يقدم الكاتب الفلسطيني تحليلا للوقائع المختلفة ولا يعطي موقفا نهائيا، في السياسة الأمريكية باتجاه لا يغير من وقائع الصراع العالمي والشرق اوسطي، بل يفتح نافذة قد تؤثر على صياغة نهج جديد يغير المعادلة الترامبية ومعادلة المبايعة المخجلة لمكانة امريكا كتابعة لدولة اصغر من اصغر ولاية امريكية. وتكلف الخزينة الأمريكية ميزانيات طائلة، وضرر سياسي يتعمق وسيصل عاجلا ام آجلا إلى مأزق صعب جدا.

زمن القذرين! والنمط الأمريكي

أفنان القاسم

 

كيف الحرب؟
هناك نمط إسرائيلي لكل حرب لكل هجوم لكل طلقة رصاص غدا جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، يكشف عن تبعية إسرائيل الكاملة لأمريكا تحت غطاء "الابنة العاق" كمصطلح تهويلي وتبريري لغايات سياسية ألا وهو، وأعني هذا النمط، أن لا بد لإسرائيل من "إذن" تعطيه أمريكا، إن لم تكن الضربة هي التي تخطط لها. لهذا كل ما يدور على الأرض الفلسطينية من حروب أمريكي بأصابع إسرائيلية، وكل ما يرتكب على الأرض الفلسطينية من جرائم إسرائيلية بأسلحة أمريكية، وما المقولة "لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها" التي برر فيها بايدن أفعال إسرائيل المهولة، إلا تأكيد لهذا التحليل. لأن إسرائيل المعتدية "بإذن" سرًا عليها الاعتداء "بإذن" علنًا، وهي طريقة قذرة في التعامل السياسي عودنا عليها أوباما. وكأن بايدن يعود بنا إلى زمن القذرين، هذا الزمن الساكن الذي يمضي كل شيء من حوله نحو التغيير وهو لا يتغير، والدليل على ذلك التحركات البائتة التي اعتدنا عليها حتى التيئيس الجمعي، حتى التخزيء الفردي، عندما سارع بايدن = قال= بإرسال مبعوثه الشخصي هادي عمرو المستشار اللبناني القديم المترهل لأوباما، إلى تل أبيب ليحول دون التصعيد = قال = بينما كل شيء مخطط ومعد ومرسوم للنمط الإسرائيلي.

من ناحية ثانية، هناك نمط حماسي، حماس والجهاد الإسلامي والزمر الهامشية يجعل من الإخوان المسلمين جاهزين دومًا وعلى أهبة الاستعداد لتقديم أية خدمة لإسرائيل لنتنياهو "بأمر" من الموساد الذي صنعهم. وذلك لتثبيت أقدام هذا في الأرض كلما زلزلت الأرض تحت قدميه زلزالها. لهذا هو في الحكم منذ سنين طويلة كأي دكتاتور عربي، بعد أن أوهم الإسرائيليين أنه الوحيد القادر على الدفاع عنهم وحمايتهم، فرمت حماس بصواريخها على القدس للدفاع عن المسجد الأقصى =قال= بينما المنتفضون الشبان كانوا يدافعون عن المسجد الأقصى كالأسود دونما حاجة إلى حماس، ولا إلى غير حماس. وكانوا في الوقت نفسه يجعلون من صدروهم دروعًا لسكان حي الشيخ جراح، فلا يطردون من بيوتهم. بالصواريخ التي أطلقها الإخوان المسلمون حلوا محل الشباب بالقوة، وأنهوا حركتهم التي لم تستطع العسكراتية الإسرائيلية إنهاءها، وأعادوا القدس الشرقية وسكان القدس الشرقية القدس العربية إلى زمن القذرين، حيث لا شيء يمشي، عقارب الساعة توقفت على الضم والكم والتهويد، وكل شيء يمضي وسيمضي كالماضي حتى "الأمر" القادم.

