يكتب الناقد المغربي أن هذه الرواية تستمد جانبا من جماليتها انطلاقا من المعطى التشكيلي الذي ظل حاضرا منذ فاتحة الرواية حتى نهايتها، لدرجة يمكن القول معها إنه من الأبنية الأساسية التي قامت عليها الرواية. فالرواية تكتب أحداثها، نضالاتها، تاريخها وكأنها ترسم الجزائر التي أتت عليها الآلة الاستعمارية وآن لها أن تنجلي.

الرسام باعتباره بطلا روائيا

«ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي نموذجا

جـواد السراوي

 

تستلهم رواية "ذاكرة الجسد" للجزائرية أحلام مستغانمي التشكيل بشكل لافت. ولئن كانت عوالم الميلودي شغموم في عمله الروائي " المرأة والصبي" مبنية على عقدة لوحة متخيلة لرسام مفترض، فإن ذاكرة الجسد تحتفي بالرسام باعتباره بطلا روائيا، إذ تبدأ أمارات هذا الاحتفاء في عمر متقدم من هذه الرواية التي تعيد النظر في جزائر ما بعد الاستقلال، مستحضرة ذلك الوجع أيام دخول الآلة الاستعمارية الفرنسية وما رافق ذلك من تصدعات كان لها الأثر البالغ على النسق الجزائري.

إن احتفاء الرواية بالسارد الرسام، المبتور الذراع له أكثر من دلالة، وكأنا بالروائية تكتب/ ترسم بكلماتها/ بريشتها جزائر أخرى لشعب عانى من أصحاب الأكتاف العريضة وثلة من سماسرة الوطن. وفي هذا السياق، تقدم الرواية السارد بين اختارين: الكتابة أو الرسم، ونلفيه يلجأ إلى الرسم كتعويض عن نقص ما. هل هو تعويض عن البتر؟ يحدث إذن أن يلتقي السارد " في إحدى قاعات العرض بباريس، حين كان خالد يمارس الفنون التشكيلية."[1] بحياة التي أقامته وأقعدته كما الوطن، حياة التي لا تذكره إلا بقسنطينة، بهالتها وجسورها، بمكرها وتماوجاتها. يلتقي بحياة في حفل افتتاح معرض للرسم بباريس حيث يعرض لوحاته التي تثير كم من أسئلة فنية. ويبدو أن السارد ـمولع برسم الجسور، لقد رسم " قسنطينة ... و لا شيء سوى قسنطينة و كثيرا من الجسور "[2]. وفي كل مرة يرسم جسرا بمواصفات تشكيلية معينة، قد يخيل إلينا أنها مجرد تكرار مجاني. والحال أنه يذكرنا بعدد من الرسامين الذين يرسمون تنويعات عديدة لموضوع واحد. هذا ما تعلن عنه الرواية، يقول السارد: " اللوحات لا تتطابق، وإن تشابهت. هناك أرقام سرية تفتح لغز كل لوحة "[3]

ترتيبا على ما سبق، قد يبدو لنا الفنان ـــ تعميما ــــ على حد تعبير إدريس الخوري " كما لو أنه يكرر نفسه عبر مجموع لوحاته، والواقع أن الإبداع، في مستوياته التعبيرية المختلفة، إنما يعطي للوهلة الأولى هذا الانطباع للمشاهد، وذلك من حيث " تكرار" نفس الموضوعات ونفس الخطوط ونفس الألوان"[4]. وبالتالي، قد تعكس لوحات السارد تلك تعبيرا عن أشواط مرحلية في مساره، وأيضا الكشف عن علاقاته المعقدة بقسنطينة وبذاته.

لكل رسام موضوعته الأساسية التي يعرف بها، وذاك شأن الرسام خالد بن طوبال. ولعل هذا ما يبرر نزوعه نحو وضع لمسات ومواصفات تشكيلية أخرى للوحة "حنين"، هذه اللوحة التي رسمها منذ زمن، وكان قد مر على بتر ذراعه اليسرى أقل من شهر، إنها اللوحة التي قد تشكل "الأصل" أما الباقي فنسخ وتنويعات. وفي تضاريس الرواية، تبرز لوحة " اعتذار" المرسومة على شرف الفرنسية كاترينا باعتبارها تصويرا دقيقا لامرأة واقعية اسمها كاترين (لماذا كاترين؟) المولعة بالفن والتي حظيت بجسور/ لوحات خالد عندما قفل راجعا إلى قسنطينة.

خلاصة تركيبية:

تستمد رواية "ذاكرة الجسد" جانبا من جماليتها انطلاقا من هذا المعطى التشكيلي الذي ظل حاضرا منذ فاتحة الرواية حتى نهايتها، لدرجة يمكن القول معها إنه من الأبنية الأساسية التي قامت عليها الرواية. فالرواية تكتب أحداثها، نضالاتها، تاريخها و كأنا بها ترسم الجزائر التي أتت عليها الآلة الاستعمارية وآن لها أن تنجلي.

 

الأدب المعاربي اليوم، قراءاات مغربية، مجموعة من الباحثين، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط1، 2006، ص 137.[1]

ذاكرة الجسد، ص 200.[2]

نفسه، ص 206.[3]

إدريس الخوري، كأس حياتي، كتابات في التشكيل، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط1، 2000، ص51.[4]