ديوان العدد "فضفضة" من مصر لشاعر يتقاسم مع القراء سحر الأحلام ووجع الكتابة والذاكرة وفوضى العالم وتيه الكلمات، مزيج من كلمات مفاتيحية للدخول في معالم قصائد قصيرة تنصت لراهنها الخاص، حيث لا يملك الشاعر إلا لغته كي يواجه بها محاولة للفهم، في وقت أمسى كل شيء يثير الريبة والغموض.

ديوان العدد

فضفضة

مصطفى جاد الكريم

 

-1-

يرتعش القلم
بين أصابع تتشهى الكلمة
يلتقم ثدى الحقيقة
يتذوق عطاء الفطرة
ينتظر فيض الحروف
يبتهج لتوهج فكرة
يندفع وراء نداءات غامضة
يسمعها وحده
من وراء أفق
يراه وحده
يعلم أنه يعلم
أنه لا يعلم

 

-2-
الضوء يرحل عاصيا
من نافذة مستقرة
تغلقها يد غائمة
تصدر أصوات من الفِناء المعذَّب
لسجناء سعداء
يتصافحون بحماس
تبكى زهرة
فى حديقة وحيدة
تتعالى عليها الصحراء
تقفز ذكرى خبيثة
تفسد الحفل الخاوى
فتنسحب الجرذان
يأمر بالشاى
سوط أنيق
فتتداعى البسمات
يُقبل من قريب
فارس منسى
فيستحى الحياء

 

-3-
السلام يخيم معاندا
والصوت البعيد يبتسم مباغتا
والنساء يَلُحْنَ فى الأفق
والرجال يختفون فى الجبال
قصة جديدة تبدأ على لسان صامت
ودعوة مفاجئة لاجتماع قديم
السحب تضطرب فى إعياء
والمطر متردد
والخصوبة متشائمة
والتاريخ يحفر قبورا رمادية
لجثث هلامية
والذكريات تتراجع خلف سياج منيع
تبنيه أياد قوية
منذ قرون

 

-4-
الجبل ينفضُّ عن سنابك مضيئة
والسلام يقابل الريح العطرة
من ذا يطعن ذكرى متتالية
ويهمس لصخرة ارتخت فى قبضة كلمة
انتشى السلاح ونسى الدم
وهانت بعد الحفل الأقاحى
السرور فى وجه الصراع
يعكس رغبة قديمة
والسائر يطير بعد اختراع الخيل
وكل النازحين فضلوا النواح
وشربوا فى كأس غريرة
عينك ترى الآن كل الأطمار
فغلف كلامك المعسول بالتهم
وانتظر فى الخارج

 

-5-
سوط ذهبى
يضرب ظهرا فضيا
بيد ناصعة
تطلق صرخات بهيجة
أمل مستوحش
يبعث رسائل مبهمة
إلى قلب فارغ
كلمة أخيرة
لطفل يحتضر
على فراش حريرى
سهم نافذ
من قوس مستغرَب
يخترق صدرا متواريا

 

-6-
مناسبة مخيفة
يحضرها ضيوف مجاملون
يقدمون هدايا صديقة
تنفجر فيمن يحبها
سلامتك يسهر عليها
حراس مدججون
بأسئلة مستعصية
رحلتك دائرية
تسبب دواراً للبِحر
فتبتعد لؤلؤة
عن أصابع متضرعة
إذا أردتَ التصالح
اترك قلبك رهنا

 

-7-
بقعة حمراء
على لوحة صفراء
يأتى فارس من بعيد
سيفه المكسور يتلألأ
ذكرى شاحبة
فى جبين متغضن
وسؤال بسيط
إجابته أبسط
دخان يملأ المكان
تبدو من خلاله زمردة
تبكى من شدة الجمال
إحساس حاسم
يلتف مراوغا
حول مواجهة
يتجاهلها المنطق
سكون بليغ
فى قصيدة بديعة
وضع فجأة نقطة
على حرف غائب

 

-8-
ضوء بعيد خافت
عواء رتيب
ضجة مسترخية
استسلام
تنبعث أحلام مزاحمة
يتردد صهيل فى الخلفية
تهاجم آلام منسية
تساورنى شكوك أكيدة
سلام على جرح سعيد
تجرى منه دماء فرحة

 

-9-
وشوشة حالمة
فى حديقة غامضة
بين طيور بديعة
سلام مفاجئ
على قلب متعَب
يغنى فى صمت
أسورة ذهبية
حول معصم مجهد
فى لحظة مرتبكة
أفق ظامئ
لشمس غاربة
تنظر بملل
إلى البحر


-10-
ثعبان حَذِر
يتلوى فى فردوس مشبوه
ليُغوى قلبا مغلقا
حقل لا نهائى
يملؤه قمح ذهبى
يُطعم عيونا منتشية
آلام شديدة
تحجر اللحظات
فى نفوس صابرة
زحام
حول ينبوع صاف
لاتكدره الآثام

تذكرة إضافية
فى رحلة مؤجلة
إلى بلاد عجيبة

 