لماذا الحرب؟
أولاً: الكاسب الأول من هذه الحرب القذرة هو نتنياهو، فهو أفشل يائير لبيد في تشكيل الحكومة التي كان من المتوقع أن يكون تشكيلها بمشاركة بعض النواب العرب، وسيذهب بإسرائيل إلى انتخابات خامسة، وحتى تجري يبقى رئيسًا للوزراء، وليس من المهم أن تكون النتائج واحدة، المهم أن يبقى رئيسًا للوزراء، وأن يؤجل محاكمته إلى ما لا نهاية ... إنه زمن القذرين!

ثانيًا: الكاسب الثاني من هذه الحرب القذرة هي حماس ومن لف لفها، فهي سوقت لمقولة "المقاومة" على حساب دم الناس، وأسكنت ظمأ الملايين العطشى إلى الانتقام عن حق من إسرائيل إلى حين، أقول عن حق لأن إسرائيل تعمل على إذلالهم ترفض يد سلمهم التي تمتد إليها منذ عشرات السنين تريد إزالة وجودها بيدها، واقول إلى حين، لأن الهدنة توقف عقارب الساعة بعض الوقت سنة سنتين تبقى فيها الأشياء على ما هي عليه، ليحتمل أهالي غزة الحصار وهم "سعداء." الحصار الذي هو حصارهم وعلى رؤوسهم أحذية الله إسماعيل هنية وكل الباقين، ليحتمل الفلسطينيون والعرب أوضاع جهنم وهم "شهداء" الأوضاع التي هي أوضاعهم تحت أحذية أحذية الله حكامهم، والله في زمن القذرين هو الحاكم الأمريكي ترامب أمس وبايدن اليوم لا فرق بينهما إلا بالشكل.

والنتيجة؟

أولويات بايدن في زمن القذرين الكورونا/ البطالة/ الاقتصاد/ الصين، هذا ما أعلن عنه، لهذا ترك الشرق الأوسط في خراه على ما هو عليه متابعًا بعد داعش = صنع معلمه أوباما = سياسة الترقيع في الشرق الأوسط، المتمثلة بالتعامل مع عملاء أمريكا المخضرمين أمثال نتنياهو وعباس، أمثال الملالي، أمثال عملاء الخليج، أمثال كل أحذية الأحذية، ففي البيت الأبيض بنية فكرية قديمة قذرة بتصوراتها ورؤاها هذه هي برامجها التي تنحط بأمريكا قبل أن تنحط بغيرها من مناطق نفوذها، لهذا كانت ترتيبات الانحطاط الأمريكي لمواجهة جائحة كوفيد برفع الضرائب على ماكدونالد ويوبير يا سلام سلم! ولمواجهة البطالة بشق الطرق وبناء القناطر يا سلام سلم! ولتحريك الاقتصاد بالتوقيع على سندات بآلاف المليارات يا سلام سلم! ولحل الأزمة مع الصين بإرسال عجوز مترهل من أيام أوباما جون كيري (ألم أقل لكم إنه زمن القذرين؟) ليس ليتكلم انتاج لا سمح الله؛ ليتكلم دخان وهباب وبيئة، بينما أولى الأولويات الأمريكية هي الحل السياسي للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية كما أرتأي بقيام مملكة الأردن وفلسطين وبناء الشرق الأوسط الحديث.

(لا الجديد كما لم تزل تردد زمرة أوباما القديمة) بناء الشرق الأوسط الحضاري، وذلك بتجميعه في فضاءات اقتصادية، تكون لأمريكا بمثابة ولايات ما وراء البحار: المغرب العربي (المغرب الصحراء الغربية موريتانيا الجزائر تونس ليبيا) المشرق العربي (مصر السودان سوريا العراق الأردن فلسطين) جزيرة العرب (السعودية وكل دويلات الخليج اليمن عمان) المشرق الإسرائيلي (إسرائيل) المشرق الكردي (كردستان) المشرق التركي (تركيا) المشرق الفارسي (إيران) المشرق الأقصى (من أفغانستان حتى حدود الهند). باستراتيجية الاستثمار باستراتيجية البناء باستراتيجية الشراكة باستراتيجية العولمة باستراتيجية الحريات باختصار باستراتيجية السلام المنتج، يحل الشرق الأوسط محل الصين، وبشكل أوتوماتيكي يتم حل مشكلة نقص الإنتاج الأمريكي، مشكلة المشاكل مشكلته البنيوية، وحل باقي المشاكل الاقتصاد/ البطالة/ الكورونا/ كل المشاكل كل المشاكل ... إنه زمن النظيفين كما أرتأي!

