"إسماعيل" الفلاح الذي أدرك فساد "نبهان" رئيس الجمعية الزراعية، صمم على الثورة ضده حتى اقتلاعه، أوصل الأمر بالفعل إلى إزاحة نبهان، ونجاح شاب صغير خجول في انتخابات حرة، هو "علام" ابن نبهان، يضعنا النص في مواجهة حادة مع سؤال: الديمقراطية في المنطقة العربية.

نبهان والحذاء العتيق

فـراس ميهـوب

 

ما حصل بين إسماعيل ورئيس الجمعية الفلاحية في أم العصائب أوشكَ أن يكون حدثا عابرا، لولا أنَّ كيل الفلاح قد طفح عصر ذلك اليوم الغائم من تشرين الأول.

- ابتعد من هنا، ليس لك عندي إلا حذائي العتيق!

- هذه حصتي من السماد والبذار، وليست منة منك.

- اركب على رأس حمارك، إن استطعت!

لم تك هذه هي المرة الوحيدة التي يتطاول فيها على فلاحي القرية، ولكن إسماعيل قرَّر تحدي العجوز السليط، واعتلاء رأس حماره.

تصرَّف نبهانُ دائما كدكتاتور صغير، استقوى بالحزب الحاكم، وزوج ابنته لرفيق خامل جعلته الأيام مسؤولا.

تظلَّمَ القرويون، ولا مجيب، ففي العرف يبقى الرفيق على حق، ولو باع السماد في السوق السوداء، وسرق المعونات، وأنكر وجود البذار المدعومة!

لم ينم إسماعيل ليلته، جاءه الصبح حاملا فكرة وحيدة ونهائية، لتكن ثورة ضد العجوز السليط.

ارتدَّ نداء الثورة مسموعا، أجابها نادر فورا، وأمين بسرعة، وسراج بعد تردد، وتبعهم مئتا رجل وامرأة تقريبا.

تحلقوا حول وكر نبهان الحصين، أسقطوه بصوت عال، خرج عليهم، والسخرية تملأ شفتيه:

- انبحوا ما شئتم، لن تنالوا في النهاية إلا حذائي العتيق.

استشاطوا غضبا، تداولوا بالأمر، أيحتجزوه كذئب مارق، أو يحاصروه مديدا كثعبان مختبئ بين القش، أم يردوه كضبع حاقد؟!

طالت أيام الثورة، تسلل الشك إلى البذيء الصلف، استمزج رأي الرفاق بهاتف، نصحوه بالمداهنة.

أطلَّ على الغاضبين:

- جئت أسمع مطالبكم.

ردوا بصوت رجل واحد.

- أن ترحل.

- لن تنالوا إلا حذائي العتيق.

أعاد لهم نبهان نفس جوابه الأصلي.

حزم رجال القرية رأيهم، أرادوا اقتلاعه بالقوة، لكن إقالته جاءت من أعلى.

قبل أن يبتعد، سمعوه يتمتم:

- لم أخرج خوفا، بل احتراما للأمر السامي، لكن صدقوني: لن تحصلوا في النهاية إلا على حذائي العتيق.

تجاهله المنتصرون، احتفلوا، داهمهم الفجر التالي، اجتمعوا لاختيار بديل.

احتاروا بين نادر فهو رجل طيب، ولكنه من عائلة لا شأن لها، أو أمين طري العود، أو سراج الخبير لكنه متعال.

اشتد الخلاف، طارت الشملات والعُقل، واهتزت الشوارب، ارتفعت أصابع التهديد، والعكاكيز الجاهزة للضرب.

شر الفتنة استطار، وضعوا معايير للحل، من تنطبق عليه انتخبوه، شاب وخبير، لم يسرق بعد، من عائلة كبيرة، متعلم ولسانه حلو.

طال البحث، لم يجدوا من يجمع مواصفاتهم كلها، انتظروا.

ظهر شابٌّ خجول، رشَّح نفسه.

استنكر أغلبهم في البدء، احتج البعض: لا يمكن، اثنان قالا: ولم لا؟ بعد الجدال قبلوه حلّا.

تقدَّم الفائز، علَّام ابن نبهان، عاهدهم على العمل الصالح، ابتهجوا بالتغيير، غصَّ إسماعيل، نزل عن رأس الحمار، عاد إلى مربعه الأول.