-11-
بلورتان
فى سماء صافية
عجيبة الألوان
ضحكتان
فى فم برئ
تعطران الكون
سبحتان
فى يد ناسك
يبكى من المعرفة

قصتان
على لسان صادق
يشع حياء
همستان
فى أذن واعية
تطرب للهدوء

 

-12-
نافورة الأحلام
يتجدد ماؤها السحرى
وتلقى برذاذها الوردى
على قلوب يائسة
كلمة الأمل
تبعثها خلايا المخ
رسائل غريزية
إلى نفوس تعسة

فى أفقر الأماكن
توجد ابتسامات
وملابس زاهية
عند كل نهاية
بداية جديدة
الحياة تتحدى
واليأس ييأس


-13-
للسحرة كلام
يخترق أدغال البهاء
ليستحضر عطورا عتيقة
وينفث فى روع الليالى
ميعاد القمر
فتنتظر النجوم بصبر
ملايين السنين
وتقيم الزينات
فى أنحاء السماء
ابتهاجا وشوقا
ويبتسم الناس
ارتياحا
لأنهم
يخيل إليهم من سحرهم
أنه قادم

 

-14-
أنتظر الوقت
كى يمضى
أنتظر الألم
كى ينتهى
أنتظر المعنى
كى يظهر
أنتظر الكلمة
كى تتجسد
أنتظر السماء
كى تمطر
أنتظر السلام
كى يحل

 

-15-

جدران الوحدة
لا تخترقها الصرخات
و لا يشققها الزحام

و لا يرققها البكاء
و لا تذيبها الأحلام
حراسها لا قلوب لهم
و لا يعذبهم الندم
يتناوبون عملهم
بصبرٍ مُريب
ويقتلون بمهارة
كل من يحاول
تسلق الأسوار

 

-16-
ما بال ما أصبو إليه تلبدا
واليأس من بعد النضال تسيدا
....
الأفق داج والعيون كليلة
والرأي من بعد السداد ترددا
....
والأمر فوضى والظنون عصية
تأبى التزحزح عن دمار قد بدا
....
السوس ينخر فى جدار شامخ
شاخت ملامحه فصار مهددا
....
كثرت ضباع حوله نهاشة
والأُسد صمت فى الضباب تجمدا
....
حار الكلام على الشفاه فما ترى
إلا خطابا ما أصاب ولا اهتدى
....
وعلى السماء غمامة لا تنجلى
والقلب فى اللغز العجيب تسرمدا

 

-17-
لهثَ الشوقُ فى فؤادٍ غريبِ
كم روته أحزان بُعد الحبيبِ
.
صمته جمرة تبث لهيبا
يحرق النفس فى خفايا الغيوبِ
.
نبضه حيرةٌ تثير سرابا
ملأ الأفْقَ بالعذاب المهيبِ
.
صبره قصة تضجَّر منها
قلم التاريخ عند المغيبِ
.
دمه سال فى عروق ليالٍ
روَّعته بمهرجان النحيبِ
.
كلما قرر التوقف غماًّ
أوقفته فراشة فى السهوبِ
.
باحث عن أليفه فى وجودٍ
صمَّ أذنيه عن شكاوى الغريبِ

 

-18-
مرة أخرى تؤوب الذاكرة
مرة أخرى تعود الماكرة

.
التجاعيد التى أُنسيتها
أصبحت فى وجه قلبى ظاهرة

.
الحكايات التى أنكرتها
أقبلت فى درب عمرى حاسرة

.
التماثيل التى حطمتها
نظرت لى فى هدوء ساخرة

.
الأساطير التى صدقتها
حلقت فوقى طيورا حائرة

.
أى شيئ تركته الذاكرة
غير حزن وعظام نَخِرَة
غير روح عابرة
فى هموم ماهرة
لم تعد تملك إلا كلمات غادرة

 

-19-
محاصَرٌ بغير أسوارِ
منتظِرٌ بغير زوارِ
.
مجادلٌ بغير مسألةٍ
مجاهدٌ بغير كُفارِ
.
مسافرٌ فى نفس موضعه

وكاتبٌ بغير أحبارِ

.

مرشحٌ بغير دائرةٍ
وخاطبٌ بغير أصهارِ
.
وقائلٌ بغير حنجرةٍ
فى صحبةٍ بغير سُمَّارِ
.
وغائبٌ لا شيئَ يذكره
وكائنٌ بغير إصرارِ

 

-20-
أعطيكِ من نفسى سلام عناقِ
ويدا تحاول فى سنا الإغراقِ
.
وتميمة حصنتها بتمائمٍ
منسية من عهد ماض باقِ
.
يا طفلة نسىَ الزمان مذاقها
مذ أبحرت للشوق والإشراقِ
.
محفوفة بالحزن فى أعماقها
متوردا بدمائها كالساقى
.
مقتولة بالأمر من سجانها
مسجونة فى عِزة الإخفاقِ
.
مروية فى كل سفرٍ مرة
أو مرتين بلكنة الأحداقِ
.
تركوكِ فى بطن الرياح هدية
للقلب فى تنبيضه الدفاقِ