النمط الأمريكي!

كتبت منذ عشرة أيام عن بديهيات النمط الإسرائيلي والنمط الحماسي في تعامل نتنياهو وحماس مع قضاياهما، وأكتب اليوم عن بديهيات النمط الأمريكي في تعامل بايدن مع قضايا الشرق الأوسط، لأن بايدن خير من يمثل "الإستبلشمنت"، وبالتالي خير من يمثل هذا  النمط ببنيته التقليدية، التي دامت عشرات السنين في السياسة الأمريكية. والتي لن تصمد طويلاً لشيخوختها أمام دينامية الصعود  المتزايد الصعود المتواصل "للمجموعة التقدمية" في الحزب الديمقراطي – من واحد بالمئة عام 1945 إلى 23 بالمئة عام 2021- المكونة من نواب الكونجرس الشبان والسود والإسبانيين والآسيويين، هذه المجموعة التي تنادي بالعدل والإنصاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين ذاهبة إلى أبعد بكثير مما كان متوقعًا عندما طالبت بإنزال عقوبات بإسرائيل لاعتدائها، وبمنعها من طرد سكان حي الشيخ جراح من بيوتهم، كما جاء من طرد واعتداء في الحلقة الأخيرة من مسلسل "التيلي رياليتي" للنمط الأمريكي. وهي لا تتجاهل معاناة الفلسطينيين، وسلب حقوقهم كما دأب عليه المتشددون في الكونجرس ديمقراطيون وجمهوريون من تجاهل. مشبهة الفلسطينيين بالسود في معاناتهم وسلب حقوقهم على خلفية تصفية إسرائيل العرقية.

وما مظاهرات الدعم في المدن الأمريكية، إلا خير مثال على تبديل النظرة إلى المسألة الفلسطينية داخل الكونجرس وخارجه. وكأني ببايدن بعد تصريحاته صار يريد حلاً لها من واقع الحل الإثني الأمريكي، فلا يكون هناك انفصال في حزبه وفي مجتمعه، غير أن حله يظل من تفصيل بنيته التقليدية، وتفاصيل نمطه الأوبامي الديني الحربي بالوساطة في الشرق الأوسط (إسرائيل) وبالقذارة (الدكتاتوريون العرب)، حل قوامه تمكين الإخوان المسلمين، فلمؤشرات ما بعد الاشتباكات بين إسرائيل وحماس أبعاد تدلل على بسط سلطتهم كحركة تتعدى حماس "التنظيم" والقطاع "المصري" إلى الضفة "الفلسطينية"، وذلك بتهيئة الأجواء لتكون الوريث الأوسلوي لنظام عباس، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.

