الناصرة في أول فيلم روائي طويل له حمل عنوان “سجل اختفاء” وأنتج عام 1996.

وعلى غرار كل أفلام سليمان، كان معظم الممثلين في العمل غير محترفين بمن فيهم والداه. وحاز الفيلم جائزة “لويجي دي لورينتيس” عن أفضل فيلم في مهرجان البندقية السينمائي.

وبعد نجاح “يد إلهية” في كان، أنجز سليمان فيلمه الروائي الثالث “الزمن الباقي” عام 2009. واستوحى إيليا قصة الأسرة الفلسطينية في الفيلم من كتابات والده الناشط الفلسطيني، ورسائل والدته إلى الأقارب الذين استقروا في المنفى بعد قيام دولة إسرائيل.

ونافس الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورة عام 2009، وفاز بعدة جوائز في العام نفسه في مهرجاني أبوظبي السينمائي ومار ديل بلاتا في الأرجنتين.

وفي جعبة سليمان مجموعة أخرى من الأفلام القصيرة التي أخرجها، ومن بينها فيلم “الحلم العربي” الذي يشكك في الحياة في المنفى. في فيلم “لا بدّ أن تكون الجنة”، يتفحص سليمان مرة أخرى وجوده، وكأنه يطارد الأجوبة مسكونا بهويته الفلسطينية.