والدلائل على ذلك كثيرة : تأجيل الانتخابات اللاشرعية تحت الاحتلال، التهاوش مع مفتي القدس، الاعتداء على مركز للشرطة في قضاء نابلس، قطع الكهرباء في الأردن، اتفاق مبس والحوثيين وقبوله بكل شروط الإيرانيين، الاعترافات العربية السابقة في الإمارات والبحرين وغيرهما واللاحقة في قطر وفي السعودية قبل قطر وغيرهما إلى آخره إلى آخره ... وإلى الأردن "الهاشمي"، وذلك بتسليم السلطة للإخوان المسلمين بإرادة ملكية، فيرمي عبد الله الثاني عن كاهله مشاكل جهنم الأردنيين، لهذا جاء انقطاع الكهرباء لإثارة قضية الغاز الإسرائيلي بقوة واستثماره في صالحهم. وإلى السعودية "المبسّية"، عمه أو ابن عمه شيء ثانٍ وكله مطروح، وذلك باتفاق سعودي إيراني حوثي يكون بمثابة تدشين لمرحلة جديدة "معتدلة" لنظامها من وهابي إلى إخواني، الإصلاحات الخجولة تفسيرها في هذا السياق كذلك. أقول خجولة لأن الإصلاحات تكون جذرية أو لا تكون. وفي الوضع السعودي بتبديل النظام. وإلى أفغانستان "الطالبان"، وذلك بالانسحاب الأمريكي إلى الدول المجاورة، فيكون المارينز الرادع لطالبان في أي وقت، إن لم يتصرف كالإخوان إلى آخره إلى آخره ... إذ بعد تقسيم الشرق الأوسط "الجديد" بين إيرانيين وإسرائيليين يريد الأمريكان، والدافع نمطهم القديم، تعميمه بالإخوان المسلمين.

لكن بايدن لا يفهم ولن يفهم لبنية "الترقيع" التي له أن الإخوان لن يبقوا بقوة الأشياء تحت القدم الأمريكية، التجربة الإسلامية في مصر "ميد إن يو إس إيه" كانت من أقصر التجارب مع الرئيس مرسي الذي اعتبر المصريين، وذلك منذ خطابه الأول، "أهله وعشيرته"، وحاد بهذا البعد الشخصي لطموحاته عن الخط المرسوم له، في بيئة مليئة بالتناقضات السياسية والاجتماعية والثقافية، تفرض التعاطي مع الحريات كل الحريات بما فيها الحرية الدينية وليس الحرية الدينية فقط، فكانت بالتالي تمثيلية الانقلاب على أول رئيس مصري في تاريخ مصر تم انتخابه بشكل ديمقراطي، وكان بالتالي سيناريو قتله العلني في مسلسل "التيلي رياليتي" للنمط الأمريكي، بينما هو الآن في هذه الساعة يتشمس مثلما يتشمس الباقون من زملائه الأموات الأحياء في ميامي.

إذن الحل الإخواني ليس بحل بنيوي يقوم بهدم القديم ليبني الجديد، الحل الإخواني حل إيديولوجي يهدم الجديد ليبني القديم، تونس أفضل مثال، المغرب، تركيا، السودان، إيران، الصومال، موريتانيا، حتى الجزائر في يوم مضى وفي يومٍ لم يمضِ ليبيا، وكذلك الضفة عندما أنهى الأمريكان (أقول الأمريكيين لا الإسرائيليين) الدور الذي كان لعرفات زلمتهم القديم، لينصبوا عباس زلمتهم الجديد، والحال هذه كانت تمثيلية تسميمه ومن ثم نكتة موته في المسلسل إياه مسلسل "التيلي رياليتي" للنمط الأمريكي، فماذا فعل عباس غير تمديد مهلة عدم الحل، ليس إلى ما لا نهاية، وهو بأمر أمريكا اليوم قابل (ما فيش رغم أنفه أقول قابل فما عليه إلا أن يقبل) بتبديل نظامه الأوسلوي بنظام دومًا أسلوي تحت غطاء حماسي (والا يا عمي مكاسب إسرائيل بنصبها واحتيالها شيء سهل التخلي عنه؟) إنه الغطاء إياه كما سبق وحصل بين فتح وحماس في القطاع، لأن ما وقع كان باتفاق "بين" عملاء، وما سيقع سيكون باتفاق "مع" عملاء، بلينكن ليس هنا لتثبيت وقف إطلاق النار، هكذا يجدد المنهزمون أنفسهم بالهزيمة انتصارًا، ولكن ليس إلى ما لا نهاية.

أنا لم أسمع في حياتي ولم أر كبايدن رئيسًا للولايات المتحدة يسمح بشن حرب خلال أيامه الأولى في البيت الأبيض، ولغايات لم تعد استراتيجية، لا بخصوص الانتخابات الأمريكية، وقد ثبت للعالم أجمع في الانتخابات الأمريكية الأخيرة أن أصوات اليهود الأمريكيين لم تذهب "على العميان" إلى ترامب، رغم نقل السفارة رغم الضم رغم الاعترافات، هناك من الناخبين اليهود الأمريكيين الليبيراليون الذين نبراسهم العقل لا القفا (نتنياهو) العلاقات الدولية المنتجة لا الألاعيب الإسرائيلية غير المنتجة (أيضًا نتنياهو). ألاعيب ليست على الإطلاق في صالح الشعب الإسرائيلي. وقد ثبت للعالم أجمع كذلك أن إسرائيل تمثل عبئًا كبيرًا وثقيلاً على أمريكا، عبئًا يتعلق بوجود أمريكا نفسه، لا بوجود إسرائيل دبلوماسيًا وسياسيًا واقتصاديًا وماليًا وعسكريًا و... و... و... وأخلاقيًا. وعلى الخصوص "كابنة عاق» ومع ذلك مدللة بعد أن استهلكت في زمننا زمن التكنولوجيا، زمن الكورونا، كل الأدوار التي قامت من أجلها، وانتهت كل الأهداف التي جاءت من أجلها، والتي هي (الأدوار والأهداف) تمزيق وتخزيق العالم العربي، لنهب ثرواته واسترقاق إنسانه.

بعد أن جربت أمريكا كل شيء كل ما هو مشين وحتى كل ما هو مجرم وقبل آخر إجرامها في غزة داعش ولم تنجح، لأننا في زمن التكنولوجيا ننجح معًا في الاستثمار في أولى الأراضي البكر التي هي الشرق الأوسط كل من يريد الاستثمار من أجل الإنسانية، وفي زمن الكورونا، نحيا معًا في القتال على آخر جبهات القتال من أجل الإنسانية، بقوة الأشياء لا بقوة الميركادا، والطيارة بدون طيار أو صواريخ حماس التي لا أهداف استراتيجية لها. نعم، الاستثمار والقتال من أجل الإنسانية لا التدمير مقابل التدمير إلى أجل مسمى والكره مقابل الكره إلى أجل غير مسمى، بينما في مشروعي السلمي الخلاق، خلاق لأنه الانعكاس من أجل الإنسانية، يزول الكره مقابل الوئام، ويتراجع التدمير أمام البناء، تعود كل دول المنطقة أولاها إسرائيل دولاً متعاضدة في الشرعية دولاً متواشجة في الشراكة، لا دولاً عدائية دولاً عدوانية، دول يا غالب يا مغلوب يا أنا يا أنت أولاها إسرائيل، فنغلق ملفها بإغلاق ملف فلسطين، في الوفاق المحلي الإقليمي الدولي لأن لا حل أقول لا حل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي إلا من خلال حل فلسطيني-إسرائيلي-عربي-شرق أوسطي-أمريكي-غربي-عالمي، يجد فيه العالم سلامه لأول مرة في التاريخ وبراءته وازدهاره وسعادته.

ومن هذا المنطلق، فيما يخص الإخوان المسلمون، أنا لا أريد إقصاءهم، أنا أريد أن يعملوا معي كغيرهم من الحركات السياسية في البناء والتقنين تحت كافة معانيهما، ولكن تحت شرط أن يعلقوا الدين في الخزانة، شرط غير مفروض عليهم كالصلاة والصوم والزكاة، لأنه من جوه الصيرورة التاريخية لزمننا، وهم إن تمسكوا بشرطهم، فتحت أبواب فاتيكان مكة والمدينة لهم، هناك مكانهم المناسب في دولتهم بعد أن فرض العصر إرادة التقدم علينا وعليهم، نعم حتى على المتخلفين الذين هم في بنيتهم.

ظننت أنني أقنعت الدولة العميقة في الولايات المتحدة بمشروعي الحضاري لشرق أوسط حديث تكون لأمريكا فيه حصة الأسد، ملك الغاب لا ملك سوريا! فأنا ساهر على مصالحها أكثر منها هي ساهرة على مصالحها، أنا ساهر على مصالحها ومصالح شعوبي قبل أو بعد مصالحها، هذه هي بنيتي الحديثة (شو بدي أسوي ألله خالقني كده) المضادة موضوعيًا للبنية التقليدية التي لبايدن، وموضوعيًا كذلك المضطرة لقبول ما أطرح خدمة (خدمته هو) لبلده، فيضمن بلده دوام حضارته، وذلك بتحقيق الحماية الاجتماعية للأمة الأمريكية الغاطسة في مستنقعات "الميلتنج بوت"، وإعادة بناء البنية التحتية في كل الولايات المتحدة، هذا في الداخل، وفي الخارج بمواجهة الصين، وذلك بزيادة استثماراتها عندنا.

كل شيء للهدم والبناء عندنا، وبإنقاص ديونها. نعم، ظننت أني أقنعت الدولة العميقة قبل وصول بايدن إلى الحكم لكني كنت مخطئًا. ومع ذلك أقول لأولي الأمر فيها إن الوقت ليس متأخرًا للتغيير الفعلي في صيرورته كما أرتأي لا للتغيير الديني في مسلسل "التيلي ريالتي" للنمط الأمريكي، وذلك بتجميع دول الشرق الأوسط في فضاءات اقتصادية ترتبط بنيويًا بالاقتصاد الأمريكي: المغرب العربي (المغرب الصحراء الغربية موريتانيا الجزائر تونس ليبيا) المشرق العربي (مصر السودان الصومال سوريا العراق الأردن فلسطين) جزيرة العرب (السعودية دويلات الخليج العربي اليمن عمان) المشرق اليهودي (إسرائيل) المشرق الكردي (كردستان) المشرق التركي (تركيا) المشرق الفارسي (إيران) المشرق الأقصى (أفغانستان وباقي الدول المجاورة حتى حدود الهند). هذا ولا يسعني في هذا المقام المنتج لتغيير الحياة المرافق للتغيير اللغوي سوى التذكير بمؤسستي "رينبو" الأداة الكونية للتغيير بفروعها الثلاثة الرئيسية في باريس ولندن وواشنطن التي نامت في غرفة الانتظار معي طوال ستة شهور طويلة منذ شهر ديسمبر الماضي.

أغلى وقت أغلى من الوقت نفسه بالنظر إلى عمري السياسي وسني حياتي كنت أستطيع خلالها تبديل العالم إلى عالم أمريكي من نهر الغانج إلى المحيط الأطلسي وشعاري "استثمار أكثر استغلال أقل"، والتي (أي رينبو) بالإمكان تشغيلها حالاً وتشغيل كل الباقي في أنظمة علمانية لن تعادي عند الأمريكيين سوى معاداتهم، أنظمة علمانية لن تخيف أحدًا مثلما هو النظام عندهم، لأن "أفنان رهان الأمريكان"، لأن مشكلة المشاكل لدى الأمريكان، هي مشكلة حضارتهم التي لا يمكنهم حلها وهذه هي استراتيجية المداخل التي لهم في الشرق الأوسط والتي ستقضي عليهم، مشكلة حضارتهم ليست الخزق الإسرائيلي، مشكلة مشاكلهم هي "نقص الإنتاج".

من باب نقص الإنتاج الواسع ستدخل الصين أمريكا، فتغزوها أولاً ثم تغزو العالم، وتؤسس لإمبرياليتها "الصفراء"، بينما الحل لدي جاهز لملء هذا النقص في الإنتاج بقيام الشرق الأوسط الحديث، مع أداته الأخطبوطية "رينبو" في العالم، وبإنتاج الشرق الأوسط المضاف للإنتاج الأمريكي، يكون التعويض عما تحتاجه الولايات المتحدة من الصين، ويكون التحرر من أسنان التنين، ويكون الامتداد الألفي للحضارة الأمريكية، فهل يفهم هذا بايدن؟ هل يعرف هذا بلينكن؟ هل تدرك هذا الإدارة الأمريكية؟